يعكس باسيل صورة زعماء البلاد السياسيين البعيدين كل البعد عن الأوضاع المعيشية للمواطنين، والمتغاضين عن حقيقة الأوضاع الإقتصادية والمالية للدولة. فالزعماء يعيشون في رفاهية كاملة، لا تعرف كيف يوزّع المواطن العادي راتبه الشهري، على سلسلة الإحتياجات التي يُفترض أن تؤمّن الدولة معظمها مجاناً، أو بأسعار رمزية. وعليه، ليس مستغرباً حديث باسيل، ولا توجّه السلطة نحو البحث في تجميد 25 في المئة من السلسلة، لمدة ثلاث سنوات.
بين بلغراد وبيروت
وتماشياً مع ما يريده باسيل، ومن خلفه الهيئات الإقتصادية وأرباب القطاع المصرفي، لا بد، تمهيداً لنقل التجربة الصربية، من مقارنة الوضع المعيشي للمواطنين الصربيين، بالوضع المعيشي للمواطنين اللبنانيين الذين يحلمون بأن تنقلهم دولتهم الى أوضاع معيشية تشبه النمط الأوروبي.
يصل متوسط الراتب الشهري في صربيا بعد حسم الضرائب، إلى نحو 500 دولار، في حين يصل متوسط الراتب الشهري في لبنان الى نحو 800 دولار دون حسم أي ضريبة. علماً أن عدداً كبيراً من المواطنين يتقاضون الحد الأدنى الرسمي للأجور، وهو 450 دولار، ومنهم من يتقاضى أقل من ذلك، وبالطبع، قبل حسم أي ضريبة، وقبل القيام بأي نشاط إقتصادي.
بالتوازي مع إستلام المواطن الصربي لراتبه الشهري، تقدّم له الدولة الكهرباء والمياه والتدفئة بأسعار رمزية. وبذلك، يدفع الصربي أجرة شهرية لشقّة بمساحة 85 متر مربع، نحو 140 دولار، من ضمنها كلفة الكهرباء والمياه والتدفئة وتنظيف القمامة. وأجرة شقة مكونة من ثلاث غرف نوم في وسط المدينة، يبلغ كمعدل وسطي 468 دولار شهرياً.
وإذا أراد الصربي شراء شقة، فإن سعر المتر المربع في وسط العاصمة بلغراد، يبدأ من نحو 900 دولار، ولا يتجاوز 2800 دولار، فيما سعر المتر المربع في وسط مدينة بيروت لا يقل عن 12 الف دولار. أما سعر المتر المربع خارج مركز المدينة، فيبدأ في صربيا من نحو 680 دولار ولا يتجاوز 1400 دولار، في حين أن سعر المتر المربع في بيروت الإدارية يتراوح بين 2000 و3000 دولار.
وإذا فكّر الصربي بالترفيه عن نفسه والتشبّه بالسيّاح، يمكنه إستئجار غرفة في فندق 5 نجوم، فيدفع متوسط أجرة الليلة الواحدة، نحو 95 دولار. فهل يعرف باسيل والهيئات الإقتصادية وأصحاب المصارف، متوسط سعر الليلة الواحدة لغرفة فندق خمس نجوم في بيروت؟.
بعد إستئجار أو شراء منزل أو التنعّم بخدمات الفنادق في صربيا، يستقلّ الصربي سيارة تاكسي في بلغراد، فيدفع 1.6 دولار كحد أقصى، ويذهب لإصطحاب طفله من روضة الأطفال التابعة للقطاع الخاص، والتي تكلّفه شهرياً بين 115 و336 دولار كحد أقصى. ثم يذهب إلى السينما، فيدفع أجرة المقعد الواحد، بين ثلاثة إلى خمسة دولارات. أما الإهتمام بالرشاقة، فيكلّف الصربي إشتراكاً شهرياً في نادٍ للياقة البدنية يتراوح بين 14 و29 دولار. ناهيك عن الحديث حول أسعار المواد الغذائية، فالمعدل الوسطي لسعر كيلو لحم البقر، يبلغ ستة دولارات، في حين يصل سعر الكيلو المماثل في ضواحي بيروت إلى 10 دولار، ويبلغ متوسط السعر في بيروت الإدارية، نحو 18 دولار.
إذاً، توجّه الحكومة الصربية إلى خفض رواتب موظفي القطاع العام فيها، يمكن التغاضي عنه حين تؤمّن الدولة لشعبها أبسط حقوقه المعيشية والإنسانية. فالراتب المخفّض يكفي الصربي للعيش بكرامة، لا يؤمّنها متوسط دخل الموظف اللبناني. فالتَرَف في هذه الحالة يا معالي الوزير هو إستلام سلطة تُمعن خنقاً في عنق شعبها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها