ترتكب دوائر النفوس التابعة لوزارة الداخلية السورية "أخطاء" يومية جسيمة بحق الكثير من السوريين، فترقن سجلات أحياء وتعتبرهم موتى، أو العكس، بسبب عشوائية العمل واعتمادها في جمع البيانات وتحديثها على ذاتيات المؤسسة العسكرية التي تعمل بشكل عمومي، وكذلك عبر المعلومات التي تصلها عبر عملاء الداخلية.
منذر، 27 عاماً من مدينة دمشق، مستقر في تركيا، قال لـ"المدن"، إن ذويه راجعوا دائرة النفوس الرئيسية في دمشق بالقرب من وزارة الداخلية، خلال الأسبوع الماضي، للحصول على بيان عائلي، فوجدوه متوفى في السجل، مع تحديد تاريخ وفاته. لا، بل طلب منهم الموظف استكمال معاملة الوفاة، وتسليم الثبوتيات المتعلقة بمنذر، كهويته الشخصية، ودفتر الخدمة الإلزامية.
وتاريخ وفاته في البيان العائلي يعود للفترة عندما كان منذر متواجداً في دمشق، حين كان يمر على حواجز النظام، بشكل طبيعي من دون أي مضايقات.
وأشار منذر إلى أنه خلال العام 2016 تعرض للخطف من قبل مليشيا مسلحة تابعة للنظام على أطراف حي جوبر، وبقي موقوفاً لديها لأيام، قبل أن تعود وتفرج عنه وتسلمه وثائقه التي كانت بحوزته.
منذر رجح ان يكون سبب توفيته هو وشاية أحد عملاء "أمن الدولة" للداخلية بتصفيته. إذ أنه توارى بعد تلك الحادثة عن الأنظار، وغادر البلاد من دون أن يخبر أحداً سوى والديه.
مراد، 30 عاماً من مدينة حلب، مجند منشق عن الخدمة العسكرية ويعيش في تركيا، قال لـ"المدن"، ان والده راجع دائرة النفوس في حلب بهدف انجاز معاملة تخصه، فأخبره الموظف أنه "مراد" قد توفي منذ أعوام، ودُفِنَ في مقبرة جماعية تابعة لقوات النظام من دون تحديد مكانها. ورفض الموظف تسليم والد مراد بيان وفاة، قبل أن يبدأ إنجاز معاملة الوفاة بشكل قانوني.
وأضاف مراد، إنه تمكن من الهروب من ثكنته العسكرية وسط سوريا، قبل أربعة أعوام، ليغادر بعدها باتجاه الأراضي التركية. وبعد ذلك بقليل تعرض الثكنة لهجوم من قبل المعارضة، وسقط على أثرها عدد من القتلى.
ولذا، فقد رجح مراد، ان يكون سبب توفيته في سجلات النفوس بسبب بلاغ وارد من قطعته العسكرية بعد الهجوم.
وليد، 35 عاماً من مدينة الحسكة، قال لـ"المدن"، إن ذويه لم يتمكنوا من انجاز معاملة متعلقة به في دائرة النفوس في الحسكة، لأن سجله يقول إنه متوفي، وقد دُفِنَ في مقبرة جماعية غربي العاصمة دمشق.
وتمكن والد وليد، عبر محامي بارز، من تعديل وضع ابنه بعد دفع مبلغ كبير، ومراجعة أغلب الفروع الأمنية، لكتابة تقرير بخط اليد يشرح به حالة وليد، ويقدم شهادته لرؤوساء الفروع عن مكان إقامته الحالي، والحالة التي خرج بها من البلد، وآلية وصوله الى الحسكة بعد مغادرته للخدمة العسكرية.
وأشار وليد، إلى ان تاريخ وفاته الوارد ضمن سجلات النفوس، يعود الى الفترة التي كان يخدم فيها ضمن قوات النظام، في مدينة خان الشيح غربي دمشق، حيث تعرض مقرهم لهجوم من فصائل المعارضة وأسفر الهجوم عن مقتل بعض عناصر الحاجز، وهروب آخرين وهو منهم.
وكانت "المدن" قد وثقت نهاية عام 2018، قوائم صادرة عن شعب التجنيد، بغرض الالتحاق بالخدمتين العسكرية والمدنية، وضمّت أسماء العشرات من أبناء ريف دمشق الغربي، وبينهم شبان هجروا قسراً عن مدنهم، ومنهم من قضوا خلال السنوات الماضية. وشعب التجنيد تزود باللوائح من قبل وزارة الداخلية ودوائر النفوس التابعة لها.
مصدر حقوقي مطلع، قال لـ"المدن"، إن شاباً تعرض أثناء مظاهرة في حي الميدان الدمشقي إلى إصابة خطيرة، نقل على أثرها الى "مشفى المواساة"، ولم يتمكن ذووه حينها من إشهار هويته خوفاً من ان يكون ملاحقاً أمنياً، فاضطروا لإشهار هوية أحد اقربائه.
وتوفي الشاب بعد أيام في المشفى الذي أرسل تقرير وفاة للداخلية بإسم المذكور في الهوية، رغم محاولة أهل الشاب المتوفي تدارك الموضوع وتصحيحه، إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك خوفاً من الملاحقة والتحقيق.
والشخص الذي تمت استعارة هويته، يعيش حالياً في دولة خليجية ويستخدم هوية قريبه المتوفي، حتى أنه تزوج وأنجب أطفالاً قُيّدوا على سجل المتوفي.
وأضاف مصدر "المدن"، أن دوائر النفوس لا تقوم من تلقاء نفسها بتوفية الشخص، بل تبدأ بهذه المعاملة بعد حصولها على محضر وفاة يبين أين ومتى وكيف حصلت الحادثة، صادر عن وزارة الداخلية، ومصدق من مديرية الصحة. لتقوم بعدها دوائر النفوس بتحديد حالة الشخص كمتوفي، وعادةً يتم اصدار بيان وفاة ويسلم لذوي المتوفي، كما حصل مع مئات المعتقلين الذين قُتلوا في سجون النظام. وفي بعض الحالات تتحفظ النفوس على بيان الوفاة، فلا تظهر حالة الوفاة إلا مع استصدار بيانات عائلية بالمصادفة.
وأشار مصدر "المدن"، انه في الحالات المتعلقة بالقطعات العسكرية، فان الآلية التي تتم فيها توفية العساكر تكون عشوائية جداً. وبعد أي هجوم تتعرض له مواقع النظام، يقوم الضابط المسؤول عن القطعة بجرد العناصر الموجودين، واستبعادهم، ومن ثم يرفع محضراً للشرطة العسكرية بالأشخاص غير الموجودين، على انهم قتلى. وتقوم الشرطة العسكرية بعدها بإرسال تقريرها للداخلية، ومن ثم يتم تعميمه على دوائر النفوس.
وأشار مصدر "المدن"، إلى ان الأخطاء التي تحصل اثناء الدعوات للخدمة العسكرية، من خلال اصدار لوائح تضم أسماء متوفين ومُهجّرين قسرياً، أو إحالة بعض المتوفين للمحاكمة بشكل غيابي، سببها أخطاء السجل المدني في دوائر النفوس، والعشوائية والتعميم في عمله.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها