الثلاثاء 2022/11/01

آخر تحديث: 14:15 (بيروت)

علي بدر... عن "الأرض الخراب" وخيانة فيفيان لإليوت

الثلاثاء 2022/11/01
علي بدر... عن "الأرض الخراب" وخيانة فيفيان لإليوت
increase حجم الخط decrease
كنت أعرف أن إدوارد سعيد في مجالسه الخاصة، يربط بين ظهور قصيدة "الأرض الخراب" للشاعر تي. أس. إليوت وخيانة فيفيان زوجته مع الفيلسوف الإنكليزي براتراند رسل، هذا حتى قبل كتابات كارلول سيمون جونز عن هذه الحادثة. الأمر يتعلق بشخصية اليوت إلى درجة كبيرة من وجهة نظري قبل أن تتحمل فيفيان هاي وود، زوجة إليوت الأولى، كل هذه التراجيديا التي خلقت من إليوت الضحية، الزوج المخدوع، والشاعر الكبير الذي ارتبط بامرأة فاسدة حتى بعدما حطمها إليوت في ما بعد، وأدخلها مستشفى المجانين بمساعدة شقيقها موريس، وعاشت فيه منبوذة وحيدة ومدمرة. 

في العام 1922، نشر إليوت قصيدته العظيمة الأرض الخراب The Waste Land، كتبها في فترة انهيار زواجه من فيفيان، وغالباً ما تُقرأ هذه القصيدة بوصفها تمثيلاً لزوال وهم جيل ما بعد الحرب العالمية الأولى، وبالنسبة للنقد اليساري، حتى البريطاني منه، وأقصد وليامز وأودن، بأنها تمثيل واقعي للانهيار الوشيك للحضارة الغربية، وكقصيدة عدت من أصعب القصائد لا في الشعر الإنكليزي وحسب انما في الشعر العالمي أيضاً، لأنها ارتكزت على عشرات الاعمال الأدبية وبمختلف اللغات ومثلها بحالته النفسية الفريدة وبإيقاعها الفذ والصارم، لكن بعد انفصاله المباشر من فيفيان أبعد إليوت نفسه عن الرؤية اليائسة والمدمرة سواء من حياته الاجتماعية، أو من ناحية أسلوبه الأدبي الفريد وعد القصيدة من الماضي، ورغب بالكتابة بأسلوب فريد. وباستثناء مقطوعته الكبرى "الرباعيات الأربع"، اتجهت معظم طاقة إليوت الإبداعية بعد "أربعاء الرماد" إلى كتابة مسرحيات شعرية، غالباً مسرحياتٍ كوميدية، أو مسرحياتٍ بنهاياتٍ تصالحية. فبعد نهاية زواجه المأسوي لم يكتب شيئاً مهماً، قالت شقيقة زوجته، إن أختي دمرت إليوت من الناحية الاجتماعية وصنعت منه شاعراً عظيماً. وهي محقّة في هذا كثيراً. 

فإليوت شخصية كريهة، عصابية، عدوانية، وفجة، في مذكرات جيمس هاول، يقول بأنه أراد لقاء إليوت، وكان عاشقاً لكتاباته، انتظر ساعات حتى تتحقق هذه المقابلة في مكتبه في دار نشر فيبر آند فيبر، لكنه وجد شخصاً تافهاً، مرتبكاً، يتكلم بطريقة سيئة، وقبل أن يخرج جيمس هاول أراد أن يحصل على جملة عظيمة يبقى يتذكرها طوال حياته من إليوت، قال له بماذا تنصحني قبل ذهابي إلى هارفرد. قال له تي أس إليوت، أنصحك أن تشتري جوارب طويلة من القطن لأن الجو بارد جداً هناك. 

ضعفه البدني، عدم ثقته في نفسه، خجله هو الذي حطم بدءاً حياته الزوجية، قصيدته أغنية حب لجي ألفريد بروفروك ممثلة بشكل كامل لشخصيته الهزيلة والكاريكاتورية، حين التقى فيفيان وهو في العشرين من عمره، كان بتولاً لم تكن له أية تجارب جنسية، وبعد مضي ثلاثة أسابيع من تعارفهما تزوجها، وكانت هي شعلة من النار، من الذكاء والألمعية والحسية. لكن وضعه المادي في تلك الفترة كان على المحك، مع عدم رغبته بالعودة إلى أميركا عاش على مساعدات إزرا باوند، حتى قام برتراند راسل باستضافته في منزله، في تلك الفترة، في ذلك المنزل، خانته فيفيان مرات عديدة مع الفيلسوف الشاب الذي كان اليوت يعيش على مساعدته. بعد خمس سنوات من هجر تي إس إليوت لها، حوّل المجتمع اللندني، مجتمع بلومزبيري بالتحديد، الجماعة التي كان يلتقي بها إليوت ذلك الوقت، فيفيان، إلى وحش دموي، لقد نبذت تماماً من حياة لندن الأدبية، تحولت من الأديبة الواعدة التي تركت كل شيء من أجل زوجها إلى الزوجة "العصابية" التي تركت إليوت يعاني من خيانتها، وصفها في مسرحيته اجتماع العائلة بالظل المرسوم الذي بقي يرتجف ولا يهدأ، هكذا حول اليوت فيفيان إلى شكل شبحي يعيش على هامش حياته، من دون ذكر كلمة واحدة عن حياتها معه طوال سبعة عشر عاماً في شراكة أدبية فريدة. لقد كانت كبش فداء لفشل الزواج وتم طمسها من التاريخ نهائياً.

كانت فيفيان تتوق لتروي حياتها ولم تستطع، كانت تريد تتبع التاريخ الحقيقي لتلك الحقبة. كانت تؤمن بأنها مصدر إلهام إليوت، المرأة التي حول من خلالها حياته التافهة إلى فن. ومع ذلك عرفت فيفيان أسرار حياته المنفصلة والسرية، وقد ساهمت تلك المعرفة في تعميق هستيريتها وإدمانها المخدرات ومن ثم هجرها نهائياً: مأساة زواج يجمع بين رجل مكبوت ولكنه حسي مع امرأة منفتحة تتوق إلى علاقة جنسية كاملة مع زوجها من دون أن تتمكن من ذلك. 

من هذا الاضطراب العاطفي خرجت إحدى أهم القصائد في القرن العشرين: قصيدة الأرض الخراب التي لا يمكن فهمها، كما قال إدوارد سعيد في إحدى جلساته الخاصة من دون الرجوع إلى علاقة الشاعر بزوجته الأولى.

(*) مدونة نشرها الروائي العراقي علي بدر في صفحته الفايسبوكية
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها