وداعا أيها الرفيق الياس. نحن بأمس الحاجة إليك. لمقالاتك، لأدبك، لتواضعك، لإيمانك العميق بأن الحقيقة هي في الممارسة وان الممارسة عليها ان تكون مجردة دوما من الأنا والشكليات وهشاشة الشاشات. ولأنك اولاً واخيراً متحرر من صورة الياس خوري ولأنك تخلقها يوميا. سنفتقد رؤيتك بيننا في الشارع وأمام فرع شرطة مطالبا بتحرير زميل او زميلة، وسنفتقد اراءك الثاقبة الملقاة بلا تكلف في اجتماع ما، او جلسة على قارعة الشارع. سنفتقدك كثيرا لأنك كنت حقا بيننا، ولأنك كنت نظيف الكف، وعاديا وحقيقيا ولاننا كنا بأمس الحاجة إلى امثالك ولم تخيبنا. الله يرحمك!
محمد سويد
كانت الكلمات واسطة عقدنا وأجود جواهر عمر جمعنا من الحرب إلى صفحات "السفير" و"النهار"، وعروض مهرجان أيلول ومسرح بيروت مع پاسكال فغالي، وسيناريو "باب الشمس" مع يسري نصر الله. أربعون عامًا ويزيد أمضيتها معك في عِشرة طيبة، ارتوى ردح منها بكرم حبك في رعايتي وتحريضي على الكتابة وتصوير الأفلام وشجاعة الكلمة. على تعبيرك في إحدى أولى رواياتك، تمضي يا الياس "كحلم النائم" ودونك "الوجوه البيضاء" التي أخرجتها من موتها وها هو الموت يعود ليأخذك منها. أذكر أنك واسيت مرة محمود درويش، بعد خضوعه لجراحة دقيقة في القلب، وكتبت أن "الشاعر تنقذه كلماته". الآن، تخذلني الكلمات ولا تواسيني في رحيلك أيها المعلم والأب والأخ والرفيق وجبلي الصغير. ألوذ بكلماتك حين كابدت الألم وقلت لي في آخر مكالمة هاتفية، "أعلم أنك تحبني، واعلم أنني أحبك".
إلى نجلاء وعبلة وطلال، خالص الحب.
بشير البكر
روائي وصحافي عاش، وعبّر عن قضايا زمنه بعمق، وفي طليعة الكتاب الذين دافعو عن حرية واستقلال لبنان و تحرير فلسطين وديموقراطية سوريا.
الياس خوري وداعا..
خالد فهمي
أنعي صديقي وأستاذي إلياس خوري. اتعرفت عليه من أكتر من عشرين سنة لما ابتدى يتردد على نيويورك كأستاذ زائر مرموق Distinguished Visiting Professor في جامعة نيويورك اللي كنت بأشتغل فيها. وعلى مدار سنين طويلة نشأت بيننا زمالة وبعدين صداقة حميمة وقوية اعتبرها من أعمق وأثمن صداقاتي. انتاقشنا كتير وحكينا كتير ونصحني كتير واتعلمت منه كتير.
أبهرتني مواقفه المبدئية القوية والواضحة وإخلاصه لقلمه وإيمانه بأهمية الكلمة وأثرها وتماهيه مع القضية الفلسطينية ومع مأساة الفلسطينيين. وكنت بحسد طلابه على حظهم في التتلمذ على إيديه وكنت منبهر بإخلاصه لتلامذته وتفانيه في تدريسهم.
أعماله خالدة وأفكاره ملهمة دايما لكنيّ هفتقد صحبته ونصايحه ورفقته.
عزائي لنجلا وعبلة وطلال ويامن وكل محبيه وقراءه ومريديه.
سامي مهنا
تسنّى لي أن أجري لقاءً مطوّلاً مع الرّوائي المبدع إلياس خوري، في البرنامج الأدبيّ الذي كنت أقدّمه في إذاعة الشّمس، وكانت فرصة أخرى لحوار شائق معه عبر السكايب، في أمسية أقامها مجلس دير الأسد، بمبادرة الكاتبة المرحومة ميسون أسدي، لتكريم أولاد وأحفاد المناضل سعيد صالح عبد الهادي الأسدي، الشخصية الحقيقية في رواية باب الشّمس، وتكريم الكاتب الكبير الذي حمل الهمّ والقضية الفلسطينية كأحد أبنائها المخلصين. وقد طلب الياس خوري أن أُجري معه هذا الحوار أيضًا، وقال لي مازحًا، (الي بنعرفو أحسن من الي بنعرفش) مشيرًا بالرمز للحالة المركبّة في الداخل (الثماني أربعيني) ولكن من يقرأ إلياس خوري، ولا سيّما باب الشّمس، يشعر كأنّه إبن الجليل، وفلسطين بكاملها، وكأنّه يعرف أهلها وقراها ومدنها وأشجارها وجبالها ومغرها وأحجارها. رحل الياس خوري تاركًا قُبلة على جبين الوطن ولا يزال باب الشّمس مفتوحاً على مصراعيّ الانتظار.
ناظم السيد
موقفان حدثا بين إلياس خوري وبيني حين كنت أكتب في ملحق النهار الثقافي الذي كان يرأس تحريره. ذات مرة اتصل بي ليثني على نص كتبته عن والدي بعنوان "سائس حصان الله" وهو نص عن علاقة والدي بفلسطين التي عاش وسجن فيها إبان الاستعمار البريطاني قبل أن يهرب منها مع النازحين أثناء النكبة عبر مرفأ حيفا.
المناسبة الثانية اتصل بي ليشكرني على مقال حول روايته "كأنها نائمة" نشرته على ما أعتقد في الملحق الثقافي لصحيفة النهار. لم أعد أذكر. استنتجت- واستنتاجي كان خاطئاً- أن بطلة الرواية النائمة طوال الرواية هي في الحقيقة ميتة تتذكر أحداثاُ على صلة بفلسطين. قال لي: لكنها ليست ميتة. ضحكت وقلت: إذاً، قتلتها بمقالي. مع ذلك، نشر إلياس خوري المقال في دلالة واضحة على ديمقراطيته وقبوله الرأي المختلف حتى في ما يتعلق بنتاجه الأدبي الغني عن التعريف هنا.
بعيداً عن هذين الموقفين، عاش إلياس خوري ومات على موقف واحد: الانتماء إلى فلسطين. لم تحد كتاباته عن هذا الموقف. مع ذلك، كان من الأدباء القلائل الذين لم تحوّل القضايا السياسية والوطنية كتاباتهم إلى شعار. كان إلياس روائياً أصيلاً وحكّاء نادراً في صنعة الرواية.
ولم يكن إلياس خوري روائياً نادراً أو صديقاً للشعراء فحسب، وإنما كان قارئاً حذقاً للشعر. وسيظل فن الشعر مديناً له بسبب كتابه الذي ربما لم يطلع عليه إلا العارفون بالراحل: "دراسات في نقد الشعر" الذي صدر العام ١٩٨٦.
في هذه اللحظة التي يتعرّض فيها الشعب الفلسطيني لإبادة ممنهجة، أحسب موت إلياس خوري عملاً من أعمال القتل في استعارة لبيت المتنبي "إذا ما تأملتَ الزمانَ وصرفَه/ تيقنتَ أنَّ الموتَ ضربٌ من القتلِ".
يزن الحاج
اعتدنا أن نؤرّخ لحياتنا بالخسارات، بالفقد، بالذاكرة، بخاصة ذاكرة الرحيل، وبخاصة لرحيل المبدعين، وكأنّ قَدَر المبدعين أن يحضروا في الغياب حتى بعد رحيلهم. نحتفي بذكرى الرحيل لا الولادة، بحياة الأعمال في الموت لا حين كانت وكان خالقها. نتذكّر فنتحسّر ثم ننسى قبل أن يأتي رحيل آخر ليلطمنا فنتذكّر ونتحسّر ثم ننسى.
الرحيل هذه المرة لطمة موجعة قد لا ندرك معناها إلا حين نغرق فيها.
رحل الياس خوري.
ليس محض غياب في دوّامة موشور المقتلة التي نعيشها منذ قُتل الحلم مع الربيع، بل إنها فاجعة لا محض رحيل؛ فاجعة سندركها - كعادتنا - متأخّرين حين نتلمّس الفراغ الذي تركه بعد رحيله. فراغ كالذي تركه إميل حبيبي، وعبد الرحمن منيف، ومحمود درويش، ونجيب محفوظ. هو من قماشة هؤلاء، ولعلّه آخرهم. سندرك الغياب حين نتأسّى على مصير الرواية وعلى مصير المثقّفين أصحاب المواقف.
كان له زلّاته التي توجَّبَ إدانتها بقسوة، بقسوة تعادل حبّه وأهميّته ومعنى حضوره. ولكنّه بوصلة قد تخفت ولكنّها تعود إلى شمالها الثابت، إلى فلسطين وإلى الديمقراطية والحرية ومعنى أن تكون صاحب كلمة وموقف.
سنتلمّس الغياب حين نغرق في الهاوية التي خلّقها رحيل فرسان الرواية، وحين نهرع خائفين لنلوذ في حمى من تبقّى، ومن تبقّى نادرون أطال الله في أعمارهم وفي إبداعهم.
ربّما كنّا سنتساءل عن سرّ نبش "رائحة الصابون" التي انتزعها من عام 1984 حين نُشرت أول مرة في "المبتدأ والخبر" وزرعها في تربة عام 2000.
هل كان يظنّ، كما ظنّ كثيرون، أنّ "باب الشمس" ستُوصد أبواب الجديد، وأنّه بلغ ذرى إبداعه وانتهى، وآن وقت نبش الدفاتر القديمة؟
فجأة استفاق المارد ومنحنا روايتين عظيمتين هما "يالو" و"كأنّها نائمة"، ليدرك هو قبل غيره أنّ الدهن في العتاقي، وأنّ جوهر عبقريّته لم يتأثّر بالعُمر بل لعلّه تعتّق.
لنا أن نختلف منذ "سينالكول" وما بعدها. لنا أن نذكّره أن البريق قد خفت بخاصة حين نقارنه بنفسه، إذ رحل معظم من كان لهم أن ينافسوه.
المهم أنّه يستحق الاختلاف، وليس محض رقم في روزنامة الرواية العربية. وهو خير من أدرك أن أبواب الكلام متعددّة تعدّد متكلّميها؛ هي أبواب البدايات وأبواب القراءات وأبواب فهم الحكايات.
"بدأت الحكاية هكذا"، ثم يهبنا بدايات كثيرة في "مجمع الأسرار" وفي عالمه كلّه، وكأنّه يومئ إلى أن الاختلاف محض اختلاف في زاوية القراءة، غير أنه سكت عن النهايات، أو ربّما أدرك أن النهايات نهاية واحدة لا تعدّد فيها.
لنا البدايات، وهذا ما يهمّ. أما النهايات فلنتركها لفجيعة الغياب كي ترسمها على هواها.
مع السلامة يا صاحب البدايات.
كمال حمدان
إلياس خوري وداعا،
جسًد إلياس خوري سمات المثقف الثوري والروائي الملتزم وصاحب القناعات السياسية والفكرية التي لا تتزعزع. وتمسًك حتى الرمق الأخير بوجوب الربط بين حركة الثقافة والفكر من جهة وحركة الفعل الحيً في حقول التحرر الوطني ومقاومة المحتلً والتغيير الديمقراطي من جهة ثانية. وسوف تفتقدك المنابر والساحات يا رفيق إلياس.
فراس حمدان
كم أصاب الياس خوري في عنوان كتابه "النكبة المستمرة"، والنكبة تتخذ أشكالاً متعددة، وربما تتجسد نكبة فلسطين وبيروت وأحرار العالم العربي المدافعين عن الحريات والديمقراطية وحق الشعوب بالحياة في هذا اليوم برحيل الياس خوري؛
يبقى رحيل الياس خوري مؤلماً وقاسياً وفي أصعب اللحظات التي كنا بحاجة فيها إليه والتي تتلخص من خلال مقال رأي أو ربما رواية نسترشد بها طريقنا في زمن الأخطار والنكبات.
جاد وهبي
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها