1- شكل الاتفاق الاميركي الفنزويلي الأخير حول تبادل السجناء وتطبيع العلاقات وإجراء إصلاحات سياسية في فنزويلا، مفاجأة مدوية، لاحت في الأفق بعد تكتم على الوساطة دام أزيد من عامين ، أفرز هذا الإنجازَ المبهر، والذي لم يحققه وسطاء كثيرون في أميركا اللاتينية وأوروبا. فكيف بدأت الوساطة؟ وما هي مقدماتها؟ وما هي أبرز الصعوبات التي واجهتها هذه الوساطة لتحقيق هذا الإنجاز الهام؟
- تقف دولة قطر دائماً على مسافة واحدة من كل الفرقاء، وتسعى باستمرار إلى تقريب وجهات النظر بينهم، من خلال تقديم سلسلة من الحلول والمقترحات المبتكرة، نابعة من خبراتها وتجاربها عبر السنوات الماضية. لذلك رسخت قطر مكانتها في العالم كوسيط موثوق إقليمياً ودولياً.
وامتداداً لهذه المساعي، فقد تلقت دولة قطر طلباً رسمياً من البلدين الصديقين للمشاركة كوسيط دولي، لحل عدد من الخلافات القائمة بينهما. وقد نجحت وساطة دولة قطر في تحقيق صفقة جزئية متصلة بتبادل عدد من السجناء، حيث أطلقت جمهورية فنزويلا البوليفارية سراح 10 سجناء أميركيين، مقابل إطلاق الولايات المتحدة الأميركية سراح سجين فنزويلي، بعد عقد عدد من جلسات الوساطة بين الطرفين. وتأتي هذه الخطوة ضمن وساطة أوسع لمعالجة القضايا العالقة بين البلدين، فالمهمة لم تنتهِ بعد.
نجاح هذه الوساطة يؤكّد مجدّداً مكانة دولة قطر كشريك دولي موثوق، كما يعكس دورها الفعّال في صناعة السلام وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، فالوساطة القطرية لا تقف عند منطقة جغرافية محددة وإنما تتسع لتشمل أي دولة في العالم ترغب في المساعدة القطرية لفض خلافاتها مع دولة أخرى.
هذه الوساطة لا تخلو من صعوبات جمة، لعل من أبرزها انعدام الثقة بين الطرفين مع بداية عملنا، إلا أن الوسيط الناجح هو من يبادر في محاولات مستمرة لتذليل هذه الصعوبات سعياً لتحقيق النجاح. وفي هذا الصدد، أود أن أعرب عن شكر قطر للولايات المتحدة الأميركية، وجمهورية فنزويلا، على تعاونهما في إنجاح عملية تبادل السجناء وتجاوبهما مع جهود الوساطة القطرية.
تجدر الإشارة إلى أن جهود دولة قطر التي سهّلت المحادثات بين السلطات الفنزويلية والمسؤولين الأميركيين ستمهد الطريق، وتتخذ خطوات مهمة وملموسة، نحو تنفيذ اتفاق خريطة الطريق الانتخابية في فنزويلا لهذا العام.
قطر تساهم في تنفيذ خريطة الطريق الانتخابية في فنزويلا
2- استوقفت الرأي العام عبارة الاصلاحات السياسية المطلوبة في فنزويلا والواردة في نص الاتفاق. و التي توحي بأن قطر لم تتوسط فقط لإطلاق رهائن، بل ساهمت في دفع فنزويلا وحكومتها وشعبها نحو الاستقرار والازدهار البعيد المدى. هل هذا التقدير دقيق وواقعي؟
- كما ذكرت سابقاً بأن جهود دولة قطر التي سهّلت المحادثات بين السلطات الفنزويلية والمسؤولين الأميركيين ستمهد الطريق وتتخذ خطوات مهمة وملموسة نحو تنفيذ اتفاق خريطة الطريق الانتخابية في فنزويلا لهذا العام.
ولا يمكنني التعليق حالياً بشكل مفصل، لأن المفاوضات مستمرة، وعملنا لم ينتهِ بعد. ولكن ما أود أن أؤكده في هذا الصدد أن دولة قطر تبذل جهوداً حثيثة لتعزيز الأمن والسلم في المنطقة والعالم، وستعمل دائماً من خلال التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف من أجل عالم يسوده السلام وينعم بالتقدم والازدهار.
جهود قطر لدعم لبنان ستتواصل في المرحلة المقبلة
3- في خطابه الشهير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أيلول الماضي، أعلن سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حرفياً: "في لبنان الشقيق حيث أصبح الخطر محدقا بمؤسسات الدولة، نؤكد على ضرورة إيجاد حل مستدام للفراغ السياسي وإيجاد الآليات لعدم تكراره، وتشكيل حكومة قادرة على تلبية تطلعات الشعب اللبناني.." ما هي برأيكم فرص إقناع اللبنانيين بضرورة إزالة هذا الخطر؟
- تسعى دولة قطر مع شركائها الدوليين لتجاوز حالة الشلل السياسي ومواجهة الأزمة الاقتصادية في لبنان، ودعم الجهود التي تعزز وحدته واستقراره، وتحقيق تطلعات شعبه في التنمية والتقدم.
وفي هذا الإطار، فقد زرت بيروت العام الماضي، بغية تبادل وجهات النظر مع عدد من الأطراف الرسمية والسياسية في لبنان، كما استضافت دولة قطر الاجتماع الثاني للمجموعة الخماسية بشأن لبنان، لإيجاد آليات تساعد اللبنانيين في معالجة الأزمة.
وأؤكد في هذا السياق أن جهود دولة قطر لدعم لبنان ستستمر خلال المرحلة المقبلة، وسنواصل الجهد المبذول في تقريب وجهات النظر لإيجاد منفذ يساعد على انفراج الأزمة. لكن الحل في نهاية المطاف يجب أن يكون من اللبنانيين أنفسهم.
ونؤكد بأن الشعب اللبناني يستحق حكومة تنفذ بشكل عاجل الإصلاحات اللازمة لإنقاذ اقتصاد البلاد المتدهور، وتحقيق التطوير المطلوب في مختلف القطاعات الأخرى سعياً لتجاوز هذه المحنة.
كما تدعم قطر لبنان وتشجع جميع الأطراف على تغليب المصلحة الوطنية وتجنب المصالح السياسية الشخصية والسعي نحو تشكيل حكومة دائمة تدعم فكرة الاستقرار السياسي في لبنان.
التشجيع على ملء الفراغ في رئاستي الجمهورية والحكومة في لبنان
4- بين الحين والاخر، تتردد في بيروت أنباء عن وساطة قطرية تهدف إلى حث المسؤولين والسياسيين اللبنانيين على ملء الفراغ الرئاسي والشروع في تشكيل السلطة التنفيذية، وتترافق تلك الانباء مع عراقيل عربية ودولية معروفة، تحول دون تطوير عمل اللجنة الخماسية، ودون الارتقاء بتلك الوساطة نحو البحث في اختيار اسماء المرشحين الانسب لرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، ما هو رأيكم؟ وما هي الأفكار المتداولة في الدوحة بهذا الشأن؟
- إن التحرك القطري في القضية اللبنانية هو جزء من الجهود الدولية والإقليمية المستمرة لمساعدة لبنان في تجاوز الفراغ الرئاسي. قطر دولة لها علاقات جيدة في الوسط السياسي اللبناني وفي المنطقة، ونعمل عبر الحراك الدبلوماسي والاتصالات مع كافة الأطراف من دون استثناء بغية تشجيع الأطراف اللبنانية على التوافق لملء الفراغ في المناصب الرئيسية ومنها رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة.
هناك تنسيق مستمر مع أعضاء اللجنة الخماسية، وانسجام جيد في الأهداف والأفكار العامة. أما في ما يتعلق بأسماء المرشحين، أود أن أوضح بأن دولة قطر لا تفضل أن تزكّي إسماً معيناً، فهذا يعد شأناً لبنانياً داخلياً، والقرار الأول والأخير هو للبنانيين أنفسهم. وسترحب قطر بأي شخص يختاره المجتمع اللبناني لدخول مرحلة مهمة من التطوير والإصلاح في البلد، ولن تتوانى قطر في تقديم يد العون والمساعد للأشقاء اللبنانيين للوصول إلى الاستقرار والازدهار.
وقد شدّدنا مع اللجنة الخماسية على الحاجة الملحة إلى قيام القيادات اللبنانية بتسريع إجراء الانتخابات الرئاسية، بالإضافة إلى حتمية تطبيق الإصلاح الاقتصادي والمالي الذي تشتد الحاجة إليه في الوقت الحالي. وقد حثت اللجنة بقوة الزعماء والأحزاب اللبنانية المختلفة على اتخاذ إجراءات فورية للخروج من هذا المأزق السياسي.
إن العمل مازال مستمراً، وجهودنا نحو تقريب وجهات النظر بين مختلف الأحزاب ما زالت قائمة، رغم كثرة الانشغالات بالقضايا الإقليمية والدولية. كما تظل رؤية دول قطر داعمة للبنان متطلعةً إلى استمرار التنسيق بما يعود بالنفع العام على لبنان وشعبه الشقيق.
المطالبة بقرار دولي ملزم ومستعجل بوقف العدوان على غزة
5- الثابت أن حرب غزة المستمرة منذ السابع من تشرين الاول اكتوبر الماضي، تشكل تحدياً استثنائياً ركز انظار قطر والعالم العربي والعالم كله، على ذلك الحدث وأولويته المطلقة. هل توافق على التقدير بان العدو الاسرائيلي تعرض في ذلك التاريخ لهزة عنيفة وعميقة افقدته رشده، ودفعته إلى حالة هستيرية يصعب معها الكلام عن وساطات ومفاوضات وحوارات تكبح عملية الابادة الجماعية التي ينفذها بحق الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية على حد سواء؟
- اسمح لي في البداية أن أؤكد موقف قطر الثابت تجاه القضية الفلسطينية والأحداث الأخيرة في غزة. إذ تشدد دولة قطر على ضرورة وقف العدوان على قطاع غزة فوراً، وأهمية صدور قرار ملزم من مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار بشكل مستعجل، وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل كافٍ ومستدامٍ إلى مناطق القطاع كافة.
كما نرفض سياسة التهجير القسري التي تمارسها سلطات الاحتلال ضد سكان غزة، ونحذر من تداعيات حرمان الفلسطينيين من الغذاء والماء والدواء وانتهاك حقوقهم المشروعة.
نكرر في هذا الصدد إدانتنا بأشد العبارات للقصف الإسرائيلي، مما أدى إلى استشهاد عدد كبير من الفلسطينيين أغلبهم من الأطفال والنساء. ولا يمكن اعتبار ذلك التصرف دفاعاً عن النفس، إذ لم يسلم من القصف العنيف لا البشر ولا الحجر. فقد تأثر القطاع الصحي في غزة بشكل كبير. وقد شددنا على أن هذه الجرائم تمثل حلقة جديدة في مسلسل الجرائم الإسرائيلية التي تستهدف المستشفيات والمنشآت المدنية الحيوية، وتعد انتهاكاً صارخاً للقوانين والاتفاقيات الدولية.
وكانت دولة قطر، من أوائل الدول التي طالبت بفتح تحقيق دولي رسمي في مزاعم الكيان المحتل، كما طالبت بإجراء تحقيق دولي عاجل في جرائم مهاجمة تلك المستشفيات والمدارس وقتل المواطنين.
كما تدعو دولة قطر المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته في التحرك العاجل لمحاسبة إسرائيل وردعها عن ارتكاب المزيد من الجرائم ضد المدنيين، وتوفير الحماية اللازمة لآلاف النازحين ومن بينهم المرضى والجرحى.
6- الوساطة القطرية كانت ولا تزال قائمة، لكن الانطباع أنها تواجه هستيريا اسرائيلية، ناجمة عن عصبية قومية مفرطة، وعن تفكك وضيق أفق سياسي، وعن تغطية أميركية وغربية شبه مطلقة للخيارات الإسرائيلية، كيف يمكن المضي قدما في الوساطة؟ وما هي أفضل السبل أو الشروط لنجاحها؟ أم أن علينا التعايش مع تلك الحرب الموجعة، لشهور أن لم يكن لسنوات، في ظل هذا الثمن الانساني الفلسطيني الباهظ جدا؟
- التاريخ يعلمنا بأن الخيارات العسكرية لا تؤتي ثمارها بل تؤدي إلى تدهور الأحوال والأوضاع، لذا فإننا نرى بأن الوساطة هي الخيار الأمثل لمعالجة هذه الأزمة المتفاقمة، وهذا ما دفعنا إلى أن نبذل جهوداً كبيرة إلى جانب الجهود الإقليمية والدولية المقدرة في هذه القضية، وستواصل دولة قطر العمل مع شركائنا من أجل تحقيق الغاية المنشودة.
هناك تحديات كثيرة تعيق عمل الوسيط، كاستمرار التقاتل والقصف على قطاع غزة وانعدام الثقة بين الأطراف. ورغم ذلك تمكنا مع شركائنا من تحقيق هدنة مؤقتة لمدة 7 أيام، أدت إلى الإفراج عن عدد من الأسرى من الطرفين. رغم ذلك فإن المهمة لم تنتهِ بعد، ونعمل حالياً مع الطرفين على أمل الوصول إلى اتفاق آخر يساهم في التخفيف من وطأة هذه الأزمة.
كما نجدد التأكيد بأن الضمان الوحيد لتحقيق سلام مستدام في منطقة الشرق الأوسط هو الوصول إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وفقاً للمبادرة العربية وحل الدولتين الذي يضمن إقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتمتع الشعب الفلسطيني بحقوقه المشروعة كاملة.
رفض انشاء منطقة عازلة تقلص مساحة غزة
7- ما هي قدرة اسرائيل على تحقيق خطتها الفعلية البعيدة المدى بتحويل قطاع غزة إلى مكان غير صالح للعيش، وتهجير سكانه إلى مصر وغيرها من البلدان العربية؟
- نحن نرفض سياسة العقاب الجماعي والتهجير القسري التي تمارسها سلطات الاحتلال ضد سكان غزة، كما نشدد على أن غزة أرض فلسطينية. وبالتالي، نرفض مطلقاً إنشاء منطقة عازلة من شأنها تقليص حجم قطاع غزة. ونحن في قطر نرى أن الفلسطينيين وحدهم هم من يملكون الحق في تقرير مستقبلهم، ولذلك ينبغي عدم حرمان الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم المشروعة.
ما زلنا نرى في غزة المزيد من المعاناة الإنسانية نتيجة لتعنت إسرائيل في السماح بوصول المواد الضرورية للحياة كالغذاء والدواء والاستمرار في القصف والقتل. وتشدد دولة قطر في هذا السياق على ضرورة حزم المجتمع الدولي ووقوفه ضد هذه المذبحة بحق الفلسطينيين، ورفع القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية، باعتبار ذلك انتهاكاً صارخاً للقوانين الإنسانية والدولية، والعمل على مواجهة السياسات المتطرفة والمستفزة للاحتلال الإسرائيلي، بما يؤدي في النهاية إلى تجنب استمرار دوامة العنف في المنطقة واحتمال تمددها إلى مناطق أخرى.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها