علمت "المدن" من مصادر مطلعة بالخارجية الأميركية، أن وزارة الخارجية المصرية استدعت السفير الأميركي بالقاهرة، الإثنين، بشكل غير معلن، وذلك لتسجيل الاستياء من استقبال وفد ممثل لجماعة الإخوان المسلمين في واشنطن. وأصدرت الخارجية الأميركية بياناً مقتضباً، الأربعاء، تنفي فيه عقد اجتماع رسمي مع وفد الإخوان، لكن المصادر أكدت حدوث الاجتماع بشكل غير رسمي مع أحد مساعدي وزير الخارجية جون كيري.
من الناحية المقابلة، أصدر كل من مها عزام، وعمرو دراج، ممثلي الوفد، تصريحاً صحافياً نشراه في شبكات التواصل الاجتماعي صباح الأربعاء، يفيد بأنه "لم يكن مبرمجاً عقد أية اجتماعات مع الإدارة الأميركية خلال زيارتهما وآخرين للولايات المتحدة". ويؤكد مصدر إخواني وثيق الصلة بالوفد، أن الاجتماع قد تم بالفعل في مقر وزارة الخارجية.
وخلال الأيام القليلة الماضية، قام الوفد الذي يترأسه القيادي الإخواني عمرو دراج، والناشطة مها عزام، رئيسة ما يسمى "المجلس الثوري المصري" الذي تم تدشينه قبل شهور في مدينة إسطنبول التركية، بعقد اجتماعات مغلقة مع بعض نواب "الكونغرس" وعدد محدود من الباحثين في مراكز البحث والفكر بالعاصمة الأميركية. واختتمت الزيارة بمأدبة غداء حضرتها وسائل الإعلام، ولم يغب عنها مسؤولون غير مشهورين من صغار الدبلوماسيين الأميركيين في مهمة عمل رسمية.
أما سبب التوتر الذي شاب هذه الزيارة، فيوضحه مصدر "المدن" في الخارجية الأميركية، بأنها تزامنت مع تقرير صادر عن الوزارة ينتقد أوضاع الحقوق والحريات في مصر. "لم يكن التقرير معداً للنشر الخارجي لكنه صدر بالخطأ"، ويضيف المصدر بأن هذا التزامن غير المقصود أعطى إيحاء للنظام المصري بأنه دعم للحراك الإخواني المناهض لحكم عبد الفتاح السيسي. وقد التقت "المدن" بأحد الباحثين الذين استجابوا لدعوة الإخوان، وقد حضر الاجتماع بصفة فردية من دون تمثيل للمركز الذي يعمل به. وأرجع ديفيد أوتاواي، الباحث بمركز وودرو ويلسون، سبب التوتر إلى ما اعتبره خطأ فادحاً من الوفد بعد الزيارة الأولى نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، حيث احتفى أعضاء الوفد بالزيارة وأعلنوا عنها من دون داعٍ، بحسب وجهة نظره. وكان عضو الوفد القاضي السابق، وليد شرابي، قد نشر صورته أمام وزارة الخارجية رافعاً رمز "رابعة" بجوار العلم الأميركي، محتفياً بما اعتبره الباحث "دليلاً أرادوا به أن يقولوا إنهم نافذون وناجحون في التواصل مع الإدارة الأميركية".
وكان الإخوان قد قاموا بأول زيارة رسمية في تاريخهم الى واشنطن لمقابلة مسؤولي الإدارة الأميركية في يناير/كانون ثاني الماضي، حيث التقوا ببعض نواب الكونغرس ومجلس الشيوخ، وممثلين عن البيت الأبيض ووزارة الخارجية، كما استقبلتهم بعض مراكز البحث المهمة، مثل مركز وودرو ويلسون، وخصصت لهم جلسات استماع ومناقشة. لكن الزيارة الأخيرة كانت أضعف من الزيارة الأولى، وذلك لعدد من الأسباب بخلاف التوتر الدبلوماسي مع مصر، وأهمها الانطباع السلبي الذي تركه وفد الإخوان لدى كثيرين ممن التقوا بهم.
لم تمر الزيارة الأولى بهدوء، فقد انتقدها بشدة اليمين الأميركي واصفاً رموز الوفد بأنهم "داعمون لحركة حماس الإرهابية". وقد نشر أحد المواقع المحسوبة على هذا الاتجاه تقريراً ضم صورة قديمة لعضو الوفد، البرلماني السابق محمد جمال حشمت، مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. ويبدو أن الإخوان قد استشعروا الحرج أمام قواعدهم فأرادوا لهذه الزيارة أن تكون أهدأ من الأولى، وكانوا يريدون في البداية أن تتم بشكل شبه سري.
الشق الخفي من المشهد هو الضغط الكبير الذي تمارسه سفارة الإمارات في واشنطن من أجل دعم النظام المصري ومحاربة الإخوان. اللافت للانتباه أن تنفق الإمارات أموالاً طائلة على مراكز للبحث والفكر، مكّنتها فعلياً من التحكم في توجهات بعضها ومعالجة المحتوى الصادر في تقاريرها وأبحاثها المتعلقة بمصر. بلغ النفوذ الإماراتي في بعض مراكز الأبحاث الأميركية درجة حذف كلمة "انقلاب" من كافة إصدارات "معهد الشرق الأوسط"، الذي استقال منه عدد من الباحثين اعتراضاً على التدخل السافر في لغتهم الأكاديمية. وفي هذا السياق من النفوذ الخليجي الاستثنائي في قلب العاصمة الأميركية، نجحت الإمارات في إضعاف استجابة الباحثين الأميركيين لدعوة وفد الإخوان، سواءً على مستوى المؤسسات أم الأفراد.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها