لم تستغرق زيارة وزير الخارجية الأميركية جون كيري، الى القاهرة الاحد، أكثر من يوم عمل واحد، حيث استُؤنف الحوار الاستراتيجي السنوي بين البلدين بعد توقفه منذ العام 2009. وبحسب مصدر ديبلوماسي مصري، فإن استئناف الحوار كان بطلب من الرئيس الأميركي باراك أوباما، وجّهه لنظيره المصري عبد الفتاح السيسي، أثناء لقائهما في نيويورك، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2014.
لم تكن هذه هي فترة الانقطاع الأولى في تاريخ الحوار الذي يعقد بالتبادل في عاصمتيْ البلدين منذ العام 1988، فقد سبق أن توقف بسبب حرب الخليج مطلع التسعينيات لسنوات عديدة. ومن المعتاد أن يضم الحوار عدداً من الملفات الكبيرة، يحوي كل منها مجموعة من القضايا والمقترحات المتبادلة، إلا أن أجندة الأولويات غالباً ما تكون بعيدة عن التصريحات الإعلامية الرسمية. فمن الناحية المصرية، يوضح مصدر بوزارة الخارجية أن الحوار يشمل أربعة ملفات؛ وهي ملف التعاون السياسي والأمني، وملف التعاون العسكري، وملف التعاون الاقتصادي والتجاري، وملف التعاون التعليمي والثقافي. أما مصدر "المدن" بالخارجية الأميركية فيؤكد أن أجندة الأولويات مقتصرة على ثلاث قضايا رئيسية؛ وهي الاتفاق على تفاصيل المعونة العسكرية بعد التعديلات التشريعية الأخيرة، وقضية الشأن السياسي الداخلي وأوضاع حقوق الإنسان في مصر، والتعديلات المقترحة من الجانب المصري بشأن اتفاقية "الكويز" التجارية الثلاثية مع إسرائيل.
قبل الحوار بأربعة أيام، انطلق فريق من كبار الديبلوماسيين والعسكريين الأميركيين للترتيب لجلستي الحوار الرسميتين؛ بين جون كيري وفريقه مع وزير الخارجية المصري سامح شكري وفريقه، ثم الجلسة الثنائية بين كيري والرئيس السيسي. وفي هذه الأثناء، التقى كيري ومساعده لشؤون الديموقراطية وحقوق الإنسان توم مالينوسكي، عدداً من نشطاء المجتمع المدني المصري، الخميس 30 يوليو/تموز المنصرم. وقد رفض المتحدث باسم الخارجية الإدلاء بأي تفاصيل عن هذا اللقاء، في اللقاء الصحافي اليومي بممثلي الصحف، فلم يحدد إذا ما كانوا مصريين مقيمين بالولايات المتحدة أم أنهم أتوا من مصر لهذا الاجتماع بعيداً عن الملاحقة الأمنية. وإضافةً إلى مالينوسكي، الذي ضم جدوله المعلن لقاءات ببعض ممثلي الأحزاب والمنظمات المدنية في القاهرة على هامش الحوار الاستراتيجي، فإن الوفد المرافق لكيري قد ضم حوالي عشرة ديبلوماسيين منهم المسؤولة عن ملف مصر في الخارجية الأميركية. ومن الناحية العسكرية، لم تتمكن "المدن" من معرفة ممثلي وزارة الدفاع المشاركين في وفد الحوار الاستراتيجي بخلاف مسؤول مكتب مصر في "البنتاجون" مارك روندون.
أتى على رأس الأولويات غير المعلنة في هذا الحوار، بحسب المصادر الديبلوماسية، مناقشة أحكام الإعدام بحق قيادات الإخوان، وإبداء الرغبة الأميركية في عدم تنفيذ الحكم بحق الرئيس المعزول محمد مرسي، وهو ما تقف وراءه المملكة العربية السعودية أيضاً بعد تغير موقف المملكة من الإخوان إقليمياً منذ تولي الملك سلمان. أما بخصوص المعتقلة آية حجازي، الناشطة في مجال تأهيل أطفال الشوارع، والتي تحمل جنسية مزدوجة، وقضت أكثر من 500 يوم في الحبس بتهمة "الاتجار بالأطفال"، فإن المتحدث باسم الخارجية كان قد أعلن معرفة الإدارة بقضيتها معتذراً عن الإدلاء بتفاصيل حولها لأسباب قانونية.
وكانت صحيفة "الشروق" المصرية قد نشرت السبت، أن الملف العسكري قد رُفع من أجندة الحوار بطلب من القاهرة وواشنطن، حيث رأت الجهات الرسمية المعنية أن "الأمور المتعلقة بهذا المسار تدار بصورة مباشرة بين الجهات المعنية، وهو ما أفضى إلى عودة الدعم العسكري الأميركي للقاهرة بما فى ذلك تسليم الدفعة الاخيرة من طائرات إف 16 للقوات الجوية المصرية"، بحسب الصحيفة. إلا أن ذلك يناقض ما أدلى به المصدر الديبلوماسي المصري لـ"المدن"، حيث أكد احتياج الجانب المصري لعقد اتفاق عاجل بخصوص المعدات الأمنية والتسليح الخاص بمكافحة الإرهاب، حيث تسري التعديلات المقرة مؤخراً من "الكونجرس" بدءاً من 2018 وتطلب وزارة الدفاع التعجيل ببعض دفعات مروحيات "الأباتشي" والطائرات بدون طيار "درون" وأجهزة مراقبة الحدود قبل هذا التاريخ. ويؤكد ذلك مصدر "المدن" في الخارجية الأميركية، حيث صرّح في حديث خاص بأن تفاصيل تفعيل الشروط الجديدة للمعونة العسكرية الفترة الانتقالية المؤدية إليها تأتي على رأس أولويات الحوار.
أما عن تزامن تسليم مجموعة من مقاتلات الـ"إف 16" في الأسبوع السابق للحوار، فإن المصدر الديبلوماسي المصري قد نفى وجود رابط بينهما، حيث كان مقرراً في شباط/فبراير 2015 ثم تم تأجيله خمس مرات لأسباب مختلفة حتى تم مؤخراً. كان الموعد الأول قبل الإفراج عن الدفعة الأخيرة المجمدة من مروحيات "الأباتشي"، والأغلب أن تزامن وصول الـ"إف 16" قبيل الحوار الاستراتيجي وحفل افتتاح قناة السويس ليس إلا مجرد صدفة. وهو ما أكده المتحدث باسم الخارجية الأميركية في لقاء صحافي مفتوح عُقد الجمعة 31 يوليو/تموز.
كانت العديد من التحليلات قد نشرت حول ربط الحوار بسياقه الإقليمي. بعضها انطلق من قوة العلاقة بين ثلاثي التحالف الأميركي في المنطقة: إسرائيل والسعودية ومصر، رابطاً إياها بمحاولة أميركا أن تكون مصر هي قاطرة هذا التحالف في تخفيف القلق إزاء إيران. تحليلات عربية أخرى أبدت تخوفها من علاقة الحوار بالاتفاقات حول حقول الغاز الطبيعي في البحر المتوسط بسبب ما تردد عن مشاركة إموس هوكشتاين، الذي أشرف على تقسيم غاز المتوسط على حساب مصر، ضمن وفد جون كيري. أما المعلومة التي حصلت عليها "المدن" من مصادرها الديبلوماسية بما يتعلق بالسياق الإقليمي للحوار فهي مناقشة وضع ليبيا والعملية العسكرية المقترحة التي تريد مصر خوضها بتحالف بريطاني-إيطالي. لا يبدو أن الولايات المتحدة قد تتورط بنشر قوات ميدانياً في شمال أفريقيا، لكن مناقشة هذا الأمر في الحوار الاستراتيجي لا يبتعد كثيراً عن المفاوضات الأميركية-التونسية الجارية الآن من أجل إنشاء قاعدة لطائرات الـ"درون" لاستخدامها في عمليات مكافحة الإرهاب.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها