الخميس 2024/06/20

آخر تحديث: 12:51 (بيروت)

انكفاء المثقف العربي..بل انخراطه في التصفيق ومبايعة الأنظمة

الخميس 2024/06/20
انكفاء المثقف العربي..بل انخراطه في التصفيق ومبايعة الأنظمة
"توعك المثقف" للفنان الإيرلندي باتريك تيموني
increase حجم الخط decrease
"تاريخ البشر تعاقب مستمر لحضارات بشرية، جزئية، متنوعة بتنوع الأجناس والألوان، مقيدة بقيود الزمان والمكان. وتاريخ الإنسان نزوع دائم وسعي متواصل لتحقيق الحضارة الإنسانية، الواحدة، الكلية، المطلقة".
ونحن، أبناء العالم العربي، أعرق الشعوب في الحضارات، وأخصبها إنتاجاً للحضارات، وأكثرها هضماً للحضارات، مدعوون إذاً، بنوع خاص، إلى المساهمة في خلق الحضارة الإنسانية المنشودة؛ فالحضارات الإنسانية تبدأ مع المثقف ولا تنته بدعم قضايا العدل. 
وإلى القائلين بأنه يكفينا، كي نقوم بواجبنا الحضاري، أن نرتمي في تيار الحضارة الغربية القائمة اليوم في جزء كبير من العالم لأنها اثبتت بما أنتجته من قيم روحية ومادية أنها الحضارة الممثلة لنزوع الإنسان نحو الحضارة الإنسانية، إلى أولئك أقول إن الحضارة الغربية، وخصوصاً ما نرى منها منذ 7 تشرين الأول الفائت، لا تزال حضارة بشرية تحتاج إلى التخلص من الكثير من العناصر اللاإنسانية العالق بها؛ بل هي تفتقر إلى الكثير من العناصر الإنسانية الكامنة في غيرها من الحضارات البشرية (الحضارة الإسلامية بنوع خاص). 

إنه من العسير إحصاء جميع العناصر التي ستتألف منها هذه الحضارة الإنسانية، غير أنه من المؤكد أن العقل سيكون فيها العنصر الأثقل وزناً والأرفع شأناً؛ لماذا؟ لأنه العنصر الانساني العام لجميع البشر، كما أنه الأداة الضرورية لتعميم العناصر الإنسانية الأخرى. إذ، ما من قيمة، إلا بمقدار ما تصاغ في قوالبه، أو على الأقل، بمقدار ما تكون مشبعة منه ومثقلة به.


ولهذا يمكننا القول أن ما يعين مركز كل من الحضارات البشرية بالنسبة إلى الحضارة الإنسانية، وما يحدد المسافة التي تفصل بينهما، إنما هو موقف تلك الحضارة البشرية من العقل، ومدى تغذيها منه، ومقدار اعتمادها إياه - أي العقل - في حل المشاكل المطروحة.

الإشكالية الأساسية المطروحة هنا، هي تحديات وخيارات الشرق الأوسط بعد غزة؛ وأساس عنوان تلك الجلسة هو المثقف العربي، وأساسي المثقف هما عقله وإنسانيته. وتطرح ورقة "الخلفية" لهذا المؤتمر عدة تساؤلات منها ما هي سيناريوهات الحلول، مروراً بدور الدول والقوى المجتمعية، وصولاً إلى وقف عسكرة الأديان أيديولوجياً في مواجهة أشكال التطرف، (وهنا لا يسعني إلا أن استشهد بقول الأديب اللبناني ميخائيل نعيمة التالي: ومتى كان الله بحاجة إلى دين إنسان؟ إنما أحتاج إليه لأجعله ديني، ولا يحتاج إليّ لأدين به".

بالعودة إلى موضوعنا "المثقف العربي، ودول الجنوب، ودعم قضايا العدل"، مع تحسسي من مصطلح المثقف، وأنا أتابع مواقف كثيرين ممن يوصفون بأنهم مثقفون عرب. أراجع تعريفي هذا المصطلح وفق ما أراه من مواقف تجاه القضية الفلسطينية وخصوصاً ما يحدث حالياً. أصبحت هذه القضية تحديداً الامتحان والمعيار أمام الضمير العالمي كله.

إذا بالعودة إلى موضوعنا، ثلاث اشكاليات وأسئلة للمناقشة:
الاشكالية الأولى هي إنكفاء المثقف العربي عن التأثير في السياسات العامة والمشاركة في صنعها، لا بل انخراطه في التصفيق ومبايعة الأنظمة بعيداً كل البعد عن هم بناء مواطنة سليمة تواقة للوصول إلى حوكمة رشيدة.

الثانية هي في ما يتعلق بدول الجنوب، فمن هذا المنظار يجب إعادة الإنتظام والتوازن، القائم على التعاون وليس الصدام، للنظام العالمي من نواحي إجتماعية، إقتصادية وحتى سياسية (وأنا من المقتنعين بأنه ليس هناك صدام مباشر بين الجنوب والشمال).

أما الثالثة فتتعلق بدعم قضايا العدل، بحيث يجب مأسسة "الضغط" أو ما يعرف بال lobbying من خلال القانون الدولي، لا سيما الشق الإنساني/ العقلي منه، والذي جزء منه يحدث الآن في محكمة العدل الدولية (ولو بخجل) وهو مهم جداً خصوصاً من ناحيته الإنسانية. وأنا آتٍ من بلد إرتبط بمحكمة خاصة، صحيح لم ينفذ ما حكمت به، لكن العملية، أي ال proccess بحد ذاتها كانت شيئاً مهم في ما يتعلق بقضايا العدل.

 فهل من الممكن بناء هكذا رؤية تصالحية اساسها العقل والإنسان في حضارة إنسانية تبدأ من المشرق العربي؟ بعيداً عن المشاهد الصدامية، وبعيداً عن اعتبار أنه ليس هناك لغة قانون دولي، وبعيداً عن اعتبار إسقاط كل قضايا العدل؟

(*) كلمة الدكتور سيمون كشر في الجلسة الخامسة بعنوان: "المثقف العربي ودول الجنوب ودعم قضايا العدل"، "مؤتمر: الشرق الأوسط بعد غزة: التحديات والخيارات"! 
لارنكا - قبرص - 14 و15 حزيران 2024 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها