في خضم المأساة الوبائية غير المسبوقة عالمياً، راحت قراءات إسرائيلية تتحدث عن ميزتين لكورونا؛ الأولى انخفاض نسبة تلوث البيئة والمياه.. وأما الثانية تمثلت بانخفاض منسوب التصعيد في الحدود الشمالية وسوريا.
الواقع، أن وباء كورونا بدا وكأنه كبح جُماح غارات إسرائيل في سوريا ومعها التوتر العسكري بمنطقة الحدود الشمالية، مع إنشغال تل أبيب بمنع تفشي الفيروس، و بدرجة أكبر "عدوّها" إيران التي تتعرض في هذه الأثناء لانتكاسة شديدة باعتبارها الأكثر تضرراً من الفيروس مقارنة مع دول المنطقة.
لكنّ السؤال الأبرز في السياق هو: ما دامت اسرائيل تنفذ غاراتها بحجة منع التموضع الإيراني في سوريا، وإحباط محاولات نقل أسلحة إيرانية.. فهل توقفت الغارات نتيجة تلاشي عمليات نقل الأسلحة أو أن الأخيرة تتمُّ بينما تمتنع إسرائيل عن فعل شيء لسبب بات أكثر الحاحاً؟
مصدر دبلوماسي روسي يقيم في رام الله يقول ل"المدن"، إن سبب توقف الغارات الإسرائيلية في سوريا لا يقتصر فقط على انشغال دول المنطقة ب"كارثة كورونا" وإنما أيضاً نتيجة فرض الوباء لأول مرة وقفاً لحركة الطيران بين إيران ودول المنطقة مثل سوريا ولبنان والعراق.. وما دامت حركة الطيران هذه توقفت، فإن مبرر الدولة العبرية لقصف هدف إيراني داخل سوريا بحجة إحباط محاولة لنقل السلاح، قد زال.
ويضيف المصدر المطلع أن عناصر "فيلق القدس" الإيراني باتوا غير مرغوب بهم في دول المنطقة وخاصة سوريا ولبنان؛ خشية نقلهم لعدوى فيروس كورونا.
بيدَ أن هذا المصدر يطرح أيضاً الاتفاق التركي-الروسي في إدلب كعامل مساعد ساهم في تغييب العمليات الإسرائيلية في سوريا بالآونة الاخيرة، من باب أنه كلما تفاهمت موسكو مع لاعب مؤثر، تفرّغت لآخر.
بكل الأحوال، تبدو روسيا -كعادتها- ليست عاملاً حاسِماً في لجم الغارات الإسرائيلية؛ ذلك أنّه لم تغير الجهات المعنية موقفها سياسياً بشأن التصعيد. لكن التطورات الناجمة عن انشغال الدول بكورونا أدى إلى نوع من "الهُدنة" فرضتها ديناميكية وقائع الفيروس اقليمياً وعالمياً؛ ما خلق حالةً من امتناع اللاعبين في سوريا والمنطقة عن القيام بأنشطة عملياتية تؤدي إلى التصعيد الآن.
عامل آخر أدى لخفض التصعيد بين إسرائيل من جهة وإيران ومجموعاتها المسلحة من جهة اخرى، يرتبط بأمر داخلي بالدولة العبرية. وبالطبع ليس بعيداً عن كورونا، حيث تكمن "التحديات" التي تواجه الجيش الإسرائيلي في الوضع الحالي.. فأولاً، على هذا الجيش المحافظة على جهوزية وصحة جنوده، بصورة تسمح بتقديم رد على "المخاطر" الأمنية. وثانياً مطلوب منه المساهمة في مساعدة "الجهاز المدني" لإسرائيل في هذه الأزمة المستمرة لضمان الأهلية والدفع قدماً بعملية "بناء القوة" في الأوضاع الجديدة.
الحال، أن الطلب من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية المشاركة في "المعركة المدنية" ضد تفشّي كورونا تفرضه السمات الخاصة بإسرائيل وبقائها أصلاً. مع ذلك، برز في النقاش الدائر لدى دوائر إستراتيجية للدولة العبرية أيضاً رأي يعتقدُ أن هذه الخطوة يمكن أن تكون خاطئة بسبب المدة الزمنية غير المعروفة لاستمرار الفيروس، والتي سيجرى خلالها تحويل اهتمام التنظيمات العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي عن مهماتها الأساسية.
يبدو أن المطلوب في هذا الشأن "توازن معقد"، يأخذ في الاعتبار حاجة تنظيمات الأمن الإسرائيلي إلى المحافظة على جهوزيتها الأساسية خلال تفشّي الفيروس الذي يهدد إسرائيل وجودياً، وفق ما قاله معهد "الأمن القومي" في تل أبيب.
بالمحصلة، تتجه عين كل من إسرائيل وإيران هذه المرة إلى الخلاص من أزمة كورونا وبأقل الأضرار، ضمن مبدأ "يوجد ما يكفي من مآسي كورونا لوقف مآسٍ أخرى. كورونا خطر فتاك و يستنفذ طاقات المنطقة بما فيها العناصر العسكرية سواء في إسرائيل او سوريا او لبنان أو العراق..".
فإيران تمتنع في هذه المرحلة عن "استفزاز إسرائيل"- على حد تعبير الدوائر الأمنية في تل أبيب- لأسباب داخلية وذاتية تضمن المحافظة على مصالحها والانشغال بتداعيات كورونا.
ووفق تقديرات إسرائيل، عندما يخرج العالم والإقليم من أزمة كورونا، ربما نعود لمربع التصعيد العسكري بالمنطقة، لكن لا أحد يعرف متى وكيف يمكن العودة للأساليب التصعيدية المعهودة.. بهذه المرحلة، من السابق لأوانه التكهن بالتطورات المستقبلية.
ولعلّ ثمة جملة عبرت عنها قراءات معهد "الأمن القومي" الإسرائيلي تثير التساؤلات سالفة الذكر، وهي "ربما نفيق على عالم جديد بالشرق الأوسط كنتيجة للوباء. قد تكون مفاجأة".
بالرغم من العوامل الذاتية لدى إسرائيل وإيران التي تكبح مواجهة "بين الحروب" في سوريا، إلّا أن متخصصين بالشأن الإسرائيلي يتفقون في قراءتهم ل"المدن"، على أن توجيه ضربة إسرائيلية لهدف ما في سوريا بأي لحظة هو أمر قائم.. لا سيما وأن سياسة إسرائيل القاضية بمنع التموضع الإيراني لم تتغير.
وقد يعزز تقرير "مراقب الدولة" السابق الذي اتهم الحكومة الإسرائيلية بالقصور في منع انهيار القطاع الصحي، فرضية لجوء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لعمل عسكري ما في المنطقة للتغطية على تحميله مسؤولية أي سيناريو قد يؤدي إلى إصابة مليون إسرائيلي ووفاة عشرة آلاف آخرين بسبب الفيروس، وكذلك كمحاولة منه لمنع خسارة الكنيست وربما الحكومة.
لكنّ المختص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد يستبعد في حديثه ل"المدن"، أن يُقدم نتنياهو على معركة إقليمية لأسباب خاصة، لأنه مستفيد سياسياً من أزمة كورونا ويوظفها لصالحه بطريقة "ذكية" حتى الآن مع خصومه في إسرائيل.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها