قد يكون انشقاق "كتيبة عبد الله بن سلام"عن أول تشكيل عسكري معارض في غوطة دمشق الشرقية: "كتيبة أبو عبيدة بن الجراح"، في آذار/مارس 2012، هو الفاتحة لتكاثر عدد كبير من التشكيلات العسكرية المعارضة تحت مسميات مختلفة وتيارات سياسية متعددة، من دون وجود جسد عسكري موحد يجمعها.
العمل العسكري الذي حقق في بداياته انتصارات مهمة على قوات النظام، مرَّ بمحاولات توحيد مثل "المجلس العسكري الثوري"، ومحاولات على مستوى أقل في تشكيل غرف عمليات مشتركة، إلا أن هدف التوحيد العسكري ظل بعيد المنال، رغم إيمان جميع القادة العسكريين بضرورته.
وبعد مرور حوالى ثلاث سنوات على بداية العمل العسكري في الغوطة الشرقية، تم الإعلان عن تشكيل "القيادة العسكرية الموحدة" في نهاية آب/أغسطس 2014. ولم يكن ذلك أمراً يسيراً، فقد سبقته جهود مضنية داخل الغوطة وخارجها. ورغم كل ذلك، ظل ما يقارب نصف القوة العسكرية في الغوطة خارج تلك القيادة، التي ضمت حينها "جيش الإسلام" و"الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" و"ألوية الحبيب المصطفى" و"فيلق الرحمن" و"حركة أحرار الشام".
ومنذ بداية الاجتماعات لمناقشة تشكيل القيادة الموحدة، التي ضمت كافة التشكيلات العسكرية عدا تلك المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، كان من الواضح أن أحداً لن يستطيع تجاوز قيادة زعيم "جيش الإسلام" زهران علوش. وذلك ما جعل قادة تشكيلات عديدة ينسحبون من القيادة الموحدة، وأهمهم قائد "لواء شهداء دوما" أبو صبحي طه، رغم حضوره مؤتمر إعلان القيادة. أما الذين استمروا في الاجتماع فكانوا يحاولون الحدّ من إطلاق يد علوش في هذه القيادة، وأصروا على أن يكون هناك "مجلس شورى" للقيادة، وقراراته ملزمة حتى لعلوش، وهو ما رفضه الأخير، قبل أن يعود ويقبل به. مع الوقت بات "مجلس الشورى" بلا سيطرة مركزية، وباتت لزهران الكلمة الأقوى.
وتوزعت المسؤوليات بين قادة التشكيلات المشاركة، فأصبح قائد "الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" أبو محمد الفاتح، نائباً لعلوش. وأصبح قائد "فيلق الرحمن" الملازم أول عبد الناصر شمير، قائداً ميدانياً.
ومع بقاء الكثير من الفصائل خارج تلك القيادة، اختار قادة تلك الفصائل التجمع في تشكيلات أكبر، فتشكّل "جيش الأمة" بقيادة أبي صبحي طه، و"فيلق عمر" بقيادة أبي طلال المسالمة، في أيلول/سبتمبر 2014. وبدا منذ اللحظة الأولى لتشكيل هذه الفصائل أن الاصطدام بينها وبين "القيادة الموحدة" قريب، فقد صرح علوش حينها أن "لا رأسين في الغوطة"، مهدداً أولئك الذين يسعون إلى "تفرقة الصف" بعد أن تشكلت "القيادة العسكرية الموحدة". ثم حدث الاقتتال بين "جيش الإسلام" و"جيش الأمة" الذي انتهى بالقضاء نهائياً على الأخير، قبل أشهر قليلة.
وهاجم "جيش الإسلام" خلايا تنظيم "الدولة الإسلامية" في كامل الغوطة وفي منطقة المرج التي يشكل "فيلق عمر" القوة الأكبر فيها. وكان من بين تلك الخلايا من يتبع إلى فيلق عمر. كما هاجم "جيش الإسلام" عدداً من الكتائب والمجموعات الصغيرة التي ظلت غير تابعة لأي فصيل كبير، في سقبا وكفربطنا وحمورية وغيرها. وبدأ منع محلات بيع السلاح ومصادرة ممتلكاتها، وصدر أمر من "جيش الإسلام" يقضي بترخيص جميع الأسلحة الفردية في الغوطة في مكاتبه. إلى أن بدا جلياً بأن "القيادة الموحدة" ستكون لها الكلمة الأوحد في العمل العسكري.
وخلال تلك الأحداث، حدث اندماج بين "فيلق الرحمن" و"حركة أحرار الشام" في الغوطة الشرقية. ثم اختارت الأخيرة الانشقاق بعد نزاع واقتتال دار بينهما. لكن قرار "القضاء الموحد" قضى بعدم جواز الانشقاق، فاختارت الحركة تسليم مقارها وأسلحتها إلى الفيلق وأن تعود إلى الصفر لتبدأ تشكيل نفسها في الغوطة. فكان قرار القيادة بحظر الحركة في الغوطة الشرقية منذ بضعة أيام.
وفي تزايد رسوخ هذه القيادة الموحدة، تم إعلان تشكيل "المجلس العسكري لدمشق وريفها"، المكون من 80 ضابطاً بقيادة العقيد عمار النمر، في نهاية آذار/مارس 2014. وقد أعلن المجلس انضمامه إلى "القيادة العسكرية الموحدة"، على أن يكون للضباط القيادة الميدانية على خطوط الجبهات، لضمان احترافية العمل العسكري على الجبهات. وغدا العقيد النمر نائباً ثانياً لزهران علوش.
ومع آخر توسع لهذه القيادة الموحدة، المتمثل بانضمام "فيلق عمر" إلى "جيش الإسلام" في 27 نيسان/ابريل 2015، لم يتبق من الفصائل خارج "القيادة العسكرية الموحدة" ضمن الغوطة، سوى "جبهة النصرة". ولا يبدو أن انضمامها ممكن لأن علوش يرفض ذلك قبل أن ترفض هي. فهل ستشهد الغوطة قريباً الاقتتال الذي قد يكون الأعنف والأهم؟
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها