أصدر الرئيس السوري، في الثالث من أيار الجاري، مرسوماً يمنح الشركات الخاصة الحق في إدارة واستثمار أملاك تعود إلى المدن والبلدات السورية، ويسمح لها بتقديم خدمات للمواطنين كانت الدولة حتى الآن تحتكر تقديمها.
وقد جاءت الأخبار المتعلقة بهذا المرسوم مفاجئة نسبياً إذ لم يجر تداول مشروع المرسوم أومناقشته في الصحافة السورية قبل إقراره، كما جرت العادة مع غالبية حالات القوانين التي تعدّها الحكومة.
ويقول نص المرسوم إنه يسمح للوحدات الإدارية، أي كل وحدات الإدارة المحلية في المحافظة كالمدن والبلدات، انشاء شركات قابضة للادارة والاستثمار في الأملاك التي تعود ملكيتها للبلدة أو المدينة كالملكيات العقارية والاراضي.
في الواقع، ستتولى الشركات القابضة هذه عملية تأسيس شركات تابعة لها ستقوم بإدارة هذه الأملاك. وسيكون ايضا في إمكان الشركات التابعة للشركات القابضة إدارة العديد من الخدمات نيابة عن المدن والبلدات السورية، كمنح تراخيص البناء، وتحصيل الرسوم والبدلات والغرامات، وانشاء وادارة مراكز خدمة المواطن، وتنفيذ البنى التحتية.
ظاهرياً، لا يضر القانون بالمصلحة العامة لأن المرسوم ينص على أن تكون عائدية ملكية الشركة القابضة بالكامل للوحدة الادارية التي أسستها. ولكن هذا الشرط لا ينطبق على الشركات التابعة، إذ بامكان الشركة القابضة انشاء شركة فرعية مشتركة مع القطاع الخاص، بحيث يمكن أن تقتصر ملكية الشركة القابضة، على سبيل المثال، على ما نسبته 10 أو 20% فقط، بينما تذهب بقية الاسهم لمستثمري القطاع الخاص.
إضافة الى ذلك، يعطي القانون الشركات القابضة والشركات التابعة لها حقوقاً واسعة ويؤمن لها كامل الحماية. وستكون، في الوقت نفسه، خاضعة لأحكام قوانين التجارة وقانون الشركات (المادة 6 من القانون)، كما أنها ستستفيد من "المزايا" الممنوحة لشركات القطاع العام (المادة 8)، في حين ستعفى الأملاك المنقولة الى الشركة القابضة أو منها الى الشركات التابعة لها من جميع الضرائب والرسوم (مادة 3).
ما زال من الصعب التوصل إلى فهم التأثيرات التي ستنجم عن تنفيذ هذا القانون، وكذلك الطريقة التي ستتم بها المحافظة على حقوق المواطنين وحمايتهم بشكل عام، في وقت تقوم الحكومات في بعض الدول الغربية، أحياناً، بمنح الشركات الخاصة تراخيص تخولها القيام بالنياية عنها بمهام حكومية، فانها تفرض على هذه الشركات ضمانات وقواعد تنظيمية كثيرة، وشفافية صارمة للغاية.
أما في الحالة السورية، حيث ترسّخ الفساد منذ ما قبل الثورة، فانه سيكون من السهل على مستثمري القطاع الخاص اغراء المسؤولين، الذين يتقاضون رواتب متدنية، للدخول في شركات مشتركة معهم وتولي أمر الاملاك العامة. بالطبع سيكون المستثمرون المرتبطون بالنظام السوري المستفيدين الرئيسيين من هذا المرسوم. وإذا اخذنا في الإعتبار ملاءة المستثمرين المالية وقدرتهم على إخضاع الناس والمسؤولين المحليين، فانهم في أفضل موقع لتولي أملاك البلاد الأكثر قيمة.
قبل الثورة، أخذت مصالح رجال الأعمال المرتبطين بالنظام الأسبقية على حساب مصالح المجتمع. ولا يبدو أن الحرب قد غيرت أولويات النظام إذ لا شيء يوقف التوسع التدريجي في المصالح الخاصة على حساب الحيز العام.
بعد انتهاء الحرب، سيكون الحفاظ على الفضاء العام والتوسع فيه شرطين ضروريين لإعادة بناء المجتمع السوري، وحمايته من مصالح حكامه، أيا كانوا.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها