روسيا تقصف في إدلب التقارب الاميركي التركي؟

في اللحظة ذاتها التي احتفل فيها العالم باستقبال عام جديد، كانت الطائرات الروسية تدكّ منازل وخياماً لمهجرين بالقرب من مدينة جسر الشغور، مخلفة قتلى وجرحى، بينهم أطفال ونساء.

وعلى الرغم من أن القصف الروسي على إدلب مع دخول العام الجديد لا يعد مفاجئاً، إلا أن الواضح قياساً على العقلية الروسية، أن توقيت الغارات كان الغرض منه تمرير رسائل لتركيا الطرف الأول المعني بالاستقرار في إدلب، بعد سكان الشمال السوري، مفادها أن العام المقبل لن يكون أفضل من سابقه.

ويمكن ملاحظة أكثر من مؤشر على وجود خلافات كبيرة بين أنقرة وموسكو، منذ اختتام جولة "أستانة 17" في 22 كانون الأول/ديسمبر الماضي، وأوضحها إعلان تركيا بشكل غير رسمي قبل أيام عن شروطها للانسحاب من سوريا، رداً على تصريحات مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف التي أكد فيها أن "الممثلين الأتراك في اجتماع أستانة الأخير قالوا إن جنودهم سيغادرون سوريا في أول فرصة".

خلافات أستانة
ويقول الناشط السياسي عبد الكريم العمر ل"المدن"، إن ما يمكن قراءته من التصعيد الروسي الأخير، هو أن عدداً من القضايا لا زالت محط خلاف بين أنقرة وموسكو، و"منها افتتاح الطريق الدولي أم-4، للانتهاء روسياً من مسألة إدخال المساعدات الأممية عبر الحدود، واقتصار العملية على وصول المساعدات للشمال السوري عبر الخطوط، من مناطق سيطرة النظام".

وثمة محطات خلافية تركية روسية أخرى، مرتبطة بالتفاهمات الأولية التركية-الأميركية على البدء بحل القضايا الخلافية، وعلى رأسها الملف السوري، كما يؤكد العمر، ويشير في هذا السياق إلى إعلان المتحدث الرسمي باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن قبل أيام، عن إرسال بلاده رسالة إلى واشنطن بشأن إنشاء وتشغيل آلية تتعلق بمعالجة القضايا الخلافية في العلاقات بين البلدين، وأولها الملف السوري.

وهنا، يؤكد الناشط أن التقارب بين أنقرة وواشنطن يثير مخاوف روسيا، لأن التفاهم بينهما سيكون مضراً بمصالح روسيا وحليفها نظام الأسد، وتحديداً في شمال شرق سوريا، ويقول إن "السياسة الروسية في سوريا قائمة على الحل العسكري، حيث اعتادت روسيا على فرض شروطها بالقوة العسكرية، وفي إدلب على وجه التحديد تريد موسكو استدامة حالة عدم الاستقرار في شمال غرب سوريا".

من جهته، يركّز الباحث المختص بالشأن الروسي الدكتور محمود حمزة خلال حديثه ل"المدن"، على زيادة التصريحات الروسية حول استمرار وجود "الإرهاب" في سوريا وتضمين ذلك في كل البيانات الختامية لجولات أستانة، مما يعني أن التصعيد الأخير يأتي في إطار حاجة روسيا لتبرير الادعاء بوجود "الإرهاب".

ويقول: "عوّدتنا روسيا على استخدام القصف الوحشي استباقاً لأي مفاوضات سياسية، وبالتالي فإن التصعيد في إدلب يأتي استباقاً للاجتماع المهم الذي سيعقد بحضور وزراء خارجية الثلاثي الضامن (روسيا، تركيا، إيران) لمسار أستانة، في العاصمة الإيرانية طهران، في كانون الثاني/يناير الحالي".

ويضع الباحث في مركز "الحوار السوري" محمد سالم التصعيد الروسي في إطار معاقبة المعارضة التي رفضت المواقف الروسية الأخيرة التي جاءت على لسان مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف.

ويقول ل"المدن": "اللافت، أن التصعيد الأخير يأتي بعد محادثات أستانة الأخيرة وتصريحات لافرنتيف التي أكدت المؤكد حول موت العملية السياسية، وأن اللجنة الدستورية مجرد غطاء للأجندة الروسية حالياً، ويبدو أن رد المعارضة الرسمية الرافض والمدين للتصريحات، حرّض روسيا على معاقبة المعارضة، ولو كان الرفض من جانب المعارضة بالحد الأدنى".

ويستدرك قائلاً: "الغارات الروسية تأتي في استمرار لنهج روسي ثابت في استمرار الغارات الجوية على إدلب للتأكيد على أن وضع إدلب خاصة، والشمال السوري عامة لا يزال مؤقتاً، وغير مستقر، ما يعني أن هذا النوع من الغارات مستمر عادة حتى من دون سياق وأسباب".

على الجانب المقابل، احتفت وسائل إعلام النظام السوري بالغارات الروسية، وقالت صحيفة "الوطن" الموالية: "ودّع سلاح الجو الروسي العام 2021 واستقبل العام 2022 بقصف مكثف طال إرهابيي نظام (الرئيس التركي) رجب طيب اردوغان في إدلب"، وأضافت أن "القصف يعدّ دلالة واضحة على مدى استياء روسيا من النظام التركي الذي أخل بكل مواعيده والتزاماته التي نصت عليها الاتفاقيات الثنائية بين البلدين الخاصة بالمنطقة".

وطبقاً لأرقام نشرتها مصادر حقوقية سورية، فقد شنت المقاتلات الروسية نحو 600 غارة جوية على منطقة "خفض التصعيد" خلال العام 2021.