هل بدأت المصارف المفترض إنّها وديع حسابات النائب علي حسن خليل ووزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس إجراءات قَفل تلك الحسابات، بعد قرار وزارة الخزانة الأميركية إدراج حسن خليل وفنيانوس على لائحة العقوبات الأميركية؟ الودائع ليست موجودة على الأرجح. هي من ضمن الودائع التي سُحبت نقدًا من المصارف أواخر 2019، أو في بدايات 2020، بعد الإشارات إلى إعسار مالي وشيك واقتراب الدولة من التوقف عن الدفع. ما كان لدى حسن خليل بصفته وزيرًا للمال في حينه، وزميله الوزير السابق فنيانوس من معطيات لم يكن البتّة في متناول العامّة. أمّا لماذا استبعاد أن يكون حسن خليل وفنيانوس قد حوّلا ودائعهما إلى الخارج، فلأنّ واشنطن كانت تحذّر من عقوبات لسياسيين قريبين من "حزب الله". معلومات كانت تسرّبت عن عقوبات بموجب قانون ماغنتسكي قد تطال حسن خليل وفنيانوس وآخرين نشرتها "المدن" (24 كانون الثاني 2020) وكان الإثنان على لائحة العقوبات. الأسماء الأخرى على اللائحة "آتية في وقت قريب" تجزم مصادر عليمة جدًا في هذا المجال. بينها رجال أعمال، وأصحاب كسّارات، وكارتيل النفط والفيول أويل، ومتعهدي أشغال بينهم واحد محظيٌ بالصفقات العمومية.
الحكومة وأمبراطورية المال
لا يمكن عزل توقيت القرار الأميركي عن التعقيدات التي تواجه رئيس الحكومة المكلّف مصطفى أديب تأليف الحكومة. خصوصًا في موضوع تمسك رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي بوزارة المال ليكرّس ظاهرة وزارات لطوائف وطوائف لوزارات. لأنها في حال نجحت الظاهرة ستعمّم مبدأً خلافًا للدستور. في التأكيد لن يأتي حسن خليل بعد اليوم وفي ظل سريان العقوبات الأميركية وزيرًا للمال بالذات. فمروحة وصاية وزارة المال واسعة جدًا على مؤسسات لا زالت تدرّ أرباحًا وتسيطر عليها حركة "أمل" إداريًا. كإدارة حصر التبغ والتنباك، الجمارك، ومصرف الإسكان، والمؤسسة العامّة للإسكان، وإنترا القابضة وشركاتها التابعة وفي مقدمها مصرف التمويل، وعقارية المرفأ، أستديو بعلبك، والبرّاد اليوناني (متوقفان) وكازينو لبنان وعقارات في أكثر من منطقة وغير ذلك. ولوزارة المال مباشرة أسهم في إنترا ومن خلالها في بعض المؤسسات المذكورة. وكلها على تماس مباشر بالتجارة والمال، وبعضها على ارتباط بالتمويل الدولي والعربي. كل ذلك بالإضافة إلى علاقة وزارة المال بمصرف لبنان. الأمر الذي يعقّد فرص حركة "أمل" بالحصول على حقيبتها.
توقيت العقوبات يؤكّد المؤكّد بأنّ مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منسّقة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتسهيل مهمّة أديب تأليف الحكومة، والبدء بروزنامة الإصلاحات والتفاوض مع صندوق النقد الدولي. وقد بدا أديب متمسّكًا بوجوب تداول الوزارات ورفض الخضوع لضغوط أكثر من فريق. وكان بذلك يوجّه رسالة إلى رئيس الجمهورية المولع بعدم توقيع المراسيم بأنّه على موقفه من تأليف الحكومة التي يراها مناسبة للإنطلاق من تحت الركام وقاع الإنهيار المالي وجائحة كورونا. المعلومات تفيد أنّ استقالة الرئيس المكلّف جاهزة في حال لم يتمكّن من تذليل العقبات التي وضعت في الطريق. هذا ما يحاول عون وبرّي و"حزب الله" تفاديه وتحمّل نتائجه الكارثية على البلد في الظروف الراهنة.
اللافت، أن قانون ماغنتسكي للعقوبات الذي أُقر في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، المستوحى من مسؤول الضرائب السابق في وزارة المال الروسية سيرجي ماغنتسكي الذي قضى في السجن عام 2009 بعد اكتشافه عمليات تهرب ضريبي واسعة لمصلحة مجموعة رجال أعمال مقرّبة من الرئيس فلاديمير بوتين، معنيٌ بعقوبات على من تعتبرهم واشنطن ضالعين في الفساد خارج الولايات المتحدة، وبجرائم حقوق الإنسان. ولأنّ واشنطن تضع "حزب الله" على رأس روزنامتها السياسية تبعًا لولائه طهران وصراعها معها، هدفًا مزدوجًا من العقوبات. دعم "حزب الله" والتورط في الفساد. ردّت حركة "أمل" وتيار "المردة" في السياسة. أمّا اتهامات الفساد فلم تردّا عليها. وهناك معلومات مفادها أنّ اللائحة الثانية من العقوبات تضم رجال أعمال قريبين من عون. ولا علاقة معروفة لهم بـ"حزب الله". لكنهم مشتبهون بتعهدات ومشتريات عمومية مزغولة بالرشى وسوء النوعية. وهناك لائحة أخرى مرجأ الإعلان عنها ممّن كان يسمّى 14 آذار. والشبهة فساد ورشى. هذه هي السمة العامة للمنظومة السياسية الأوليغارشية. من ترجّل منها ليلتحق بالثورة ويزايد لروزنامته الطائفية الخاصّة، أو من بقي حرونًا يجهر في عدائه للإصلاح والتغيير كي يحتفظ بامتيازات نفعية زبائنية. (كلّن يعني كلّن) شعارًا بسيطًا على السمع كان، وعميقًا في الدلالات.
الحسابات المدينة
عودٌ على بدء. قرار العقوبات على حسن خليل وفنيانوس لن يترك الكثير من التداعيات على الوضع المصرفي في لبنان. أتى في لحظة مالية ومصرفية قريبة من الفوضى وفي غياب سلطة القوانين التي ترعى الشؤون المالية والمصرفية. قفل حساب من هنا وفتح حساب من هناك، لم يعد له تأثير كما في السابق. وثمة من يرى أن الهيئة الخاصة لمكافحة تبييض الأموال وأموال الإرهاب قد تكتفي بالطلب إلى المصارف التي فيها ودائع مفترضة لحسن خليل وفنيانوس قفل الحسابات من دون تجميدها. لكن الأمر يختلف في حال كان لحسن خليل وفنيانوس حسابات مدينة في المصارف. فهذه يفترض أن تُقفل على الفور. والمصارف في مثل هذه الحال مدعوة إلى حمل مؤونات بقيمة الدين ما لم يتم سدادها وإلى حين تحصيلها.
بموجب تعميم مصرف لبنان رقم 137، فعلى المصارف التي تريد إقفال حسابات مؤسسات أو أشخاص لأنها تعتبرها مخالفة للقانون الأميركي أن تقدم التبرير (المسوّغ) لذلك قبل إقفال الحساب. ويجب أن يتضمن التبرير حركة الحساب الوتيرة والحجم. وعلى المصرف أن ينتظر ردًا من هيئة التحقيق الخاصة قبل إقفال الحساب، وإن لم يبلغه الردّ خلال 30 يومًا، فعندها يتصرف المصرف على مسؤوليته. ويمكن للمصارف وهيئة التحقيق الخاصة طرح الموضوع على الهيئة المصرفية العليا إن اقتضت الحاجة.
من لا يوجعه الضمير، جيبه توجعه. العقوبات أنهت علاقات حسن خليل وفنيانوس بالخارج. ماليًا واستثماريًا وتحويلات. نظام سويفت يردّ تلقاءً أي عملية للإثنين. لم يعد القطاع المصرفي خاصرة رخوة ممنوع العبث بها. عبث بالقطاع أصحابه ومصرف لبنان والمنظومة السياسية. لبنان كله بات خاصرة تتلقّى اللكمات.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها