في الثاني من نيسان / أبريل الجاري، توصلت إيران والدول الستّ الكبرى بقيادة الولايات المتحدة إلى اتفاق إطار بشأن البرنامج النووي الإيراني، على أن تتواصل المفاوضات لبلورة اتفاقٍ دائم قبل الثلاثين من حزيران / يونيو المقبل. ويهدف الاتفاق بصيغته النهائية إلى وضع قيود تكفل ألّا تطوّر إيران سلاحاً نووياً، أقلّه خلال مدة الاتفاق. انطلاقاً من ذلك، وبحسب تقرير الحقائق الذي صدر عن وزارة الخارجية الأميركية، المرجع الوحيد الذي يقدّم تفاصيل عن الاتفاق الإطار، يحقّ لإيران تشغيل خمسة آلاف جهاز طرد مركزي فقط، من أصل 19 ألفاً تمتلكها، ويُسمح لها باستخدامها في مفاعل "نتانز" حصراً. ولا يمكن لإيران أن تُخصّب اليورانيوم بنسبةٍ أعلى من 3.67 في المئة. وسيسمح ذلك الاتفاق لها أيضاً بتشغيل ألف جهاز طرد في منشأة "فردو" النووية التي جرى الاتفاق على تحويلها إلى مركز للأبحاث العلمية الفيزيونووية. أمّا مفاعل "آراك" الذي يعمل بالماء الثقيل، والذي كان نقطةً خلافيةً كبيرةً بسبب قدرته على إنتاج مادة البلوتونيوم التي تدخل في صناعة سلاح نووي، فقد جرى الاتفاق على إعادة تصميم داخله، وفقاً لجدول زمني، في مهمة ستُشرف عليها "الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
في حال التزامها، سوف تكفل هذه الترتيبات بقاء إيران بعيدة سنة كاملة عن تخصيب الكمية الكافية من اليورانيوم لإنتاج قنبلة نووية واحدة، مقارنةً مع بُعدها اليوم عن ذلك بشهرين أو بثلاثة شهور، وفقاً للتقديرات الإسرائيلية والأميركية. وستسمح الرقابة الصارمة المنصوص عليها في اتفاق الإطار لمراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالقيام بزيارات مفاجئة من دون سابق إنذار إلى أيّ مكان أو منشأة يشتبه في أنّها تقوم بنشاطات نووية غير مشروعة، ما يعني أنّه سيكون من الصعب على إيران امتلاك برنامج نووي سرّي. وإذا لم تلتزم إيران الاتفاق، فإنّ ذلك سيقود إلى تجديد العقوبات فوراً، فضلاً عن إمكانية القيام بإجراءات أخرى ضدّها.
المواقف الإسرائيلية من الاتفاق الإطار
تُجمع كلّ التيارات والقوى السياسية في إسرائيل ومن كلّ الاتجاهات على ضرورة استمرار احتكار إسرائيل السلاح النووي في الشرق الأوسط، وعلى منع إيران من الحصول عليه. بيد أنّه لا يوجد اتفاق على الوسائل التي ينبغي اتّباعها لتحقيق ذلك، في ظل انتقادات شديدة توجّهها أحزاب المعارضة وبعض النخب لطريقة رئيس الحكومة نتنياهو وأسلوبه في التصدّي لهذا الملف، والذي أدّى إلى صدامٍ علني مع الرئيس أوباما. وترى قوى إسرائيلية مختلفة أنّ السبيل الأفضل هو تعزيز العلاقات مع البيت الأبيض والحفاظ على علاقات ثقة مع الرئيس أوباما، من أجل التأثير في مضامين الحل النهائي مع إيران. وقد تراوحت ردّات الفعل في إسرائيل على الاتفاق الإطار بين المغالاة في رفضه والطعن فيه، والقبول المتحفّظ المشروط. وقد قادت الحكومة بزعامة نتنياهو الاتجاه الأوّل. وعبّر عن الاتجاه الآخر العديد من كبار القادة العسكريين والأمنيين المتقاعدين الذين يلتقون عادةً في مواقفهم عموماً مع المؤسسة الأمنية والعسكرية.
موقف نتنياهو ومعسكر الرافضين
في سياق الانسجام مع مواقفه التي بلورها تجاه المشروع النووي الإيراني منذ أكثر من عقدين، وقف نتنياهو عملياً ضد أيّ اتفاق سلمي لا يرغم إيران على التخلّي عن مشروعها النووي ويدمّر بنيته التحتية. وكثّف نتنياهو نشاطه وجهده في الشهور والأسابيع الأخيرة، لا سيّما في الولايات المتحدة، ضدّ الاتفاق مع إيران وطالب مراراً وتكراراً بفرض المزيد من العقوبات الدولية والأميركية عليها بغرض إفشال الاتفاق بين إيران والدول العظمى، والضغط على الولايات المتحدة لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية.
وقد هاجم نتنياهو والمسؤولون الإسرائيليون اتفاق الإطار فور الإعلان عنه. ومن الملاحظ أنّهم لم يناقشوا مضامين الاتفاق ولم يروا فيه أيّ جانب إيجابي. بل استمروا في مهاجمته. وعدّوه خطيراً وسيئاً وخطأ تاريخياً وأنّه جاء جرّاء انصياع الدول الستّ العظمى للإملاءات الإيرانية، حسب هآرتس. ولم تساهم المحادثة الهاتفية التي أجراها الرئيس أوباما مع نتنياهو بعد ساعات من توقيع الاتفاق، والتي وصفتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنّها كانت صعبة، في زحزحة موقف نتنياهو من الاتفاق قيد أنملة. واستمرّ نتنياهو في مهاجمته عبر وسائل الإعلام المختلفة ولا سيّما الأميركية. وفي اليوم التالي للاتفاق عقد نتنياهو اجتماعاً خاصاً للكابينت الأمني لبحث الاتفاق. وبعد انفضاض الاجتماع، صرّح لوسائل الإعلام بأنّ وزراء الكابينت جميعاً موحدون في رفضهم الشديد هذه "الصفقة السيئة"، وشنّ هجوماً على الاتفاق. وحاول تفنيد أقوال الرئيس أوباما الذي قام بدوره بحملة إعلامية للدفاع عن الاتفاق أكّد فيها أنّ الاتفاق يغلق الطريق أمام إيران للوصول إلى السلاح النووي، ويحافظ على الجانب السلمي فقط من المشروع النووي، ويجنّب اللجوء إلى الحرب ضد إيران. ادّعى نتنياهو أنّ هذه الصفقة تهدد وجود إسرائيل، وتمثّل خطراً على المنطقة والعالم، وأنّها تمنح شرعية دولية للمشروع النووي الإيراني وتُبقِي البنية التحتية النووية الإيرانية، وستقود خلال سنوات معدودة إلى إزالة جميع القيود تقريباً المفروضة على المشروع النووي الإيراني، ولن تغلق الطريق أمام إيران للوصول إلى القنبلة النووية وإنّما ستشقّ الطريق أمام إيران للوصول إلى السلاح النووي وإنتاج الكثير من القنابل النووية، وستزيد من سباق التسلّح النووي في المنطقة ومن خطر نشوب الحرب بقوة لم تعهدها المنطقة من قبل. ونفى نتنياهو أن يكون البديل لهذه الصفقة هو الحرب. وادّعى أنّه يوجد بديل ثالث، وهو زيادة الضغط على إيران وفرض مزيد من العقوبات المؤلمة عليها لإرغامها على التوصّل إلى "اتفاق جيّد" يضمن تخلّيها عن مشروعها النووي. ولكنّه لم يتطرق إلى ردّ إيران على فرض مزيد من العقوبات ضدها، إذ يؤكّد الكثير من الخبراء أنّ إيران ستواجه هذه العقوبات بالتوجّه فوراً لإنتاج السلاح النووي بأسرع وقت ممكن، ما يستدعي عندها حرباً أميركية ضد المنشآت النووية. وفي ختام تصريحه، أضاف نتنياهو مطلباً جديداً لا صلة له بالسلاح النووي، وهو أن يشمل أيّ اتفاق اعترافاً إيرانياً واضحاً بحق إسرائيل في الوجود.
موقف الموافقين بتحفّظ
يعبّر عن هذا الاتجاه عدد من كبار القادة العسكريين والأمنيين المتقاعدين القريبين عادةً في مواقفهم من المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية؛ ففي حديثٍ له مع راديو إسرائيل، رأى رئيس جهاز الموساد الأسبق إفرايم هاليفي الاتفاق إيجابياً. وذكر المدير العام الأسبق للجنة الطاقة النووية الإسرائيلية البروفيسور عوزي عيلام أنّه إذا ما جرى تطبيق الاتفاق بحذافيره فإنّ إيران ستكون بعيدة جداً عن تطوير سلاحٍ نووي. وأمّا عاموس يدلين الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، والذي يرأس معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، فقد تحفَّظ من الاتفاق وعدّه حلاً وسطاً بين الدول العظمى وإيران، حقّق إنجازات مهمة ولكنّه في حاجة إلى العديد من التعديلات الجدّية. ويمكن إجمال أبرز الأسباب التي يطرحها المتحفظون من الاتفاق، في النقاط التالية:
- يمنح اتفاق الإطار المشروع النووي الإيراني الشرعية الدولية. وسيصعب على إسرائيل توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، لأنّها ستُعدّ اختراقاً للقرارات الدولية ومحاولة واضحة لإحباطها.
- يعترف الاتفاق موضوعياً بأنّ إيران "دولة حافة نووية". وعلى الرغم من أنّه لا يوجد تعريف دقيق متَّفَق عليه لمصطلح "دولة حافة نووية"، فإنّه عادةً ما يُقصد بهذا المصطلح بأنّ الدولة المعنية لديها القدرة التكنولوجية والبنية التحتية والموارد والخبرة لإنتاج سلاح نووي خلال وقتٍ قصير نسبياً. ويتجاهل الإسرائيليون عندما يتحدثون عن إيران بوصفها "دولة حافة نووية"، القيود الصارمة والمراقبة الشديدة التي يفرضها الاتفاق، ما يجعل وضع إيران مختلفاً عن "دولة الحافة النووية" العادية التي لا توجد مثل هذه القيود عليها. وثمة ادعاء يطرحه باحثون ومحللون إسرائيليون بأنّ مرور الوقت على إيران وهي "دولة حافة نووية"، سيعزّز قدرة إيران الردعية لأنّه سيخلق انطباعاً بأنّ إيران قد اقتربت كثيراً من إنتاج السلاح النووي بسبب مراكمتها التطوّر العلمي والتكنولوجي، أو بسبب قدرتها على إخفاء جوانب من المشروع النووي عن الرقابة الدولية الصارمة. وقد يقود الغموض بشأن قدرة إيران النووية الحقيقية إلى أن تتعامل إسرائيل ودول أخرى مع إيران كأنّها دولة نووية فعلاً.
- يفتح الاتفاق مرحلة جديدة من سباق التسلح النووي. وستسعى دول أخرى في الشرق الأوسط للوصول إلى وضع إيران النووي، مثل المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر.
- يعزّز هذا الاتفاق مكانة إيران ودورها ونفوذها في المنطقة، ويضع حداً لعزلتها الدولية، ويفتح مرحلة جديدة في علاقاتها الدولية والإقليمية، ما يقود أيضاً إلى تعزيز مكانة حلفائها في المنطقة سواء أكانوا دولاً أم مليشيات ومنظمات وقوى غير دولتية.
- قد تقوم الولايات المتحدة بتزويد المملكة العربية السعودية ودول أخرى في المنطقة بأنظمة أسلحة متطورة تعويضاً لها عن هذا الاتفاق، ما قد يؤدي إلى خسارة إسرائيل تفوّقها النوعي في الأسلحة المتطورة على الدول العربية.
- قد تستغلّ إيران ظرفاً إقليمياً ودولياً وتخرق الاتفاق. وثمة شكّ في أن تفقد الدول العظمى إرادتها السياسية لإعادة فرض العقوبات على إيران أو لتوجيه ضربة عسكرية لمنشآتها النووية، إذا اقتضت الضرورة.
الخاتمة
لم يبق لإسرائيل خيار عسكري عملي ضد المنشآت النووية الإسرائيلية بعد الاتفاق. ومن المتوقَّع أن تستمر الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو في معارضة الاتفاق من خلال الكونغرس وأنصار إسرائيل في أميركا بغرض إحباطه، وهو أمر مستبعد تحقيقه، أو الضغط على الإدارة الأميركية لإحداث تغييرات جدية فيه. وفي كلّ الأحوال تسعى إسرائيل، حكومةً ومعارضة، إلى الحصول على "تعويضات" عسكرية متقدمة من الولايات المتحدة، وتجديد التزامها الحفاظ على تفوّق إسرائيل العسكري النوعي على جميع دول المنطقة، والحصول على ضمانات أميركية بمنع الضغوط على إسرائيل لكشف منشآتها النووية للرقابة الدولية، وتعزيز الضمانات الأمنية لإسرائيل بما يرقى إلى ما يشبه عقد حلف عسكري رسمي، وتعزيز التعاون الاستخباراتي بين الدولتين ليس لمتابعة المشروع النووي الإيراني فقط وإنّما أيضاً لمتابعة المشاريع النووية للعديد من الدول في المنطقة التي قد تتّجه نحو تطوير برامجها النووية.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها