رحل الشاعر السوري عادل محمود، بعد دخوله في غيبوبة لأسابيع، بعد جراحة في الدماغ. "كسرت ضهري يا عادل"؛ هكذا رثته عبر حسابها في فايسبوك أخته فدوى محمود، المعتقلة السابقة، وزوجة المعتقل الذي لا يُعرف شيء عن مصيره، عبدالعزيز الخيّر، وأمّ ماهر الطحان الذي اعتُقل رفقة الخيّر.
في نهاية آب 2016، استعارت الأخت المعتقلة ما كتبه أخوها الشاعر عادل محمود، في رثاء أخيهما ضابط المخابرات المتقاعد عدنان، الذي قُتل في جريمة غامضة، قيل أنها من ضمن تصفية حسابات سلطوية. كان عادل قد كتب في صفحته: "تفوح مني رائحة الموت... أرجو عدم الاقتراب من جثتي. مات أخي عدنان". كان عدنان الأقرب سناً إلى أخته، بينما عادل أكبر منهما، من دون أن يظهر للأخ الأكبر تأثير في الأخت التي ستُشتهر بمعارضتها الأسد الأب ثم الابن، ولا في الأخ الضابط الذي ترأس يوماً ما يُسمى فرع التحقيق التابع للأمن السياسي، وتولى بنفسه اعتقال أخته وصفعها بقوة أمام عناصره.
في روايته "إلى الأبد و... يوم"، يروي عادل محمود قصة الأخوة الثلاثة على نحو لم يكن مفهوماً "كما هو الآن" لمن لا يعرف سيرة العائلة. الرواية حصلت على "جائزة دبي الثقافية للإبداع"، حيث نالت المركز الأول في مجال الرواية لعام 2007. يروي أصدقاء له عنه قوله أنه كتب الرواية في أسابيع تُعَدّ على أصابع اليد الواحدة عندما علم بأمر التقديم للجائزة، فيحتمل قوله الاستهتار بالجائزة، مثلما يحتمل اعتداده بقدرته في وقت قصير جداً على كتابة رواية تنال جائزة.
عنوان "إلى الأبد و... ويوم" لا بد أن يشير حينئذ إلى موقع غير محابٍ للسلطة التي ترفع شعار "الأسد إلى الأبد"، أما بعد العام 2011 فقد حافظ عادل محمود على موقعه الملتبس بين الأخت المعتقلة والأخ الجلاد. سنراه يكتب نقداً ضد المعارض الراحل ميشيل كيلو، وهو صديقه الشخصي، ثم يكتب رثاء حاراً وقت رحيله. سيذكر أصدقاء لعادل محمود، في رثائهم له، كيف أطفأ عناصر حاجز سجائرهم في ظهره، بذريعة وجود كسر في بطاقة هويته عندما أوقفوه ليلاً. وكان هو كتب عن تلك الحادثة: ليطفئوا السجائر في ظهري، وقد فعلوا، فهذا أفضل لي من تسوّل السجائر في شوارع أوروبا.
لن يعثر القارئ على كلمة "ربما" في نصوص مجموعته الشعرية التي تحمل عنوان "انتبهْ إلى ربما"، المنشورة العام 2006، ومن المحتمل أن تجنُّب "ربما" في الكتابة أسهل بكثير من تجنبها في حياة بدأها الشاعر محرِّراً في مجلة مجلة الطليعة في العام 1968 وفي مجلة "جيش الشعب" عندما كان يؤدي خدمته العسكرية، ومراسلاً لها من الجبهة أثناء حرب تشرين 1973. هذا قبل عقد من مغادرته سوريا إلى قبرص ثم يوغوسلافيا ثم تونس، محرراً في مجلة البلاد الفلسطينية، ثم سكرتيراً لتحرير مجلة لوتس، ليعود إلى سوريا في العام 1994. في العام 2007 حصل على جائزة دبي الثقافية للإبداع في مجال الرواية حيث حقق المركز الأول.
تأخر عادل محمود، المولود في العام 1946، في عين البوم التابعة لمحافظة اللاذقية، في إصدار مجموعته الأولى، "قمصان زرقاء للجثث الفاخرة" 1978، ثم أتبعها بـ"ضفتاه من حجر" و"مسودات عن العالم" في العامين 1981 و1982، ليعود إلى الانقطاع عن نشر مجموعة جديدة حتى العام 2000، وليبقى مُقلّاً في نتاجه الشعري، بينما في الفترة نفسها كانت أعمال رياض الصالح حسين الذي توفى باكراً، ونزيه أبو عفش، تحظى بانتشار أوسع لدى متابعي الشعر.
كتب الشاعر غسان زقطان في فايسبوكه: "في العام 1987 في دمشق قال لي الصوت العميق على الهاتف: أنا عادل محمود، نحب في دار الكلمة أن ننشر لك مجموعة شعرية ضمن سلسلة مختارة من الشعراء. سأعرف في ما بعد أن فكرة السلسة التي ضمت أسماء مهمة ومختلفة مثل سعدي يوسف وسليم بركات ومريد البرغوثي... كانت فكرة عادل واختياره. كانت تلك الدعوة أشبه بمغامرة من ناشر ليضمني الى تلك اللائحة، وكنت قد أصدرت كتابين أحدهما "أسباب قديمة" احترق قبل أن يوزع في مخازن دار العودة خلال حصار بيروت، والثاني "رايات" طبع في دار مرتجلة ورومانسية أسسها العزيز الراحل جميل حتمل في دمشق بدعم فني ومعنوي من العزيز يوسف عبدلكي، وعُرضت بسعر شعبي في مكتبة ميسلون اضافة الى توزيعها باليد. سأعتزل تماماً لإعداد المجموعة الجديدة وسأستشير العزيز نزيه أبو عفش في عنوانها الذي استقر على "بطولة الأشياء" وستشكل تلك المجموعة ما يشبه بداية ثانية لي، سألتقي بعد سنوات بعادل في تونس وقبرص وستجمعنا صداقة غير متكلفة وعفوية، وسأشكره على ذلك الاختيار المبكر، وسيبدو في كل مرة خجولاً وهو يكتفي بأنه أحبها، المجموعة. اليوم رحل عادل محمود الشاعر الهادىء الجميل، لكن صوته في الهاتف الذي انتشلني في ذلك الضحى في قبو مجلة الحرية في الشهبندر سيبقى مثل زمن مشمس لا ينسى".
وكتب الروائي
عمر قدور: "الصورة (أعلاه) تعود إلى تموز 2012، في ضيافة الصديق الشاعر عادل محمود، في قريته عين البوم. آخر لقاء لنا كان قبل تسع سنوات، عندما رن الجرس، وكان آتياً بلا اتصال للتهنئة بولادة ابنتي. ذلك اليوم، أثناء الحديث، كشف عن ظهره الذي تسلى ليلاً عناصر أحد الحواجز بإطفاء السجائر فيه. قبل ثلاث سنوات أتت سيرته بيني وبين الراحل ميشيل كيلو، وأنهى الحديث قائلاً بثقة شديدة: عندما سنعود إلى الشام سنزور عادل، أنا سأهديه قميصاً، وأنت تهديه علبة بارفان. لم أشأ أن أزيد في حزن عادل على رحيل عزيزنا ميشيل، فلم أخبره بذلك الحديث، لكني كنت أقول لنفسي أنني إذا عدت إلى الشام سوف أهديه القميص وعلبة البارفان. وداعاً عادل".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها