هزّ انفجاران حي عكرمه في المنطقة "العلوية" من حمص، وذهب ضحيتهما مالا يقل عن أربعين طفلاً. واتهم أبناء الحي الشبيحة بافتعال الإنفجارين قرب مدرسة للأطفال. واتهم نشطاء علويون النظام بافتعال التفجيرات، لأن الحيّ شديد التحصين، ولا يمكن لكتائب المعارضة أو مقاتليها اختراقه.
وحمّل الناشط الإعلامي من مدينة حمص، خضير خشفة "نظام الأسد وأجهزته المخابراتية بالضلوع وراء التفجيرين، وذلك بعد ارتفاع حدة الخلاف بين قوات الدفاع الوطني ومحافظ حمص، بسبب السماح بإدخال بعض المعونات لحي الوعر المحاصر، بين الفينة والأخرى". وتابع الخضير قائلاً "هناك توتر كبير يعيشه الحي بين الدفاع الوطني، والميلشيات الشيعية، بسبب الاقتتال حول تقاسم المناطق التي خرج منها ثوار حمص القديمة، قبل بضعة أشهر". وقال خضير إن "النظام يفتعل التفجيرات في المناطق الموالية، والتي من المستحيل أن تدخلها سيارات مفخخة تابعة لأي فصيل معارض، وخاصة في التفجيرين اللذين حصلا عند مدرسة للأطفال. كل هذا يأتي على خلفية خلافات تنشب بين محافظ حمص، وبين الموالين، وبين الشيعة، في حمص". كما لاحظ بعض النشطاء أن إحدى السيارتين تابعة لجهاز الأمن العسكري، وسائقها دخل الحي بهوية عسكرية، وقطع على الأقل حاجزين لقوات النظام.
وفي ردود الأفعال، خرجت مظاهرات في الحي ضد المحافظ و"الفاسدين"، وهتفت "الشعب يريد اسقاط المحافظ". ونشرت "شبكة أخبار عكرمة" الموالية للنظام، على صفحتها على موقع التواصل الإجتماعي "فايسبوك": "يوم أمس كان كتير صعب.. ومع ذلك لم نفقد الثقة بالقيادة للحظة. كلنا فقدنا شهداء ولكن ثقتنا بسيادة الرئيس باقية، نناشدك سيادة الرئيس بوضع حد لمسلسلات التفجير ومحاسبة الفاسدين جميعهم بداية من محافظ حمص إلى اللجنة الأمنية الفاسدة". وعلى الرغم من هذه "الثقة" بالرئيس الأسد، فقد أعلنت الشبكة أن "الإعتصام مستمر في مدينة حمص، لإسقاط المحافظ ومحاسبة المتسببين بالتفجير".
والملفت، بحسب نشطاء المعارضة، أن هذه المظاهرات لم ترفع صوراً لبشار الأسد، مما دفع المتفائلين منهم، لاعتباره يوماً تاريخياً لسوريا، وبداية تغيير شعبي في صفوف الموالاة، لن يكون حكماً في صالح النظام.
بدورها، المعارضة ممثلة بالائتلاف الوطني أدانت التفجيرين، وقدمت التعازي لأهالي الضحايا. وكان رئيس "هيئة أركان الجيش السوري الحر" عبد الإله البشير، قد دعا الطائفة العلوية للانشقاق عن النظام. وجاء ذلك قبل أيام من التفجيرات، في بيان أصدره البشير، ووصفه البعض بأنه قد يكون "آخر دعوة للعلويين". وقال البشير إن النظام "يستغل العلويين ويتسلق على ظهورهم، وهو هالك لا محالة". وأضاف أن "علويي النظام غير راضين عن وضعهم، حيث إن الأسد استخدمهم من أجل سلطته"، مؤكداً أن النظام يقوم "بتصفية أي ضابط علوي في حال ارتاب بسلوكه"، داعياً العلويين للانشقاق أفراداً وتشكيلات مقاتلة.
ومن جهته، قال سفير الائتلاف الوطني في فرنسا منذر ماخوس، وهو من الطائفة العلوية، إن دعوة البشير مهمة جداً، إلا أن الوقت أصبح متأخراً لتلك الدعوة. وحمّل ماخوس المعارضة السورية المسؤولية الكاملة عن ذلك التأخير، من حيث أنها قصّرت في استقطاب العلويين والأقليات. وقال ماخوس إن الطائفة العلوية تدفع الثمن بالنيابة عن الأسد رغم براءتها منه. وأشار إلى أن الرئيس السابق حافظ الأسد، قام بحملة تصفية لعدد من رموز العلويين، واتهم بهم الإخوان المسلمين. وأضاف ماخوس أن النظام السوري الآن، ينتهج سياسة تصفية رموز العلويين لخطف الطائفة برمتها، بعد أن أقنع العلويين بأن الأطراف الأخرى تريد تصفيتهم.
وكانت صفحة "صرخة" للمعارضين العلويين، على موقع التواصل الإجتماعي "فايسبوك"، قد نشرت قبل أيام من التفجيرات، رسالة بعنوان "إلى بشار الأسد من علويي حمص"، جاء فيها "بشار الأسد كنت سيدي الرئيس ولكنك لم تعد رئيسي، هل مازلت رئيس للجمهورية العربية السورية؟ طائرات من كل أصقاع الأرض تجوب سماء وطني، ولم يبقَ إلا جيبوتي لم ترسل طائراتها. تنحَ يا أبا حافظ. نعم تنح وأعلن أن الجيش السوري سيضع يده مع أحرار الجيش الحر. نعم الجيشان لنا ضد داعش وضد أميركا واسرائيل. أبو حافظ: أولاً وأخيراً ستترك. اتركنا ولا تخف علينا. نحن العلويين نمقتك ونمقت أسرتك. سيتوحد الجيشان النظامي والحر رغماً عن أنفك. وإنّ غداً لناظره قريب". وحملت الرسالة توقيع ريم الأسعد، حمص، حي عكرمة النزهة.
ويربط متابعون للوضع داخل النظام، بين انشقاق حافظ مخلوف الهادئ، وبين شعور عام داخل النظام والطائفة العلوية، بعدم مبالاة الأسد ونظامه، بمصير العلويين. حيث تظهر هذه اللامبالاة واضحة في مصير الضباط العلويين المخطوفين، من قبل المقاتلين الإسلاميين، أو بالنسبة لأولئك الذين قتلوا على يد داعش في مطار الطبقة وفي الفرقة 17. وأكّد عدد من الضباط العلويين والمجندين الناجين من المجزرتين أن القيادة قد سلمتهم لداعش. كذلك فإن صلة واضحة، لم تعد خافية، بين "الرسالة" من حي عكرمة العلوي في حمص إلى بشار الأسد، والانفجارين في الحي. وهو أمر اعتاد عليه النظام، كلما وجد أن الطائفة تنفك من حوله. واستخدم لذلك وسائل مختلفة لشد الطائفة إليه، وأهمها تخويفها من الإسلاميين وداعش. ولما كانت داعش الآن تحت هجوم التحالف الدولي، لجأ النظام إلى المفخخات ليعيد تخويف الطائفة من جديد.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها