يعيش عدد لا بأس به من الكتاب في الغرب من ريع كتبهم، فالكتابة عمل يدرّ المال، أما الشهرة فتأتيهم مكافأة على استرضائهم ذائقة قرائهم. ولا حرج في الاعتراف بأنهم يكتبون من أجل المال والشهرة، وهذا ليس عيباً، تكاليف الحياة باهظة، والكاتب يريد أن يعيش، وأن يحظى بالشهرة. أما الكاتب العربي فيكتب من أجل الشهرة، لأن الكتابة لا تدرّ المال. عادة لا يصيب شيئاً منهما، إلا إذا عمل على ترويج كتاباته، واصطنع بعض الدعاية لما يكتبه. يصل الأمر ببعض الكتّاب أن يسبغوا على كتبهم ما ليس فيها، ولا يعدمون قرّاء يصدقون ما يسمعون. في الغرب يوجد وكلاء يعملون على تسويق الكاتب مقابل نسبة من أرباحه، في بلادنا لا أحد يفكّر في هذا العمل، وإلا مات من الجوع مع الكاتب. لذلك تحاول دور النشر تأمين بعض الدعاية للكاتب عسى تسهم بتحسين مبيعات الكتاب، فيستفيد كلاهما الكاتب والناشر.
إذا أريد للكتاب الوصول إلى أكبر عدد من القرّاء، فلنتذكّر أننا في زمن تهيمن فيه الدعاية على قدر لا يستهان به من اختياراتنا، والكتاب إذا أردنا التعريف به، لا يشذ عن أية بضاعة. لكن قبل الوصول إلى هذه المرحلة، لا بدّ من قطع أشواط، حتى تعتبر الكتابة مهنة كغيرها من المهن، توفّر دخلاً للأديب يسدّ حاجاته، ويوفّر له بعض الرفاهية، بعدها ربّما وفّرت المال للوكلاء المأمولين.
حول موضوع الدعاية، لا إجماع بين الكُتّاب عليها، هناك طائفة منهم، لا تسعى إلى الشهرة إلا إذا سعت هي إليها، فهم لا يفكرون باسترضاء القارئ، وفي الطلب منهم اعتماد الدعاية، قدر من الإهانة، ترفضها كرامة الإبداع وأنفة المبدع، إذ كيف تُقارن كتبهم بمسحوق الغسيل وحفائض الأطفال؟ ربما لديهم الحق في اعتبار الكتابة أمراً يختلف عن المهن المتعارف عليها، لكن ثمة مغالاة، عندما يعتقدون أنها تحمل قبساً من رسالة روحية أو دنيوية، وأن دورهم في المجتمع، يهدف إلى بث الوعي بين الناس، وفهم العالم، وأحياناً تغييره، مع أن الأخيرة أصبحت في عداد الأفكار الباطلة، لكن مازال هناك من يتكبد عناء النضال من أجلها بحماسة، ولا يرضى بأقل من تغيير العالم، لاسيما أن الآمال من هذا النوع المتفائل تجددت في منطقتنا مع الربيع العربي، وكانت مخيبة، ليس من ناحية التغيير، بل في أن المتغيرات ليست حسب الوصفة الديمقراطية، الأسوأ أن تكون نقيضها.
في ترويج الكتاب خطورة لا يستهان بها، إذ بدلا من العمل على ازدهار الأدب، تعمل على تقييده بتحويل وجهته نحو تقلبات سوق استهلاكية لا ترحم، لديها متطلباتها؛ الجريمة، الجنس، العنف، الشذوذ، وأيضاً موضوعات في الإنسانية الرومانسية... من طرف آخر، يتضمن الترويج قدراً من الادعاء الكاذب، ويُعنى في الكثير من مراحله خداع القارئ، يبدأ من صورة الغلاف الملونة والعنوان الجذاب، يرافقه تقريظ على صفحة الغلاف الخلفي، ثم ما يلحق به من مديح في الصفحات الأدبية، وأحياناً شنّ حملة لصالحه في وسائل الاعلام.
هذه السلسلة المتقنة قد لا يطابق فحواها قيمة الكتاب فعلاً، ما يدفع قرّاء إلى القول، إن الكتاب كان بخلاف ما كتب عنه وأشيع. وفي هذا المجال أمثلة تشق على الحصر أشهرها، رواية "دافنشي كود" لدان براون، والتي رغم المبيعات الهائلة، شكلت خيبة للقرّاء الذين بحثوا عن الأدب الرفيع، في رواية ألغاز تمتلئ بالمطاردات البوليسية، ومثلها "الجحيم" الرواية الأخيرة للكاتب نفسه، والتي توسّلت جحيم "دانتي" لتعويض النقص الأدبي والروحي، العائد إلى عصر النهضة الأوروبي، فإذا بها وقعت في المغطس الزلق نفسه.
رفع رقم المبيعات لا يعبأ بالقارئ إلا كمشتر، ولا نستغرب أن الكم الأكبر من الكتب الأكثر رواجاً تعتمد تلك الصيغة المخادعة، وفي هذا احتيال، لكن لتجارة الكتب ضروراتها وأحكامها.