الخميس 2024/09/12

آخر تحديث: 16:16 (بيروت)

الانتخابات الرئاسية الجزائرية: تحديات كبيرة تواجه تبون

الانتخابات الرئاسية الجزائرية: تحديات كبيرة تواجه تبون
الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون © Getty
increase حجم الخط decrease
نظّمت الجزائر، في 7 أيلول/سبتمبر 2024، انتخابات رئاسية فاز فيها الرئيس عبد المجيد تبون بولاية جديدة مدتها خمس سنوات، بنسبة تفوق 94 في المئة من الأصوات، بحسب السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات. وتعدّ هذه الانتخابات الثانية التي تشهدها البلاد بعد حراك الشارع الجزائري عام 2019، الذي أعقبه تنحّي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد عشرين عامًا من الحكم. وخلال الفترة الأولى من حكم الرئيس تبون، تميز المشهد السياسي الجزائري بتغيراتٍ عميقة، أبرزها انحسار المعارضة، واتساع قاعدة التأييد للسلطة الحاكمة بين القوى والأحزاب السياسية. وعرفت الفترة نفسها تجديدًا في قيادات أغلب الأحزاب الجزائرية، وإعادة هيكلة على مستوى المؤسسات الرسمية، نتيجة التعديل الدستوري الذي جرى الاستفتاء عليه في كانون الأول/ ديسمبر 2020.

انتخابات تعددية، ولكن!
تنافَس في هذه الانتخابات أقل عددٍ من المرشحين منذ أول انتخابات رئاسية تعددية في الجزائر عام 1995؛ فقد شارك فيها مرشحان يمثلان حزبَين سياسيَّين فقط، وهما عبد العالي حساني شريف (58 سنة) عن حركة مجتمع السلم، ذات التوجه الإسلامي المحافظ، ويوسف أوشيش (41 سنة) عن جبهة القوى الاشتراكية. أما المرشح الثالث، وهو الرئيس المنتهية ولايته عبد المجيد تبون (79 سنة) فقد ترشح بصفته مستقلًّا، علمًا بأنّ كل الرؤساء الذين فازوا بالانتخابات الرئاسية منذ عام 1995 ترشحوا باعتبارهم مستقلين، وكانوا جميعًا يحظون بدعم ضمني من الجهات الفاعلة في البلاد، خاصة الجيش وبيروقراطية الدولة.
واختارت أحزابٌ أربعة، سبق أن قدمت مرشحين عام 2019 للمنافسة على الرئاسيات، وهي حركة البناء الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل وحزب طلائع الحريات، أن تدعم ترشح الرئيس تبون لعهدة ثانية. وانضمت مع حزب جبهة التحرير الوطني صاحب الأغلبية في البرلمان، إضافةً إلى 14 حزبًا، إلى تكتل حزبي حشد الدعم للرئيس "لاستكمال" برنامجه السياسي والاقتصادي.
شاركت حركة مجتمع السلم مرة ثانية في هذه الانتخابات، بعد أن ترشح مؤسسها محفوظ نحناح عام 1995، وحلّ في المرتبة الثانية بعد اليامين زروال، بحصوله على ربع أصوات الناخبين. وسبق أيضًا لجبهة القوى الاشتراكية أن رشحت زعيمها التاريخي الراحل حسين آيت أحمد في انتخابات 1999، لكنه انسحب في نهاية المطاف مع باقي المترشحين؛ احتجاجًا على ما اعتبره تزويرًا مسبقًا لمصلحة مرشح الجيش حينها عبد العزيز بوتفليقة.
تمثّل حركة مجتمع السلم الحزب المعارض الوحيد في البرلمان الحالي، ولم يدعم ترشح رئيسها سوى "حركة النهضة"، وهي حزب إسلامي صغير. أما جبهة القوى الاشتراكية، أقدم الأحزاب المعارضة، فقد قاطعت انتخابات 2019 الرئاسية وكذلك الانتخابات البرلمانية التي جرت في حزيران/ يونيو 2021؛ بحجة أنّ مطالب الحراك لم تتحقق وأنّ الظروف لم تكن مهيَّأة لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة. وقد مثّل ترشح أمينها العام لهذه الانتخابات مفاجأة؛ نظرًا إلى الخط السياسي المعارض للحزب. وربما أسهم التغيير في قيادة الحزب، والتحول الحاصل في البيئة السياسية الداخلية، والتخوف من فقدان مكانته الرمزية في اتخاذ قرار التخلي عن سياسة المقاطعة.

البرامج الانتخابية
رفع برنامج الرئيس تبون شعار "من أجل جزائر منتصرة"، وركز على تقديم ما اعتبره إنجازات مهمة خلال ولايته الرئاسية الأولى (2019-2024)، في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وقد شدد أنصار حملته على المكاسب الاجتماعية التي تحققت بفضل إجراءات إعادة التوزيع ورفع الأجور ومِنَح البطالة ودعم برامج السكن الحكومي. وفي المجمل، قدّم البرنامج تعهداتٍ بمواصلة "تجسيد مختلف الإصلاحات والبرامج التنموية التي شرع فيها (الرئيس) خلال عهدته السابقة، على غرار تطوير المناطق المهمشة،  وملفَّي الشغل والسكن".
ولوحظ في خطاب الرئيس تبون وأنصاره التشديد خلال الحملة الانتخابية على فكرة استهداف البلاد والتآمر عليها من طرف قوى خارجية، وأكد على ذلك أيضًا في الخطاب الذي ألقاه في تجمعه الانتخابي الأخير في العاصمة يوم 3 أيلول/ سبتمبر، وقال فيه إنّ "الجزائر أصبحت مستهدفة" مشددًا على ضرورة أن تكون البلاد "قوية للدفاع عن حرمتها وكلمتها".
أما برنامج المرشح حساني شريف فقد انطلق ممّا أسماه "رسالة وطنية وسطية جامعة، تستهدف الإصلاح والتغيير عبر منهج ديمقراطي سلمي غير صدامي، ومعتدل غير متطرف، جامع غير مفرق، مساوٍ بين الجميع". وعلى خلاف برنامج الرئيس المنتهية ولايته، ركز برنامج "فرصة" على الإصلاح الدستوري والمؤسساتي، وحدد خمس أولويات لسياسته في حال جرى انتخابه، وهي إصلاح النظام السياسي وتحقيق الشراكة السياسية الواسعة، وإقامة بيئة مؤسساتية فعالة ومواكبة، وتعميق الطابع الاجتماعي للدولة، وصياغة نموذج اقتصادي صاعد، وتعزيز محورية الجزائر في المحيط الدولي. وعكس تركيز الحركة على البعد السياسي الاعتقاد السائد بأن هامش الحريات السياسية آخذ في التضاؤل في السنوات الأخيرة. 
في سياقٍ مشابه، أكدت وثيقة برنامج المرشح أوشيش أنّ مشاركة جبهة القوى الاشتراكية في الانتخابات الرئاسية جاءت من أجل حماية الدولة الوطنية، وإعادة الاعتبار للعمل السياسي، والعمل على بروز قطب سياسي وطني وتقدمي وديمقراطي؛ وذلك من خلال إصلاح عميق وجذري للحياة السياسية والمؤسساتية، عبر الالتزام بتبني نظام شبه رئاسي ذي توجه برلماني، من أجل تكريس فعلي للتوازن بين السلطات. وتضمّن البرنامج أيضًا رغبةً في تعديل القوانين المؤطرة للعمل السياسي، مثل قانون الانتخابات والأحزاب والجمعيات والإعلام، وتعهدًا بإجراء انتخابات عامة مبكرة على هذا الأساس قبل نهاية عام 2025.
بصورة عامة، لم يُلحظ وجود تباينات كثيرة في المحاور الاقتصادية والاجتماعية بين برامج المرشحين الثلاثة بشأن طبيعة التحديات التي تواجه البلاد، خصوصًا في مسائل العمل والأمن الغذائي وتنويع الاقتصاد وتقليص الاعتماد على الريع المتأتي من منتجات الطاقة الأحفورية. وتقاربت الرؤى حول محور السياسة الخارجية تقاربًا كبيرًا بشأن إدارة العلاقات مع الخارج، والتصدي للتهديدات التي يفرضها الجوار المضطرب، ودعم القضيتَين الفلسطينية والصحراوية.
سارت الحملة الانتخابية هادئة ولم تسجَّل فيها تجاوزات كبيرة، عدا اتهامات لوسائل الإعلام العمومية بعدم الحياد، وتخصيص مساحة أكبر للرئيس المنتهية ولايته مقارنةً ببقية المنافسين. وخلت الحملة تقريبًا من الاتهامات المتبادلة المباشرة بين المرشحين، باستثناء انتقادات ضمنية وجّهها مرشحَا المعارضة لحصيلة الرئيس تبون، في المجالَين السياسي والاقتصادي خصوصًا. 
اقتصرت حملة الرئيس تبون على ثلاثة تجمعات انتخابية، في قسنطينة ووهران والجزائر العاصمة، بينما تعهّد مدير حملته الانتخابية، وزير الداخلية إبراهيم مراد، وقادة الأحزاب السياسية الداعمة، بباقي فعاليات الحملة. في المقابل، زار المرشحان حساني شريف وأوشيش جلّ ولايات البلاد الثماني والخمسين، محاولَين استقطاب "الأغلبية الصامتة"، وهي فئة من الناخبين ألفت الامتناع عن التصويت في الانتخابات السابقة (60 في المئة في انتخابات 2019)، بالرغم من إدراكهما لصعوبة التحدي؛ نظرًا إلى حجم الدعم والموارد التي يحظى بها الرئيس تبون.

نتائج الانتخابات ونسب المشاركة
تمكّن تبون من حسم نتيجة الانتخابات من الجولة الأولى، مثلما كان متوقعًا على نطاق واسع، لكنّ النسبة التي حصل عليها بدت مفاجِئة نوعًا ما؛ إذ إن النتائج الأولية أفادت أنه نال أكثر من 94 في المئة من الأصوات، مع زيادة بأكثر من 381 ألف صوت ممّا حصل عليه عام 2019، بينما حصل حساني شريف وأوشيش على 3.17 في المئة و2.16 في المئة على التوالي. 
ويمكن تفسير هذه النتائج بكون المرشحَين المنافسَين لا يزالان غير معروفَين على نحو واسع، نظرًا إلى حداثة عهدهما برئاسة حزبيهما، وبغياب منافسين من الوزن السياسي الثقيل، وتجنُّد عدد كبير من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني خلف الرئيس المرشح، في ظل الدعم الواضح الذي قدمته له قيادة أركان الجيش الجزائري منذ خوضه انتخابات عام 2019 وفوزه بولايته الأولى. 
ورغم أن مديريات الحملات الانتخابية للمرشحين الثلاثة عبرت عن رفض ما عدته "غموضًا" في نتائج الانتخابات التي أعلنت عنها السلطة المستقلة للانتخابات، خاصة ما تعلق بالتضارب بين النتائج المعلن عنها والنتائج المسجلة في محاضر فرز الأصوات، فإن ذلك لن يؤثر في النتيجة النهائية على الأرجح.
واللافت أكثر في هذه الانتخابات هو النسبة الكبيرة للممتنعين عن التصويت أو المصوتين بالورقة البيضاء. وتفيد الأرقام الأوّلية التي أعلنت عنها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، في اليوم التالي للاقتراع، بأنّ 5 ملايين و630 ألف ناخب أدلوا بأصواتهم، أي نحو 23 في المئة من عدد الناخبين المسجلين. يمكن تفسير الامتناع عن التصويت بقناعة بين الناخبين بأن الفوز كان سيؤول في كل الأحوال إلى الرئيس المنتهية ولايته، خاصة أن منافسيه لم يكونا بالوزن السياسي الذي يسمح لهما بمنازعته الرئاسة. لكن ارتفاع التصويت بالورقة البيضاء يعد شكلًا من أشكال المقاطعة مع التعبير عن فقدان الثقة بالمؤسسات وبالعملية السياسية في البلاد، رغم أن الرئيس تبون أكد مرارًا أن الثقة استُعيدت؛ بفضل "الإصلاحات الدستورية" التي أجراها بعد انتخابه في ولايته الأولى.

تحديات الولاية الثانية
يواجه الرئيس تبون تحديات كبيرة في عهدته الثانية، رغم الفوز الكبير الذي حققه في هذه الانتخابات. وأهمّ هذه التحديات استكمال الإصلاحات السياسية، إضافةً إلى أنّ استمرار اعتماد البلاد على عائدات تصدير الطاقة قد يتسبب في اختلال إيرادات الحكومة وتراجع الاستثمارات العامة في حال انخفضت أسعارها، كما هو متوقع خلال الفترة القادمة. وسيمتد تأثير ذلك أيضًا إلى السياسة الاجتماعية والمخصصات الحكومية للمناطق الأقل تنمية والفئات الأكثر هشاشة.
وفي مجال السياسة الخارجية، يواجه الرئيس تحديات مرتبطة بتحالفاته الدولية، خاصة بعد أن رُفض طلب الجزائر الانضمام إلى مجموعة البريكس عام 2023، واستمرار عدم الاستقرار الأمني في دول الجوار سواء في ليبيا أو دول الساحل. ولا تزال إدارة العلاقات مع فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي يسودها التوتر والفتور من الناحية السياسية على الرغم من تشابك المصالح الاقتصادية بين الطرفين. وخلافًا لما هو متوقع، لم يكن للجزائر دورٌ ملحوظ أو متميز ضد حرب الإبادة المتواصلة على الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فيما عدا ما عبّرت عنه خلال نشاطها باعتبارها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن. وسيكون ملف العلاقات المغاربية على رأس أولويات العهدة الجديدة للرئيس، في اتجاه تعزيز العلاقة مع تونس وموريتانيا، ودعم التوصل إلى حل سياسي في ليبيا، بينما يُنتظر أن تراوح العلاقات مع المغرب مكانها؛ نظرًا إلى استمرار أسباب الخلاف القائمة بين البلدين الجارين.
أخيرًا، يُتوقع أن يبدأ الرئيس في التحضير لما بعد انتهاء ولايته الثانية، نظرًا إلى طبيعة النظام الجزائري، من خلال تهيئة شخصيات لقيادة البلاد من بعده. وقد يؤدي ذلك، بدءًا من الانتخابات التشريعية (البرلمانية) المقبلة، إلى ظهور تباينات بين الأحزاب المشكِّلة للتحالف الرئاسي على الصدارة في البرلمان وتوزيع الحقائب الوزارية. وعلى الرئيس أيضًا أن يدير العلاقة الخاصة مع الجيش، بما يجنبه أيّ توتر ويتيح له المضيّ في برنامجه متسلحًا بدعم المؤسسة الأقوى في البلاد.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها