مع انتهاء المعارك بين النظام والفصائل المعارضة عملياً في 2020، برزت أكثر إلى العلن، شريحة اللاجئين السوريين التي تزور المحافظات السورية الهادئة، بعد سنوات قضوها في بلدان اللجوء، وخصوصاً دول الاتحاد الأوروبي.
وتنوعت تلك الزيارات في أسبابها، فبعضهم ذهب بقصد السياحة العلاجية في محافظته، أو الاستجمام في أخرى، بينما آخرون كان هدفهم عائلياً بحتاً، للزواج أو الاطمئنان عن الأقارب، في حين كان لبعضهم أهداف تجارية، لتفقد مشاريع أو عقارات دفعوا ثمنها خلال فترة إقامتهم في بلدان اللجوء.
الشريحة الرمادية
ويُطلق المعارضون في بلدان اللجوء على هذه الشريحة اسم "الرماديون"، ذلك أنهم يتخذون موقفاً محايداً من الثورة السورية، ولجأوا إلى أوروبا هرباً من المعارك بين النظام والفصائل المعارضة، وليس لهم أي سجل أمني لدى المخابرات، وبالتالي فإن مسألة زيارتهم مجدداً إلى سوريا، ستجري بكل سلاسة، لاسيما بعد حصول بعضهم على جنسيات دول اللجوء.
أموال باهظة
وأجرت "المدن" مقابلات مع عشرة أشخاص زاروا سوريا مؤخراً، ويعرفون آخرين قاموا بالأمر ذاته. وتبين من خلالها أن معظم هؤلاء ينحدرون من محافظات دمشق واللاذقية وطرطوس، وسجلهم الأمني خالٍ من أي تُهم سياسية، بل أن بعضهم لم يخفوا تأييدهم للنظام السوري. كما أظهرت المقابلات أن بعضهم زار محافظته رغم عدم حصوله على جنسية بلد اللجوء، وعاد مجدداً إليه.
وتقول اللاجئة عبير (39 عاماً)، إنها زارت سوريا صيف 2023، للاطمئنان عن عائلتها في دمشق، بعد 8 سنوات قضتها في السويد. وتضيف أنها أنفقت خلال "الإجازة"، مبلغ 2500 يورو، على تجميل شكل أسنانها، و3 آلاف يورو خلال فترة الزيارة لنحو شهر. ومن ضمن المبلغ الأخير كانت رحلة لمدة أسبوع قضتها على شواطئ اللاذقية، وثمن منظومة طاقة شمسية لمنزل العائلة.
من جهتها، تقول أم باسل (55 عاماً)، إن زيارتها لسوريا كانت لأجل خطبة فتاة لابنها المقيم في هولندا. وتضيف أنها دفعت لتجهيز لوازم المخطوبة، 10 آلاف يورو، موزعاً على ذهب ومهر وألبسة خاصة للعرائس، من أجل تجهيزها وإرسالها فيما بعد إليه. وتشير إلى أن هناك فرقاً وتوفيراً كبيراً عما لو كانت خطبت له فتاة سورية مقيمة في هولندا، لأنها كانت ستدفع حينها 3 أو 4 أضعاف هذا المبلغ.
وبالنسبة لعصام (50 عاماً)، اللاجئ في كندا، فيقول لـ"المدن"، إنه دفع مبلغاً يفوق الـ150 ألف دولار خلال 3 سنوات، على شراء عقارات داخل سوريا، مستفيداً من فرق سعر الصرف، إذ أن "العقارات ارتفعت قيمتها بالليرة، لكن قيمتها بالدولار انخفضت" عما كانت عليه قبل 2011. ويضيف أن زيارته الأخيرة إلى سوريا، خلال صيف 2024، كانت لرؤية عقاراته على أرض الواقع.
المصدر الرابع للدولار
وبصرف النظر عن أسباب الزيارة، وموقف الزائرين مما جرى في سوريا، وكذلك الانعكاسات على قرارات بلدان اللجوء على المعارضين الهاربين من بطش مخابرات النظام، تبقى الأموال الكبيرة التي ينفقونها داخل سوريا، بالدولار واليورو، القاسم المشترك الأهم، إذ إن شكل الاقتصاد والسوق السورية، هو حلقة مغلقة تصب بالنهاية لصالح دعم النظام والليرة، مهما كان مصدر المال وطريقة إنفاقه.
ويُطلق إعلام النظام ومسؤوله عن هؤلاء صفة "المغتربين"، لا اللاجئين، ويصنّفهم في خانة السيّاح، كما لا يقدم أرقاماً واضحة عن حجم أنفاقهم.
ويقول مدير منصة "اقتصادي" يونس الكريم، إنه من الصعب معرفة حجم إنفاق هؤلاء داخل مناطق النظام، لكن يمكن رصد ذلك من خلال الحجم الكبير لإشغال الفنادق والمطاعم، إذ يعترف النظام السوري أن شاغليها هم "المغتربون السوريون"، كما يمكن قراءة إشارات عن ذلك، عبر زيادة حجم الاحتياطي النقدي لدى المصرف المركزي.
ويضيف الكريم لـ"المدن"، أن حجم الإنفاق من قبل اللاجئين الذين يزورون مناطق النظام، أصبح يشكل المصدر الرابع من مصادر الدولار للنظام، بعد تجارة المخدرات والأسلحة والمعابر غير الشرعية. ويوضح أن ذلك يشمل استخراجات جوازات السفر، والأوراق الرسمية، ودفع البدلات العسكرية من قبل فئة الشباب، قبل زيارتهم لسوريا، قادمين من دول لجوئهم.
وإذ يؤكد أن حجم إنفاق اللاجئ الواحد داخل سوريا يصل إلى 30 ألف يورو، يشدد على أن هؤلاء تحولوا إلى داعمين للنظام من دون أن يقصدوا، وأن زيارة البعض تحولت إلى مفاخرة مجتمعية، ما من داعي لها في حال عدم وجود أسباب قاهرة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها