لم يكن الانفجار الذي وقع في مبنى "الأمن القومي" صباح 18 تموز 2012، قوياً لدرجة سماعه في أحياء دمشق. حي الميدان كان حينها يشتعل بالمعارك، مع دخول "لواء شهداء دوما" إليه وفرض سيطرته على أجزاء منه، واندلاع اشتباكات على معظم جبهات ريف دمشق.
وبعد مرور سبعة أعوام على التفجير، ما زال الغموض محيطاً به، رغم اتضاح نتائجه. فالتفجير لم يكن أقل من لحظة تأسيسية في إعادة تشكيل النظام وتحالفاته، بل كان استباقاً لمحاولة انقلاب على الأسد، بحسب مصادر "المدن" الأمنية.
من غاب عن الاجتماع؟
في الانفجار قُتل 4 أعمدة للنظام، كانوا يحضرون اجتماعاً دورياً لـ"خلية الأزمة"، التي جرى تشكيلها بُعيد اندلاع الثورة السورية. إذ قُتلَ نائب وزير الدفاع العماد آصف شوكت، ووزير الدفاع العماد داود عبدالله راجحة نائب قائد القوات المسلحة السورية، ورئيس "مكتب الأمن القومي" حينها اللواء هشام بختيار، ورئيس "خلية الأزمة" العماد حسن تركماني، فضلاً عن إصابة وزير الداخلية اللواء محمد الشعار.
وغابت عن الاجتماع شخصيات كان من المفترض حضورها، كاللواء علي مملوك، الذي كان يشغل منصب "إدارة أمن الدولة" حينها، واللواء جميل الحسن الذي كان يشغل منصب رئيس "الاستخبارات الجوية"، واللواء عبدالفتاح قدسية رئيس "شعبة المخابرات العسكرية" آنذاك. هؤلاء كانوا أعضاء أصلاء في "خلية الأزمة"، وغُيّبوا بشكل مُتعمد عن الاجتماع، بحسب مصادر "المدن". جميع المتغيبين، حلّوا بدل القتلى في مراكزهم.
مصدر أمني رفيع المستوى، كشف لـ"المدن"، أن تفجير "خلية الأزمة" كان الحدث الأبرز الذي غيّر مسار الثورة السورية، لتصبح من بعدها حرباً مفتوحة شنها النظام على المدن والبلدات الثائرة، استُخدمت فيها الطائرات والدبابات وبدأ اجتياح المدن والتهجير. وبعد التفجير تدخلت القوات الإيرانية بشكل مُباشر، وأيضاً عبر مليشياتها العراقية واللبنانية.
محاولة انقلاب فاشلة؟
مصادر "المدن" أشارت إلى أنه وقبل أسبوع من الاجتماع، جرت تغييرات في الحراسة المُخصصة لمبنى "الأمن القومي"، بذريعة أن فصائل المعارضة تمكنت حينها من تنفيذ عمليات في عمق العاصمة دمشق. تغيير الحراسة استهدف تعطيل شبكة المتعاونين مع الضباط القتلى ضمن مبنى "الأمن القومي"، لمنع تنبيههم لما يُحضّرُ لهم.
مصادر أمنية أشار إلى أن: "الشخصيات التي قُتلت في الاجتماع، كانت على تنسيق مع بعض الدول، للإطاحة بالأسد، وإيقاف شلال الدم في سوريا، ولتشكيل حكومة انتقالية وإن لم تكن لتُغيّر كثيراً في نظام الحكم في سوريا، لكنها ستكون مرضية لأغلب الأطراف".
المصدر لا يجيب على أسئلة أكثر تعقيداً؛ هل القتلى أقل وحشية من الذين خلفوهم في مراكزهم؟ وهل نصدق أن ضابطاً كهشام بختيار، الذي كان يستمتع بتعذيب معتقلي الثمانينيات السياسيين، قد تغيّر وبات يريد وقف شلال الدم؟ أليس آصف شوكت ابن النظام وزوج ابنة حافظ الأسد؟ أم أن دوافع أخرى قد تكون خلف التخطيط للانقلاب؟
يكشف المصدر عن تواصل مكثف جرى بين تلك الشخصيات واستخبارات دول أبرزها إسرائيل ومصر والسعودية وروسيا، لعزل الأسد، وأن المرشح لتسلم زمام الأمور بعد الانقلاب، كان اللواء هشام بختيار. كما أن القتلى كانوا على تنسيق مع رجال أعمال بارزين في سوريا، وضباط كبار في الجيش، ووزراء في الحكومة، من غير الراضين عن طريقة "إدارة الأزمة" في سوريا.
تفجير "الأمن القومي"، بحسب المصدر، كان بأمر من بشار الأسد، وشقيقه ماهر الذي كان حينها يقود كتيبة في "الفرقة الرابعة"، وتعمل بشكل مكثف على قمع التظاهرات في معظم المدن السورية. إذ جاء التفجير للتخلص من أولئك "المتآمرين"، قبيل وصولهم لمرادهم، والانقلاب على عائلة الأسد.
"لواء شهداء دوما"
قبل يوم من التفجير، دخلت عشرات السيارات المُحملة بالمقاتلين والسلاح والذخائر، من مدينة دوما شرقي دمشق إلى حي الميدان، الذي كان حينها يشهد توسع رقعة الاحتجاجات الشعبية، وأهم حي دمشقي معارض. وأعلن "لواء شهداء دوما" حينها، السيطرة على أجزاء من حي الميدان، ضمن معركة اُطلق عليها اسم "بركان دمشق".
دخول قائد "لواء شهداء دوما" أبو علي خبية، إلى حي الميدان يومها، لم يكن مجرد صدفة. فالقوات التي يقودها خبية، وعلى افتراض تحرك مماثل من جميع الفصائل المعارضة، لم تكن قادرة على السيطرة على دمشق، من دون تنسيق مع كبار ضباط النظام، الذين جرى اغتيالهم، بحسب مصادر "المدن".
تسهيل دخول المعارضة إلى حي الميدان، وفتح جبهات الغوطة الشرقية، وقطع اتوستراد دمشق-درعا، تمهيداً لحدوث انفلات أمني في مدينة دمشق، ومن بعدها الإطاحة بالأسد، وإعلان بيان انقلاب عسكري، كان جزءاً من مخطط ضباط "خلية الأزمة" القتلى.
ومع مقتلهم، انقطع التواصل بين الوسطاء و"لواء شهداء دوما" الذي كانت قياداته تحسب أن دخول دمشق تم بإرادة الجيش الحر فقط. بعد ذلك، دفع النظام بقوات كبيرة تسببت بانسحاب "شهداء دوما"، باتجاه أحياء دمشق الجنوبية، ومنها إلى الغوطة الشرقية عن طريق المطار الدولي. وبدأت بعد ذلك معارك الغوطة، التي أعلن النظام أنها منطقة عسكرية استمرت فيها المعارك حتى صيف 2018.
لم يكتفِ بشار الأسد، باغتيال خلية الأزمة، لمنع الانقلاب ضده، بل شنّت "استخبارات القصر الرئاسي" حينها حملة تصفيات واعتقالات طالت أكثر من 40 شخصية بين الجيش والمخابرات، كانت على تنسيق مع الأشخاص الذين جرى اغتيالهم. وجرى كل ذلك، بحسب مصدر "المدن"، بصمت وحذر، بالاستفادة من الانفلات الأمني والتفجيرات التي بدأت تضرب دمشق في ذلك الوقت.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها