من ميزات الفنان المصري عزت العلايلي، الذي رحل أمس الجمعة، أنه كان يتشكل مع كل شخصية يؤديها، وقد "برزت موهبته وإجادته التشخيص والتقميص في كل الأعمال التي شارك فيها"، وبحسب الناقد طارق الشناوي: "تستطيع أن تلمح في أداء العلايلي إخلاصاً لمنهج ستانسلافسكي القائم على فكرة الصدق في التعبير عن الشخصية، التي تعني التقمص والاندماج الكامل في التفاصيل كافة، حتى إنه مثلاً، كما قال عنه صلاح أبوسيف عندما أسند له دور السقا في "السقا مات"، بدأ من دون توجيه من المخرج، يتدرب على حمل القربة وكيفية التعامل معها، وفي "فيلم أهل القمة" من إخراج علي بدرخان مثلاً، كان يحرص على دراسة سلوك الضباط، ليلتقط تلك التفاصيل"...
كان العلايلي مولعاً بالأعمال التاريخية والوطنية، لعلّ أهمها مسلسله "النديم" (1982) عن خطيب ثورة عُرابي، عبد الله النديم، وقدّم آلام البسطاء عبر العديد من أعماله السينمائية مثل دور الشرطي الطيب، والشيخ الأعمى، ورجل المخابرات الوطني، والضابط، والمستشار حامي القانون، والأب المثقف الحريص على الوطن.. والدليل على نجاحه أنه، من بين لائحة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، بحسب استفتاء النقاد العام 1996، نال العلايلى نصيب الأسد في المشاركة في 10 منها، أبرزها: "بين القصرين" و"قنديل أم هاشم" و"السقا مات" و"الطوق والإسورة" و"أهل القمة" وغيرها من الأعمال، وهو شارك في أفلام كثيرة في عواصم عربية ولم يتقصر حضوره على القاهرة.
ولد العلايلي في 15 من سبتمبر 1934، في حي باب الشعرية، أحد أحياء القاهرة القديمة، وإبان الحرب العالمية الثانية، سكن مع عائلته في منطقة "بركة الفيل"، وفي مدرسة الحي "قذلار" الابتدائية، حيث تميز بقدرته على حفظ الأناشيد والأغاني أكثر من حبه للدراسة، وبرزت موهبته في تقليد المعلمين وفناني المونولوغ الغنائي مثل شكوكو. وبعدها، انتقل إلى مدرسة الشيخ صالح، وفيها التحق بقسم التمثيل ليحول قدرته بتقليد شخصيات حية، إلى تجسيد أخرى خيالية مستمدة في الغالب من الواقع المصري، لكن هذه المرة أمام الكاميرا.
كان لوالده أثر كبير في حبه للفن والثقافة، إذ كان معتاداً على اصطحاب عزت لمشاهدة مسرح يوسف وهبي، ونجيب الريحاني، لذلك عشق الابن التمثيل منذ طفولته، ويقول: "منذ طفولتي، حددتُ مساري ومصيري كفنان، لكن المدهش أن أبي أراد لي أن أكون محاسباً مثله، لكنه هو الذي نقل لي عدوى الثقافة والفن؛ فقد كان يلتقي مفكرين وفنانين وأدباء في بيتنا في ما يشبه الصالون الثقافي، وكنت أحضره طفلاً ومراهقاً، كما كان يصطحبني إلى عروض مسرحية في عماد الدين، ما جعلني أتشبع بالثقافة والفن".
ويعتبر العلايلي أن القرآن الكريم أهم ميراث تلقاه من أبويه، فقد حفظ أجزاء كثيرة منه على يد والده، ويقول: "حفظي للقرآن كان بمنزلة الرقيب لي في تصرفاتي وعلاقتي مع زملائي، بمعنى أن أبي لم يحفّظني القرآن فحسب، بل كان يفسر لي ما أحفظه ويعلّمني القيم القرآنية، فكان يحذرني من الكذب أو إيذاء الآخرين، وبمرور الأيام وجدت نفسي مرتبطاً بالقرآن ومواظباً على قراءته ومراجعة ما حفظت". وفي العام 1950، قرأ العلايلي إعلاناً أمام مكتب أحد المحامين في حي السيدة زينب، يطلب من الراغبين في التطوع مع الفدائيين في الإسماعيلية تسجيل أسمائهم للمشاركة، ووقتها قرر المشاركة وذهب إلى الإسماعيلية وساهم في نقل السلاح إلى الفدائيين هناك. لكن، بعد محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في منطقة المنشية بالإسكندرية في العام 1954، قُبِض عليه وسُجن ثلاثة أشهر، وذلك بعدما تبين أن المحامي الذي سجل اسمه عنده ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، لكن أُفرج عنه لاحقاً.
وجد العلايلي الفرصة الحقيقية في عالم التمثيل عندما رُشّح للمشاركة في فيلم "رسالة من امرأة مجهولة" إنتاج العام 1962. بعدها، انطلقت مشاركاته في مجموعة من الأعمال السينمائية المؤثرة مثل "بين القصرين" و"الجاسوس" و"الرجل المجهول" و"معسكر البنات" و"قنديل أم هاشم"، إلى جانب احترافه الكتابة الدرامية...
في العام 1969، حدثت نقلة نوعية في حياة العلايلي، بعدما اختاره المخرج يوسف شاهين لبطولة فيلم "الأرض"، وبالتالي أصبح العلايلي أكثر ميلاً إلى السينما الواقعية التي تحاكي هموم الناس، وكانت مع فيلم "الأرض"، ووسط كوكبة من الفنانين أبرزهم: محمود المليجي ويحيى شاهين ونجوى إبراهيم وتوفيق الدقن وحمدي أحمد، فبرز العلايلي في شخصية الفلاح عبدالهادي الذي يكره الظلم، ويقف إلى جانب بطل القصة "محمد أبو سويلم"، ويحب ابنته "وصيفة".
في أكثر من لقاء تلفزيوني، تحدث العلايلي عن تصوير فيلم "الأرض"، وحكى عن مشهد سقوط الجاموسة في الترعة ونزوله لرفعها بمعاونة الفلاحين حوله، وهو المشهد الذي أصر يوسف شاهين أن يصوره العلايلي بنفسه من دون الاستعانة بدوبلير، ما أدى إلى إصابته بالديدان.
بعد "الأرض" شارك العلايلي في فيلم "الإختيار" (إخراج شاهين)، حيث أدى شخصيتي التوأم محمود وسيد. وتدور الأحداث حول "سيد"، وهو كاتب مشهور تسلّق قمة الهرم الاجتماعي والسياسي وبحث عن المزيد من النجاح، تزوج من شريفة (سعاد حسني)، وكانا يستعدان للسفر إلى الخارج، للعمل في هيئة الأمم المتحدة، لكنه قرأ في إحدى الصحف خبر مقتل توأمه محمود، فأجّل سفره واتصل بالشرطة للبحث عن قاتل أخيه، لتبدأ رحلة بحث وتغمر ضابط الشرطة الشكوك حول الأخ.
بعد ثماني سنوات، عاد العلايلي للتعاون مع شاهين مرة أخرى في فيلم "إسكندرية ليه"، الذي شاركت فيه مجموعة كبيرة من النجوم، منهم: فريد شوقي ويوسف وهبي ويحيى شاهين ومحمود المليجي وليلى فوزي ومحسنة توفيق ونجلاء فتحي وأحمد زكي. ووسط هذه الكوكبة الكبيرة، كان للعلايلي ظهور خاص في شخصية "الريس مرسي"، والد الشاب الذي يحب فتاة يهودية. تناول الفيلم أحوال سكان اﻹسكندرية خلال فترة الحرب العالمية الثانية التي اضطربت فيها أحوال الجميع...
وفي المجمل، قدم النجم الراحل 74 فيلماً، بعضها كان بإنتاج عربي مثل "بيروت ويا بيروت" و"القادسية" و"طاحونة السيد فابر". ورغم أدواره الرومانسية والشخصية الرصينة والواقعية، قدم العلايلي خلال مشواره الفني، فيلم "ذئاب لا تأكل اللحم"، الذي عُرف بجرأته و"إباحيته"، وصُوّر العام 1973 في الكويت، ومُنع من العرض لظهور بطلته الممثلة المصرية ناهد شريف عارية تقريباً. وجسّد العلايلي في الفيلم دور "أنور"، وناهد دور "ثريا"، وهو من إخراج سمير أ.خوري.
في الدراما، كان للعلايلي نصيب من النجاح، فبرز في "الحسن البصري" و"قال البحر" و"بوابة الحلواني" و"الطبري" وغيرها الأعمال. وعلى خشبة المسرح، تألق في "وطني عكا" و"الإنسان الطيب"، وقبل ذلك مسرحية "كفاح شعب" التي قدمها عندما كان طالباً في المعهد العالي للفنون بالاشتراك مع النجم الراحل حمدي غيث.
كان عزت العلايلي من أبرز الفنانين أصحاب التوجهات السياسية الواضحة، فقد دعم ثورتَي 25 يناير و30 يونيو (ولم ير فيهما تناقضاً)، كما رفض حكم الإخوان وانتقد طريقتهم في الحكم، واللافت أنه دعم انتخاب عبدالفتاح السيسي لرئاسة مصر باعتباره "الأقدر والأفضل".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها