عاش الشمال السوري ليلة متوترة، لم تنتهِ حتى الساعة، عنوانها الاستنفار العسكري، القريب من الصدام المباشر بين الفصائل، على خلفية قرار "لواء صقور الشمال" الاندماج في "الجبهة الشامية، ما يعني بصورة أو بأخرى عودة مؤكدة للجبهة إلى عفرين، ومنطقة "غصن الزيتون".
ويحمل الاندماج في طياته أيضاً، تحدياً واضحاً لقرار وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة بحل اللواء كاملاً، وبالتالي تحدياً للإرادة التركية.
انضمام "الصقور"
وأصدر فصيل "الصقور" ليل الثلاثاء، بياناً أكد فيه الاندماج الكامل مع "الشامية"، لأسباب قال إنه متعلقة بـ"الحرص" على قوة الثورة السورية، وانسجاماً مع الرغبة التركية في اختصار الفصائل الثورية، ورغبة من المقاتلين وقيادي الفصيل في الاستمرار في التضحية في سبيل الثورة.
من جهته، رحّب فصيل الجبهة الشامية بالقرار. وقال في بيان، إنه موافقته جاءت بناءً على مقتضيات المصلحة العامة للثورة السورية، وحرصاً على توحيد القدرات العسكرية.
وسبق القرارين، بيان صادر من وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، التابعة للائتلاف، نصّ على حل الفصيل، وتوزيع مهامه مع القوة البشرية واللوجستية، ضمن مؤسسات وفصائل مختلفة في "الجيش الوطني"، الذي تشرف عليه الوزارة صورياً.
كما نصّ بيان الوزارة على تعيين نائب وزير الدفاع العميد عدنان دياب، قائداً عاماً لـ"صقور الشمال"، بشكل مؤقت، بسبب إصابة قائده حسن خيرية بوعكة صحية. وبرّرت الوزارة القرار بأنه من ضمن خطة لإعادة هيكلة "الجيش الوطني"، والتي بدأت قبل عامين.
استنفار عسكري
وعلى إثر قرار الانضمام، سارعت "القوة المشتركة"، المؤلفة من فرقتي "الحمزات" و"العمشات"، إلى تسيير رتل عسكري في مناطق سيطرتها في "غصن الزيتون"، بعفرين، شمال حلب، كما انسحب الحال على فرقة "السلطان مراد"، والتي بثّت مقطعاً مصوراً لتشغيل دباباتها في الشمال السوري.
وعلى ذات المنوال، استنفرت "الجبهة الشامية" و"صقور الشمال"، استعداداً على ما يبدو لأي مواجهة عسكرية محتملة، ذلك أن "الصقور" كان من ضمن مرتبات "الفيلق الثاني، والذي يضم "العمشات" و"الحمزات" و"السلطان مراد"، بينما مكان "الصقور" الجديد هو "الفيلق الثالث"، الذي تنتمي إليه "الشامية".
وخلال مشهد الاستنفار المتبادل، عمد الجيش التركي إلى نشر دبابات ومدرعات على عدد من الحواجز خصوصاً حاجز كفرجنة، الفاصل عملياً، بين مناطق سيطرة "القوة المشتركة" في عفرين، ومناطق نفوذ "الشامية" في أعزاز، في ما يبدو أنه محاولة لمنع أي مواجهات محتملة.
عودة "الشامية"
وفي خضم المشهد، وبعيداً عن الاصطفاف العسكري المنقسم أصلاً بين مكونات فيالق الجيش الوطني، وكذلك بمعزل عن خطة إعادة هيكلة الجيش وحصره ضمن مكونات كبيرة، تبتلع الفصائل الصغيرة، وهو ما يبدو بعيد المنال حتى الآن، ثمة سبب أبعد وراء الاستنفار العسكري، ذلك أنه في حال وقوع الصدام المباشر بين الفصائل المذكورة، سيكون طاحناً، يمحي فصائل من الوجود، ويعيد رسم خرائط السيطرة لصالح أخرى، تحت شعار "نكون أو لا نكون".
وقال مصدر مطّلع على الأحداث في الشمال لـ"المدن"، إن السبب الحقيقي المباشر وراء استنفار "القوة المشتركة"، هو خوفها من عودة الجبهة الشامية إلى عفرين، والمربع الأمني في منطقة حور كلّس، لأن "الصقور" لديهم مقرات هناك، وبالتالي فإن الاندماج يعني عودتها عملياً، لتضع قدمها من جديد في منطقة غصن الزيتون.
إضافة إلى ذلك، فإن ضم لواء الصقور يعني عودة الجبهة الشامية لتصبح قوة ضاربة تدريجياً، كما كانت عليه قبل نحو عامين، حينما خرجت من عفرين إثر معركة مع "الحمزات" و"العمشات"، تدخلت فيها هيئة "تحرير الشام" لصالحهما. وحينها، لم تقتصر المعركة على طرد الجبهة الشامية من غصن الزيتون، إنما تحولت من فصيل قوي مؤثر ورقم صعب في الشمال، إلى آخر عادي بفعل تلك الضربة الموجعة، يضاف إليها الانقسامات التي عصفت بها مؤخراً.
وثمة سبب آخر يدفع تلك الفصائل للخوف من الجبهة الشامية بعد قرار دمج "الصقور"، إذ أنها اليوم بقياداتها الحالية، تُعدّ فصيلاً مقرباً من تحرير الشام، وبالتالي فإن معركة أخرى مع "العمشات" و"الحمزات"، سيكون انحياز الهيئة لصالح الشامية، لا لصالحهما.
وأوضحت المصادر أن فصيل "الصقور" مكون من 1200 عنصر، معرفون بشراستهم وضراوتهم في المعارك، كما لديه تسليح وعتاد عسكري جيد، والذي سيشكل مع السبب السابق، عنصراً فارقاً بالنسبة للجبهة الشامية، أمام باقي الفصائل. ويقود الفصيل حسن خيرية، شقيق مؤسسه الأصلي أحمد خيرية، الذي قُتل خلال معارك مع "داعش" في 2016. ويعود أصل الفصيل إلى جبل الزاوية في ريف إدلب، وخرج من هناك إلى الشمال بسبب خلافات مع تحرير الشام.
تحدٍ لتركيا
ورأى المصدر أن قرار الشامية فيه تحدٍ للحكومة المؤقتة ووزارة الدفاع التابعة لها، وبالتالي تحدٍ للإرادة التركية بحل الفصيل وتوزيه مهامه وسلاحه على قوات حرس الحدود، لافتاً إلى أن قرار الحلّ ذاته، هو مسبّب هذا الصدى الكبير الذي أحدثه القرار، إذ باتت الكثير من الفصائل تخشى من محوها بالكامل، لا إعادة دمجها ضمن مكونات أخرى.
وكانت الجبهة الشامية قد أعلنت في وقت سابق، تجميد تعاونها مع الحكومة المؤقتة، كما طالبت أيضاً بتقديم رئيسها عبد الرحمن مصطفى للقضاء.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها