تفتح الزيارة التي قام بها وزير خارجية الصين وانغ يي إلى دمشق، والتي حظيت باهتمام سياسي وإعلامي كبير، الباب واسعاً لجملة من التساؤلات حول دلالاتها. ووفقاً لأغلب الترجيحات فإن الزيارة تؤشر إلى تعزيز نفوذ بكين في سوريا، لتنضم بذلك إلى حليفتي بشار الأسد (روسيا وإيران).
وأول ما يمكن ملاحظته في هذه الخطوة الصينية "المتقدمة"، أن بكين تخلت عن حذرها في سوريا الذي واظبت عليه منذ دخول البلاد في حالة عدم الاستقرار، قبل عقد من الزمن.
صحيح أن موقف الصين كان مكملاً وداعماً للموقف الروسي بما يخص الملف السوري خصوصاً في مجلس الأمن وباقي المحافل الدولية، لكنها المرة الأولى التي ترسل فيها الصين مسؤولاً على مستوى وزير خارجية، منذ بداية الأزمة السورية.
وبعد اجتماعه مع الأسد في دمشق السبت، قال الوزير الصيني إن بلاده تعارض أي محاولة للسعي لتغيير النظام في سوريا وستعزز التعاون متبادل المنفعة مع سوريا، وأكدت وكالة النظام (سانا) أن الجانبين وقعا اتفاقية تعاون اقتصادي وفني، إلى جانب وثيقة شهادة تسليم الدفعة الأولى من مساعدات غذائية، كاشفة عن تحضيرات بين الطرفين، لعقد اجتماع قريب للجنة المشتركة الصينية- السورية.
من جهتها، ذكرت وكالة "شينخوا" الصينية أن الصين طرحت مقترحاً من أربع نقاط لحل القضية السورية، الأولى احترام السيادة الوطنية ووحدة الأراضي السورية، والثانية وضع رفاهية الشعب السوري في المقام الأول وتعجيل عملية إعادة الإعمار، فيما تشكل مكافحة "الإرهاب" النقطة الثالثة، وتنص النقطة الأخيرة على دعم حل سياسي شامل وتصالحي للقضية السورية بقيادة السوريين.
وعن دلالات الزيارة، يرى أستاذ العلاقات السياسية والدولية بجامعة باريس خطار أبو دياب أن زيارة وانغ من حيث توقيتها المتزامن مع أداء بشار الأسد لليمين الدستورية لولاية رئاسية رابعة، توحي بوضع الصين مع روسيا وإيران في درجة واحدة لجهة دعم النظام السوري.
ويضيف ل"المدن"، أنه وإن كانت مواقف الصين واضحة لجهة دعم النظام السوري، فإن الزيارة عكست اهتماماً صينياً مفاجئاً، بحيث لم تتحمس الصين للتورط في سوريا رغم عرض النظام عليها إرسال قوات خاصة لملاحقة قوات الحزب الإسلامي التركستاني (الإيغور) في سوريا، ورغم دعوات روسيا لها للمشاركة في إعادة إعمار سوريا.
والحال كذلك، يفسر أبو دياب الاهتمام الصيني المفاجئ بسوريا، بزيادة منسوب التوتر مع الولايات المتحدة، ويقول: "حمل التوتر المتزايد بين واشنطن وبكين، الأخيرة على زيادة الدعم لموسكو، تجنباً لترتيبات روسية-أميركية في المنطقة ظهرت مؤشراتها البطيئة في الاتفاق على تمديد آلية المساعدات العابرة للحدود لسوريا".
ومن بين التفسيرات الأخرى لاهتمام الصين بالملف السوري، موقع سوريا الذي يمر منها مشروع الصين (طريق الحرير)، طبقاً لأبو دياب، الذي يوضح أن "سوريا تبقى نقطة مركزية في الإقليم، وتهتم الصين بعدم تقدم الولايات المتحدة في سوريا، على حساب تنسيقها مع روسيا".
ويشير أبو دياب إلى أن الزيارة كذلك تحمل دعماً صينياً لروسيا الوصية الأولى على النظام، في ما يخص التجاذب بين موسكو وطهران على الاستحواذ على الخيرات السورية.
لكن للباحث في "مركز الحوار السوري" محمد سالم رأياً مختلفاً يشرحه ل"المدن" قائلاً: "قبل شهور وقعت إيران والصين اتفاقية شراكة استراتيجية، ومن غير المستبعد أن تتوسع مفاعيل الشراكة الإيرانية-الصينية لتشمل النظام السوري".
كذلك، ربط سالم زيارة وزير الخارجية الصيني لدمشق، بقيام الولايات المتحدة في وقت سابق بإزالة الحزب الإسلامي التركستاني من قائمة الإرهاب، وهو الأمر الذي تتخوف منه الصين أمنياً، ويقول: "لدى الولايات المتحدة توجه انسحابي من المنطقة، من أفغانستان وغيرها، وإن تم ذلك قد يؤدي إلى فراغ في المنطقة، والصين تتحضر لملء الفراغ، من خلال الاتفاق مع إيران، وسوريا بطبيعة الحال على اعتبارها تابعة لطهران".
ويتفق مع سالم، الكاتب والمحلل السياسي عمار جلو الذي أدرج زيارة وانغ في إطار استكمال التحركات الصينية في دول المنطقة ومنها السعودية والامارات وتركيا وإيران.
ويقول ل"المدن"، إن "الصين تتحضر لزيادة نفوذها في المنطقة بعد انحسار النفوذ الأميركي، بحيث تعتمد الصين على مبدأ الفوائد الاقتصادية للجانبين من دون التدخل بالشؤون المحلية وهو ما يجعلها أكثر قبولاً من أميركا التي تحاول فرض شروطها التي تناسب نظامها السياسي".
وبما يخص سوريا، يشير جلو إلى محافظة الصين على توازن معقد مع جميع الأطراف المتدخلة في الصراع السوري، "دعمت الصين النظام باستخدام الفيتو من دون أن تتطابق مع الموقف الروسي أو تتصادم مع الموقف الغربي، وتسعى من خلال سياسة علاقة مفتوحة مع جميع الفرقاء إلى تعزيز شراكتها الاقتصادية".
ومن غير الواضح لجلو ما هي المكاسب التي ستحصل عليها الصين في سوريا، لكن المؤكد من وجهة نظره أن بكين تتطلع إلى الحصول على عقد لإنشاء ميناء خاص بها على الساحل السوري، خدمة لمشروعها الهادف إلى التحكم بطرق الملاحة الدولية.
ما ترنو إليه الصين في سوريا خدمة لمشروعها العملاق المسمى "الحزام والطريق" قد يتضح في الأشهر القليلة القادمة، عندما تعلن عن مشاريع إعمار، بعد اجتماع اللجنة المشتركة الصينية-السورية قريباً.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها