يتسابق الجانبان الإيراني والروسي على إحداث تغييرات أمنية وعسكرية في قيادة النظام السوري، في ما يشبه تقاسماً لمراكز النفوذ فيه. وتسارعت هذه العملية مؤخراً، بحيث باتت أجهزة أمنية وقطع عسكرية تابعة بالكامل لأحد الحليفين.
ومع انتهاء الجانب الروسي من إحكام سيطرته على قيادة أركان قوات النظام والحكومة، وتحويله "شعبة المخابرات العامة/إدارة أمن الدولة" ذراعاً أمنياً واستخباراتياً روسياً في سوريا، انهمك الروس مؤخراً باحداث تغييرات جوهرية طالت مواقع قيادية عسكرية وأمنية لدى النظام. وأحال الروس مئات الضباط إلى التحقيق العسكري بتهم متعددة؛ من سوء استخدام السلطة إلى التعاون مع "المجموعات الإرهابية المسلحة"، مروراً بالتخابر .
مصدر قضائي مطلع، قال لـ"المدن"، إنه تمّ احداث أقسام خاصة لمُعتقلي "الجيش السوري والفروع الأمنية" من ضباط وصف ضباط، في سجني عدرا وصيدنايا. وأشار المصدر إلى أن أولئك الضباط والعناصر أحيلوا للتحقيق على خلفية تورطهم بقضايا مختلفة "تمس الأمن القومي".
ولم يكتفِ الروس بإحالة مئات الضباط إلى التحقيق، بل أجروا تغييرات عديدة على مستوى قيادة الثكنات العسكرية التي لا سيطرة للإيرانيين عليها. وفضلاً عن ذلك، بدأ الروس بخطة فعلية منذ العام 2016 لحل المليشيات الموالية للنظام على امتداد سوريا، أو جعلها تتبع لهم بشكل مُباشر، كما حصل مع "لواء القدس الفلسطيني".
وخلافاً للترفيعات الروتينية، السنوية ونصف السنوية، كما جرت العادة في السنوات الماضية، أجرت قيادة النظام تغييرات أمنية وعسكرية ضمن بعض الأجهزة الأمنية. وأهم تلك القرارات إحالة قائد "شعبة الاستخبارات العسكرية" اللواء محمد محلّا، للتقاعد، بعد تمديد سابق له، وتعيينه مستشاراً أمنياً في القصر الجمهوري. مصادر "المدن" رجّحت أن يكون لمحلّا دور في "جهاز الأمن الوطني" في وقت لاحق من هذا العام.
وتسري أخبار في أروقة النظام، بحسب مصادر "المدن"، أن زيارة رئيس الأركان الإيراني محمد باقري، لدمشق في 17-18 أذار/مارس، كان لها دور في إحالة محلا للتقاعد، وجعله مستشاراً أمنياً لبشار الأسد، كي يبقى لإيران ورقة ضاغطة في "القصر الجمهوري".
وعُيّنَ اللواء كفاح ملحم، نائب محمد محلاً، بدلاً عنه في رئاسة "شعبة الاستخبارات العسكرية". وملحم هو من مواليد طرطوس، سبق وتسلّم مناصب متعددة، وكان له دور في تصفية عشرات المُعتقلين في فرع "التحقيق العسكري 248" في دمشق. ويعتبر الملحم، وبالتالي "شعبة الأمن العسكري"، من الدائرين في فلك الهيمنة الإيرانية.
وتزامن تغيير رئيس "شعبة الأمن العسكري" مع إجراء عشرات التغييرات في الفروع التابعة للشعبة، كان للروس دور في بعضها، والباقي للإيرانيين.
مصادر خاصة، أكدت لـ"المدن"، أن قرارات عديدة، من بينها تعيين رئيس جهاز "الأمن الوطني" اللواء علي مملوك، نائباً لرئيس الجمهورية، وُضعت على طاولة النقاش خلال الأسابيع الماضية.
وتختلف حجج الحليفين؛ الروسي والإيراني، لتبرير الرغبة في التغيير وإجراء التناقلات. الروس يقولون علناً في الاجتماعات الداخلية، بحسب مصادر "المدن"، إنه لا بد من تفكيك المنظومة الطائفية للجيش السوري والأجهزة الأمنية، وأن تُصبح الأجهزة الأمنية والمراكز الحساسة في الجيش ذات تنوع طائفي ومناطقي. وعلى عكس الروس، فإن ما يركز عليه الإيرانيون، هو الحصول على "مفاتيح"، غالباً من الطائفة العلوية، تسمح لهم بالتمدد العسكري والاقتصادي في سوريا.
وعلى أرض الواقع، يعمل الروس والإيرانيون للتغلغل أكثر في مواقع ومراكز القوى السورية، ولو على حساب بعضهما البعض. وبدأت إيران بمسألة التغيير في الآونة الأخيرة، بعدما شعرت بخطورة التغييرات التي يُجريها الروس لاحكام سيطرتهم على مفاصل "الدولة".
وطالت التغييرات "شعبة المخابرات الجوية"، التي لا يزال على رأسها رسمياً اللواء جميل حسن، رغم غيابه عن مكتبه منذ أكثر من شهرين، نتيجة تعرضه لوعكات صحيّة مُتتالية، نُقل على اثرها أكثر من 3 مرات إلى مشافي تابعة لـ"حزب الله" في لبنان.
التغييرات في صفوف "المخابرات الجوية"، لصالح الإيرانيين، طالت عشرات الضباط بين فروع ومفارز أمنية، وجرت تناقلات بين فروع دمشق وحلب والساحل، وطالت ضباطاً وصف ضباط في الإدارة المركزية بدمشق، جرى نقلهم إلى فروع في مُحافظات أخرى، وإحالة البعض إلى التحقيق بحجة "الفساد".
وزارة الداخلية لم تبقَ بعيدة عن عمليات إعادة الفرز والتشكيل، إذ أصدر وزير الداخلية الجديد اللواء محمد رحمون، فور تسليمه لمنصبه، أمراً بإجراء أكثر من 50 مناقلة على مستوى الوزارة. وشملت التغييرات والترفيعات أكثر من 70 ضابطاً برتب عميد ولواء ومقدم، ليقلب الطاولة على ضباط الداخلية، ويؤسس شيئاً أشبه بوزارة جديدة، لا علاقة لها بالمافيا السابقة التابعة للوزير السابق اللواء محمد الشعار.
وشملت تغييرات الداخلية نقل ضباط برتب عالية إلى مراكز جديدة، كقيادة الشرطة في المحافظات، فضلاً عن تسريح بعضهم وتحويلهم إلى التحقيق، وإجراء مناقلات طالت أقسام الشرطة وقيادة وحدات حفظ النظام ووصلت إلى إدارة الهجرة والجوازات في دمشق وفروعها في المحافظات الأخرى.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها