بخلاف الوضع في العام 2006، حين كانت سوريا متماسكة اقتصادياً، بدأت التداعيات السلبية للنزوح المعاكس من لبنان نحو سوريا بالظهور خلال فترة قياسية، لا تتجاوز بضعة أيام.
ألقت الحرب اللبنانية بثقلها على الواقع الاقتصادي والخدمي المنهار في سوريا، على شكل ارتفاع في معظم أسعار السلع، بنسب تتراوح بين 10 و20%.
قفزة في الأسعار
ورصدت "المدن" ارتفاع أسعار الوقود في السوق السوداء، بدمشق وريفها، في ظل شحّ واضح في هذه المواد. وصل سعر جرة الغاز إلى 250 ألف ليرة (الدولار يساوي 14 ألفاً و650 ليرة سورية)، بينما تجاوز سعر جرة الغاز المهربة من لبنان/ النصف مليون ليرة، مع ندرتها بسبب تأثير الحرب على خطوط التهريب، كما وصل سعر ليتر البنزين إلى 28 ألف ليرة، والديزل إلى 30 ألف ليرة.
وطاولت قفزة الأسعار معظم المواد الغذائية التموينية. وصعد سعر ليتر الزيت النباتي من 21 ألف ليرة إلى 27 ألفاً، والسمن النباتي إلى 50 ألفاً، و قفز كيلو الرز إلى 20 ألفاً، والعدس إلى 24 ألفاً، وارتفع كيلو السكر من 10 آلاف ليرة إلى 13 ألفاً.
وتوقفت معظم وسائل النقل العامة والخاصة قبل أيام عن العمل، بسبب النقص الحاد في مادة المازوت اللازمة لتشغيل الحافلات، ومن بينها شركة "طروادة" التي أعلنت توقيف جميع رحلاتها، وشركة "القدموس" التي ألغت رحلاتها إلى دمشق، بسبب عدم توفر مادة المازوت، ليتم حل المشكلة لاحقاً بشكل مؤقت، عبر تأمين مادة المازوت المتاحة من خلال البطاقة الذكية.
الأزمة ستتفاقم
وتؤشر التصريحات المتناقضة من مسؤولي النظام حول شحّ الوقود وموجة الغلاء الجديدة، على أن الحكومة لن تستطيع السيطرة على الأزمات المتفاقمة الناجمة عن النزوح وتداعيات الحرب. وتفاوتت التصريحات بين نكران كامل لقفزات الأسعار وشح المواد، أو إرجاع أسباب الأزمة إلى تضرر خط تهريب المحروقات الآتي من لبنان، أو إلى صعوبة الشحن وارتفاع التكاليف عبر البحر الأحمر.
ويرى الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر أن حكومة النظام تواجه ضغوطاً اقتصادية حادة، وهي لا تستطيع توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية إلا بصعوبة بالغة، معتبراً أن غالبية الخدمات المقدمة تقل عن الحد الأدنى من حيث الكم والنوع.
ويضيف السيد عمر لـ"المدن"، أن تزايد أعداد النازحين إلى سوريا، "سيفاقم هذه الضغوط وينعكس على شكل تراجع في الخدمات المقدمة للمواطنين، لأن ذات الخدمات ستوزع على عدد أكبر"، مشيراً إلى أن " أبرز الانعكاسات الاقتصادية للنزوح، ستكون على شكل غلاء واضح نتيجة ارتفاع الطلب، وشحّ في بعض المنتجات، خصوصاً تلك التي كانت تأتي تهريباً من لبنان".
لكن من جهة أخرى، يرجّح السيد عمر استمرار استقرار الليرة السورية، وربما تحسنها بشكل نسبي، نتيجة قيام النازحين، خصوصاً اللبنانيين، بتصريف الدولار في مناطق سيطرة النظام.
ما القطاعات الأكثر تضررا؟
ولن تتوقف حدود الانعكاسات السلبية للحرب على غلاء الأسعار، بل يمكن أن تتجاوز إلى ارتفاع في معدلات البطالة، وندرة فرص العمل، مع تزايد أعداد الشباب الوافدين، يُضاف إليها ارتفاع أسعار إيجارات المنازل، وفقاً لحديث وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة عبد الحكيم المصري ل"المدن".
ويوضح المصري أن "السلع الأساسية لن تغدو في متناول الجميع في حال طالت مدة الحرب، خاصة الخبز الذي يُوزع بكميات محدودة، ما سيحرم قسم كبير من الوافدين من هذه المادة، ويجبر الميسورين منهم على شراء الخبز السياحي بأسعار كبيرة".
وبناء على ما سبق، يرجح المصري أن "القطاعات الأكثر تضرراً، تتمثل في السكن والعمل والمواد الأساسية سواء الغذائية أو المنظفات، والخبز والمحروقات والنقل".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها