الأربعاء 2024/07/31

آخر تحديث: 15:56 (بيروت)

اغتيال هنية.. اللعب خلف الخطوط الحُمر

الأربعاء 2024/07/31
اغتيال هنية.. اللعب خلف الخطوط الحُمر
© Getty
increase حجم الخط decrease
رسالتان بضربة واحدة، كانت عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والتي نفذتها إسرائيل في قلب العاصمة الإيرانية، طهران.
وإذا كان اغتيال هنية، كسياسي، يُمكّن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من استثماره في مسار إنعاش عمره السياسي الآخذ في التأكل منذ ما قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر من جهة، وقطع الطريق على أي تأهيل مستقبلي لحماس بوصفها حركة سياسية من جهة ثانية، فإن استهداف طهران يكشف رسائل أعمق حول المستقبل القريب للصراع، وشكله، بعيداً من لغة الخطوط الحُمر، والضربات المتفق عليها سلفاً، التي رسمت شكل هذا الصراع منذ 7 تشرين.

الاغتيال الذي تزامن مع عملية اغتيال القائد العسكري لحزب الله فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية، يطيح كل التخيلات التي رسمت صوراً غريبة عن تل أبيب، على شاكلة احترامها للاتفاقات المعقودة تحت الطاولة، أو ارتداعها عن الذهاب في مغامرات أبعد بآلاف الكيلومترات من غزة، وأكثر خطورة وتعقيداً منها.
كما يطيح كل التحليلات التي تفترض أن نتنياهو، بوصفه مجرم حرب وقاتل أطفال، بات في مأزق، وأن ائتلافه الفاشي الذي يسوقه بأثمان سياسية بخسة، هو من يرسم له حدود تنازلاته في الحرب أو يشاركه في أي من قراراتها، مثله مثل كابينت الحرب الذي ازدراه نتنياهو واستكثر التأسف على حلّه.

وبعيداً من بهلوانيات إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وشعبويتهما، ومعهما التيار المتطرف غير المُحترم في الأدبيات السياسة الإسرائيلية والغربية، لا بد من الوقوف طويلاً أمام مشهد التصفيق المستمر لنتنياهو خلال خطابه في الكونغرس، وتشريحه بشكله المستفز لكثير من الأميركيين، وتوقيته وقدرة رئيس الوزراء الإسرائيلي على استثماره كاملاً في صندوق الانتخابات الأميركية المقبلة.
تشكل تلك العلاقة المتشعبة بين حكام وإسرائيل واللوبي الصهيوني في الدولة العميقة في الولايات المتحدة، الأساس الذي يرتكز عليه نتنياهو في سياسته، وهو العالم بمفاتيح وآليات صنع القرار في واشنطن. وما تهافُت أعضاء الكونغرس على التقاط الصور معه، في ختام خطابه الشهير ذاك، سوى انعكاس آخر لتلك العلاقة، وتصويب للفكرة التي يريد نتنياهو إيصالها، أن مفاتيح اللعبة ومسار شرعيته موجودة في تلك العاصمة بالتحديد، وأن كل من يعترض اليوم، في عواصم مفتاحية أخرى، سيعود صاغراً طالما ترى واشنطن أن نتنياهو ومن خلفه كل إسرائيل، في صلب مشروعها.

عاد نتنياهو من واشنطن أقوى مما ذهب. استهدف بيروت وطهران، جامعاً كل أسباب الحرب في ليلة واحدة. ويراهن على أن أيّاً كان رد الفعل الناجم عن الاغتيالَين سيصب في مصلحته.
فابتلاع الضربتين، وإن كان صعباً على كل من إيران وحزب الله، سيصرفه في الداخل الإسرائيلي كانتصار لسياسته من جهة، ويشيح الأنظار عن المفاوضات العبثية التي يخوضها حول غزة.
فيما يهدد رد بحجم الضربتين، بإشعال حرب مفتوحة لن تكون الولايات المتحدة بمنأى منها، وهو أوضح ما يطمح إليه نتنياهو، منذ الهجوم المباغت قبل 10 أشهر، والذي سعى جاهداً لاستثماره بتشكيل حلف غربي واسع، يعتقد أن بإمكانه أن يخلصه من غزة وحزب الله والتهديد الإيراني، مرة واحدة وأخيرة.
قاوم الرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته طويلاً، طموحات نتنياهو، وحاولوا كبح جماحه مرات عديدة، وعاقبوه مرات آخرى، لكن قدرته على المناورة، أوصلته إلى أن يقف أمام مجلسي الكونغرس، ويعلن نفسه "حامي أميركا"، والمحارب عنها، وهي صفة تخوله العبث في أي مكان، والنجاة من العواقب.
وإذا كان توقع المسار الذي ستذهب إليه الأمور، خلال الأيام القليلة المقبلة، يمكن وصفه بأنه من أعمال التنجيم، فإن المحتوم الذي كرسته تجربة حرب غزة، والعبث الإسرائيلي الذي رافقها من طهران إلى الضاحية ودمشق وبغداد وصنعاء، هو أن هذه الحرب لن تغادر طالما بقي نتنياهو في السلطة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب