وبالتوازي مع سعي أصحاب المصالح لعدم تهاوي الأرباح، ينعم المواطنون في أغلب دول العالم بالوفر المادي الذي يحققونه نتيجة انخفاض الأسعار. غير أن ساسة لبنان قرروا السير عكس قواعد السوق، رغم تذرّعهم بها في موضوع ارتفاع سعر صرف الدولار وانخفاض سعر الليرة.
أما النتيجة، فتثبيت لأسعار المحروقات "على عينك يا تاجر"، فمن يستفيد من انخفاض الأسعار إذن؟
مصدر للايرادات
تنظر السلطة السياسية إلى المحروقات بوصفها مصدراً مناسباً لتأمين إيرادات سهلة وسريعة، وتضع دائماً رفع أسعار المحروقات نصب أعينها، عند كل حديث عن إصلاحات اقتصادية تزيد إيرادات الدولة. وكلنا نذكر مبلغ الـ5000 ليرة الذي تلوّح به السلطة من حين لآخر، كزيادة على سعر صفيحة البنزين.
كما أن رفع أسعار المحروقات، بغض النظر عن سعر برميل النفط عالمياً، يُطرح عند كل استحقاق أمام الحكومات المتعاقبة. فبالعودة قليلاً إلى الوراء، طرحت السلطة عام 2015 زيادة ما بين 3 إلى 5 آلاف ليرة على المحروقات، كضريبة مباشرة وموحّدة، لتمويل عملية ترحيل النفايات، وكذلك طُرِحَت كبابٍ من أبواب تمويل سلسلة الرتب والرواتب. واليوم تُطرح بشكل غير مباشر وغير معلَن، لتحقيق وفر، بدل استيفاء أموال إضافية من المواطن المنهَك، في حين يبحث المواطن عن مصدر دخل إضافي، مهما كان ضئيلاً. وبدل التوفير في سعر المحروقات، أبقَت الحكومة على السعر كما هو، لتربح هي ويخسر المواطن.
رفع السقف
لم تكتفِ الحكومة بحرمان اللبنانيين من الوفر، بعد تحديد سقف لسعر صفيحة البنزين، بل تلوّح عبر وزير المالية غازي وزني، برفع السقف المعمول به حالياً، وهو 25 ألف ليرة. وبذلك، تقول الحكومة للمواطن أنه لن يستفيد من انخفاض أسعار النفط عالمياً. وفي حال ارتفع السعر العالمي وتَبِعَته الأسعار المحلية، سيرتفع السقف، ليدفع المواطن مزيداً من الأموال لحكومة لا تبحث إلاّ عن آليات إفقار شعبها. ويبدو أن ارتفاع الأسعار ومعها السقف، قد لا يكون قريباً. إذ أفادت وكالة رويترز بأن السعودية وروسيا اتفقتا على تنفيذ تخفيضات كبيرة في مستويات الإنتاج تصل إلى 20 مليون برميل يومياً. وخفض الانتاج يعني احتمال رفع الأسعار بعد ثباتها لفترة وجيزة. ورفع الأسعار ضروري لتعويض آثار انخفاضه.
وقد يتغاضى اللبنانيون عن تحديد سقف، فيما لو التمسوا نتائج لما تحققه الدولة من وفر. لكن النموذج الذي تقدمه الحكومة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، يستدعي المزيد من القلق، وكيف بعد التلويح بزيادة السقف؟
إخفاء الفشل
لا تخشى السلطة إجراء صفقاتها بوضوح، وتبريرها لاحقاً بحجج غير متماسكة ومفضوحة. ويشكّل ملف المحروقات فرصة لإخفاء بعض آثار الفشل لدى هذه السلطة، وتحديداً في ملف الكهرباء. ومن هنا ينطلق أهم سبب من أسباب عدم خفض أسعار المحروقات في لبنان.
فالعجز الأبرز في الموازنة العامة، يُسجّل في حساب مؤسسة كهرباء لبنان، التي تعيش على سلفات الخزينة لتأمين الفيول لانتاج الكهرباء. لذلك، فإن أول ما تفكر فيه السلطة هو تأمين الفيول من جيب المواطن لا خزينتها. ومرة أخرى، لا ضير في ذلك إن كان تأمين الفيول الإضافي سيعني مزيداً من التغذية بالتيار الكهربائي، وهذا ما لن يحصل.
ولا تتوقف المسألة عند تأمين الفيول، بل تتعداها إلى تمويل المشاريع التي تورطت بها وزارة الطاقة، بفعل ما يسمى بخطة إصلاح قطاع الكهرباء. على أن تورُّط الوزارة يعني مراكمة الأعباء على الدولة التي تسد العجز من جيوب المواطنين، فيما أصحاب المشاريع يستفيدون من عائداتها. وتبرز حاجة السلطة لسد العجز في مؤسسة الكهرباء، بعد أن فشلت في تطبيق أهداف خطتها، وعلى رأسها رفع مستوى الجباية.
وفي المحصلة، بقيت أسعار المحروقات على حالها، مقابل استفادة السلطة من الوفر المحقق في كل صفيحة بنزين. وإلى حين اجراء أي تغيير، لسبب ما، تبيع محطات الوقود صفيحة البنزين عيار 95 أوكتان بسعر 23500 ليرة، فيما وصل سعر صفيحة البنزين 98 أوكتان إلى 24 ألف ليرة. أما صفيحة الديزل أويل فبلغ سعرها 10700 ليرة. وتباع قارورة الغاز 10 كلغ بسعر 12 ألف ليرة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها