تحت عنوان "لغة الربيع"، افتتحت الفنانة اللبنانية فتاة بحمد، معرضها في غاليري "آرت سبايس" – الحمرا، ولما كان العنوان معبّراً وممراً للمعنون، كانت الأعمال تنبئ بالربيع، والاخضرار والتفاؤل، في مروحة لونية زاهية، وروح متبرعمة يانعة، يلذ فيها النظر وتغتني فيها الذائقة.
تعبر الفنانة بمسحات لونية ولطخات صباغية مدروسة بعناية ومنتشرة في فضاء اللوحة، عن حالة من التعبير المتقد، المتوافق مع مشاعرها الخاصة، فهي تعمد إلى تصوير أحاسيسها أولاً، ومن ثم ما يقع عليه نظرها من أماكن تغتني بمزايا الطبيعة الأخاذة. والواقع أنه لا تتفرق صور المشهديات في مناخها الواقعي عن طريق حصرها بألوان منسوبة إلى المحيط الطبيعي عن طريقة جمعها وتأليفها بعناية وتركيز وتجانس، ما يمتع الذاكرة البصرية ويغني اللوحة في آن.
لم تنقل الفنانة بحمد، الطبيعة، كما هي إلى اللوحة، بل عمدت إلى تلخيصها وتشذيبها وإعادة قولبتها وفق منظارها الشعوري والانفعالي الشفاف لتعيد صياغتها بطلاء زاد الاهتمام به، حتى باتت اللوحة مسرحاً له تتدثر به، ويعتلي من خلالها قدم السبق على ما عداه، في مواءمة مع روحية المشهد التي تعمل بها رؤيوية تحرر الإدراك الحسي من تبعية الموروث والمتوقع مما قد يظهر أمام العين وتعكسه العدسة، فالاهتمام بإعادة قولبة الطبيعة وفق منظار فني تشكيلي قائم على اللطخات والتبقيع هو ميزة برع فيها عدد من الفنانين اللبنانيين وتأثر بعضهم ببعض من خلالها، لكن من دون أن يؤثر هذا على جودة الأعمال التي تعرض، خصوصاً لدى الفنانة بحمد التي رغم تشابه نمط عملها مع بعضهم، غير انها استطاعت ان تشق طريق تتفرد به بروحيتها ومقاربتها والتزامها في بث روح استعارة الطبيعة وفق منظار محدد إلى متن اللوحة.
على الرغم مما يرصد من عمل الفنانة بحمد والمتمثل بالسعي لتكوين مساحات لونية براقة يغلب عليها الانفعال غير العشوائي يقربها من الإنطباعية، إلا أنه يرصد في عملها نوع التجريد في تبسيط الأشكال، وجعلها متمازجة مع محيطها، وملتصقة بخلفية المشهد التي لا يمكن فصلها عن صلب الفكرة الرئيسية المقصودة، ما يجعل العمل الفني كلاً متجانساً في جميع فصوله، يبعد الهامشية عن أي جزء من اللوحة، فالكل يتبلور بإطار وحدة لونية متقاربة تتمحور في سعي لإظهار ما رغبته الفنانة من حيث الشكل والمضمون.
لعل الفنانة بحمد عندما اختارت شيئاً من الطبيعة، اتخذته وحدة تشكيلية، انما رغبت بالمقارنة بين الشكل الطبيعي المرئي والملموس بالخارج مع طريقتها وأسلوبها ورؤيتها ومقاربتها، فالعناصر الفاعلة في اللوحة هي تأطير وإعادة قولبة لما هو في الخارج الطبيعي وفق مسار مختلف يتألف من خلالها لغة خاصة اعتمدتها الفنانة لتصرح عن حبها وارتباطها بالطبيعة، ومع ما يرصد عندها من قلة في استخدام الخطوط، تستبدلها الفنانة بالكتل اللونية الشفافة التي تتراكم على السطح بطريقة لا تملها العين وتولد انطباعا بالغنى والحركية.
• يستمر المعرض حتى 12 أيار/مايو في غاليري آرت سبايس - الحمرا
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها