السبت 2024/08/31

آخر تحديث: 18:34 (بيروت)

عملية الضفة.. نتنياهو ماضٍ بمشروعه ويتمدد

السبت 2024/08/31
عملية الضفة.. نتنياهو ماضٍ بمشروعه ويتمدد
© Getty
increase حجم الخط decrease
بدت العملية التي أطلقتها إسرائيل في الضفة الغربية، الأربعاء الماضي، مرتبطة مباشرة بالتطورات في هذه المنطقة، مع تصاعد الحراك المقاوم فيها كما في حرب غزة، والشعور الإسرائيلي بالاطمئنان وعدم القلق من المبادرة إلى فتح جبهة جديدة في الضفة، وربما في الشمال مع حزب الله فيما بعد. وبالعموم، بدت العملية في الشكل والمضمون، تعبيراً عن التفكير الإسرائيلي التقليدي، خصوصاً مع الحضور المتزايد لليمين الأكثر تطرفاً على الساحة السياسية، والاستلاب للمقاربات والحلول العسكرية في هروب موصوف من الجذر السياسي للقضية الفلسطينية، وعدم رفع الراية البيضاء من قبل الفلسطينيين، حتى مع الانقسام  والتباعد السياسي والجغرافي، والعجز عن التوحد قيادياً مؤسساتياً وبرامجياً بمواجهة آلة البطش الإسرائيلية.

سياقات العملية
إذاً، يمكن بل يجب النظر إلى العملية من زوايا متعددة ووضعها بسياقات فلسطينية وإسرائيلية وإقليمية سياسية وجغرافية، وبالطبع عسكرية وميدانية أيضاً.
أولاً، وفي ما يخص المنطقة نفسها، أي شمال الضفة الغربية وتحديداً مدن ومخيمات جنين وطولكرم وطوباس والفارعة. فهي الأقرب إلى الخط الأخضر والتماس مع الأراضي المحتلة عام 1948، كما مع مستوطنات إسرائيلية عديدة بالمنطقة.
كما شكلت المدن الثلاث بمخيماتها، بؤر المقاومة الأساسية في الضفة، خلال الشهور والسنوات الأخيرة، مع تفاخر وتبجح إسرائيل بالقضاء على مجموعة "عرين الأسود" في نابلس، بينما لا يزال الحراك المقاوم قوياً في مخيماتها، بلاطة وعسكر.
وأتت العملية العسكرية في سياق التحسّب الإسرائيلي من "طوفان أقصى" جديد في الضفة الغربية، خصوصاً، مع تزايد عمليات إطلاق النار ضد المستوطنات في المنطقة نفسها. كما تمثل الدعوات لعودة العمليات الاستشهادية  في الداخل، سبباً آخر للعملية، حسب المزاعم الإسرائيلية.

قانون فك الارتباط
وفي ما يخص المنطقة كذلك، فلا بد من الإشارة إلى إلغاء الكنيست قانون فك الارتباط -وتوقيع  وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت على الأمر التنفيذي الخاص- ضمن خطة رئيس الوزراء الأسبق أرئيل شارون، بالانفصال الأحادي عن غزة وشمال الضفة، بمعنى التمهيد للعودة إلى الاستيطان في المنطقة، وإبقاء الاحتمال مفتوح ولو نظرياً أمام عودة الاستيطان إلى غزة أيضاً.
هنا لا بد من التذكير بتحريض وزير المالية، ونائب وزير الدفاع المعني بشؤون الاستيطان، بتسلئيل سموتريتش الذي لم يعد هامشياً في الساحة السيساسية والحزبية، واستنتاجاته المتطرفة والعنصرية تجاه عملية "طوفان الأقصى"، وزعمه أن منع عملية مماثلة في الضفة، لا يتحقق بوسائل عسكرية إنما بعودة الاستيطان في المنطقة.
أما في ما يخص الزمان كما الواقع السياسي الراهن، فقد أتت العملية بعد مرور عام تقريباً على العدوان ضد غزة، وانتهاء المرحلة الثانية من الحرب -تعيش أيامها ولحظاتها الأخيرة في رفح وشرق دير البلح بالمنطقة الوسطى- بينما كانت المرحلة الثالثة قد انطلقت فعلاً في بقية مناطق القطاع، منذ شهور، في بؤر المقاومة المعروفة والتقليدية في جباليا والشجاعية والزيتون وخانيونس، تحديداً ريفها الشرقي.
في ما يخص التوقيت كذلك، واضح أن إسرائيل تجد نفسها طليقة وغير مضغوطة بعد تراجع وتيرة الحرب في غزة، وتسريح عديد من قوات الاحتياط النظامية، حيث يجري القتال بوتيرة أقل حدّة، وكثافة، كما تنص المرحلة الثالثة حرفياً، وفق التصريحات والمواقف الإسرائيلية الرسمية المعلنة.

رد حزب الله
وزمنياً أيضاً، أتت العملية مباشرة بعد الرد الخجول جداً من حزب الله الأحد الماضي، على اغتيال القيادي فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، أواخر تموز/يوليو الماضي، والعودة إلى قواعد الاشتباك المعروفة عبر ما تُعرف بجبهة الإسناد والمشاغلة، مع الانتباه لموقف لافت جداً لغالانت مساء الخميس، طالب فيه بوضع الحسم على الجبهة الشمالية مع لبنان، ضمن أهداف الحرب المعلنة في غزة، والمتضمنة تفكيك حماس سلطوياً وعسكرياً، واستعادة الأسرى الإسرائيليين -مع الانتباه إلى أن لا حديث معلن عن إيقاع النكبة في غزة، وجعلها غير قابلة للحياة - وتعقيب رئيس الوزراء بنيامين  نتنياهو أن هذا حاصل فعلاً، ومبادرة عضو كابينت الحرب  السابق بيني غانتس لتكرار موقفه في العلن تجاه التهدئة في الجنوب، والانتقال للحسم في الشمال، مع عبارة أن "يأتي الشيء متأخراً أفضل من ألا يأتي على الإطلاق".
وللمفارقة، كان الترويج لفكرة أن هدف حرب المشاغلة هو تخفيف الضغط على غزة، بينما جرى إنجاز المهمة هناك، والاستدارة الإسرائيلية نحو الضفة الغربية، تمهيداً للعمل على الجبهة اللبنانية نفسها بعد ذلك. بمعنى أن القيام بعملية استباقية في الضفة يندرج ضمن الاستعداد لاحتمال القيام بعملية واسعة في الشمال، كما قال غالانت، من أجل إعادة النازحين قبل العام الدراسي القادم.

اطمئنان إسرائيلي
في بعدها الإقليمي، تعني العملية الإسرائيلية الموسعة في شمال الضفة، الاطمئنان ولو مرحلياً، وعدم قلق تل أبيب من رد إيراني وشيك وقريب على اغتيال الشهيد إسماعيل هنية، في طهران، منذ شهر تقريباً.
وفي الحيثيات لا شك أننا أمام عملية نقل لأساليب الحرب في غزة  إلى الضفة، وهو ما كان قد بدأ فعلاً، حتى قبل العملية الأخيرة، مع استخدام الطيران 70 مرة، والجرافات الضخمة سيئة الصيت (D9)، للتدمير الواسع للممتلكات العامة والبنية التحتية على تواضعها، خصوصاً في جنين ونور شمس، والآن الفارعة أيضاً.
اعتاد بينى غانتس دوماً على وصف المرحلة الثالثة من العدوان في غزة بمقولة: "حكم الشجاعية وجباليا وخانيونس، كحكم نابلس وجنين وطولكرم"، الآن يبدو أننا أمام مشهد سوريالي وتطبيق المعادلة بشكل عكسي، لجهة الدمار الهائل في البنية التحتية والممتلكات في المناطق المستهدفة، واستخدام الطائرات المسيرة، وحتى الحربية، وإجبار المدنيين على النزوح مع السعي لنزع الطابع القسري عنه.
وفي سياق نقل النموذج الغزاوي، يسعى الاحتلال الى إلهاء وإشغال الناس في شمال الضفة بأزماتهم وحياتهم اليومية، وإعادة الإعمار بعد العملية العسكرية، علماً أننا بصدد خسائر بعشرات ملايين الدولارات، وهي كلفة كبيرة وضخمة قياساً لحجم المنطقة المستهدفة، والإمكانيات المحدودة والعجز المزمن في ميزانية السلطة الفلسطينية، وشبه الانهيار في الوضع الاقتصادي هناك منذ 7 تشرين أول/أكتوبر 2023.

عجز السلطة
لاكتمال رؤية أو رسم الصورة والمشهد، لا بد من الإشارة إلى موقف معتاد من السلطة الفلسطينية العاجزة والمنفصلة عن الواقع، ورغم قطع الرئيس محمود عباس الأربعاء زيارته إلى السعودية على أهميتها، وعودته إلى رام الله، لكن الحقيقة أنه ليس لدى السلطة ما تفعله وتقدمه، وهي ولم تفقد السيطرة أمنياً فقط، كما تدعي أو تزعم إسرائيل في سياق التحريض على البقاء في مربع أوسلو الأمني، ونزع الطابع السياسي على علاّته عنها، وإنما أيضاً معنوياً وسياسياً ومؤسساتياً وديموقراطياً، بعدما فقدت مصداقيتها أمام الشعب الفلسطيني إثر فشلها في تحقيق آماله الوطنية، وتوفير مقومات الحياة الكريمة له، وحمايته من الاحتلال وجرائمه.
لا بد من الإشارة كذلك، إلى تشابه خطاب السلطة والفصائل لجهة الحديث عن عربدة إسرائيلية، وارتكاب جرائم حرب وتهجير قسري في المنطقة المستهدفة، وتبني خطاب المناشدة والتوسل تجاه الأمم المتحدة والولايات المتحدة والمجتمع الدولي، للتدخل ووقف العملية الإسرائيلية، وهو نفس الخطاب التقليدي السائد الذي لم يحمي غزة، رغم مرور سنة تقريباً على الإبادة الجماعية الموصوفة فيها.
ومن هذه الزاوية، أكدت العملية الإسرائيلية مرة أخرى الحاجة إلى ضرورة إنهاء الانقسام، وتشكيل قيادة وطنية موحدة شابة، ديمقراطية ومنتخبة مع برنامج سياسي توافقي، وهذا موجود فعلاً في وثيقة الوفاق الوطني الموقعة عام 2006، ويحتاج فقط إلى تحديث.
ويستخدم الاحتلال مصطلح جزّ العشب في توصيف العملية العسكرية الراهنة، بمعنى القضاء المتواصل على خلايا المقاومة النامية، وهو مصطلح دموي وعنصري أيضاً تجاه الشعب الفلسطيني، خصوصاً أنه يترافق مع تكرار مصطلح "نكبة النكبة" كما قال معلق هآرتس روغل ألفر، الخميس الماضي، والتهديد بتحويل شمال الضفة إلى نسخة من شمال غزة، دون استبعاد الرغبة في تحويل الضفة كلها إلى غزة، أقلّه سياسياً لجهة وجود سلطة تعمل كإدارة محلية، ودون جوهر وطني وسياسي، وتتولى رعاية الأمور الحياتية ضمن سيطرة عملياتية وأمنية إسرائيلية كاملة.

الاستيطان
إذن هدف عودة الاستيطان في المنطقة لا يزال حاضراً  مع العجز عن تحقيق ذلك في غزة، والتصور بإمكانية تحقيقه في الضفة بعد إلغاء قانون فك الارتباط، حيث يصرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت دوماً على موقفه، لجهة أن ما يجري في غزة على فظاعته، هو لحرف النظر عن هدف بنيامين نتنياهو وحلفائه المتطرفين الحقيقي، والمتمثل بتهويد الضفة الغربية، خصوصاً بالتزامن مع اقتحامات الاقصى، والدعوات إلى إقامة كنيس يهودي داخله، وتغيير الواقع الراهن عبر حملة زيارات ممولة حكومياً بميزانيات ضخمة للمستوطنين والسواح، لتقديم الطقوس التوراتية الصهيونية حول الحرم ومحيطه.
الضفة تغلي، وشمالها تحديداً، صحيح، لكن مع هوس منع "طوفان أقصى" جديد، ثمة استلاب إسرائيلي إلى مقاربات ووسائل عسكرية وأمنية، وتجاهل جذر الاحتلال وممارسات جرائم المستوطنين، رغم تقارير وتحذيرات رسمية من مغبة أفعالهم المحمية سياسياً، وهي العوامل مجتمعة التي أدت منذ 7 تشرين الأول، إلى مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمصابين، وعشرات آلاف المعتقلين، ومئات آلاف العاطلين عن العمل، إضافة إلى من فقدوا أعمالهم وأرزاقهم في أراضي الـ48. 
ختاماً، باختصار، وتركيز، قالوا في إسرائيل إن العملية الجارية في الضفة، هي الأكثر كثافة وحدة منذ 22 عاماً، هذا صحيح، ويمثل خلاصة ودروس الوقائع كلها القائلة إنه حتى مع الانقسام والعشوائية الفلسطينية، لن تحل إسرائيل القضية بالوسائل العسكرية، أو تنجح في فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني.
في السياق نفسه، كانت بيانات لافتة جداً من كتائب عز الدين القسام وسرايا القدس مساء الخميس أيضاً، لجهة انتهاء المواجهات المباشرة في يومين تقريباً، وهي السيرورة التي استغرقت شهور في غزة، والانتقال إلى  تكتيك استغلال الجغرافيا والكمائن والعبوات والقتال في مجموعات منفصلة، بمعنى أن المقاومة لن تنتهي إلى هذا المعطى كما المعطيات السابقة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها