اختتمت فعاليات "المؤتمر المسيحي العربي الأول"، السبت، في فندق الميريديان في العاصمة الفرنسية باريس، بحضور 100 شخصية ثقافية واجتماعية وسياسية وإعلامية من مختلف الدول العربية.
وعُقد المؤتمر لمعالجة "القلق الوجودي" لدى المسيحيين العرب، مؤكداً مشروعيته بعد استهدافهم لكونهم مسيحيين، ولأنهم أقلية دينية في بلدانهم، على يد مجموعات متطرفة ادعت الإسلام. وأكد المؤتمر أن العنف طال جميع الأقليات، وهدد وجود الدولة الوطنية في سوريا والعراق، ودفع بعض المسيحيين للمناداة بحملات أجنبية، والدعوة لتحالف الأقليات الدينية لمواجهة الأكثرية العربية السنية.
وناقش المؤتمرون في جلسة عامة وثلاث جلسات متخصصة إشكاليات الوجود المسيحي في المنطقة العربية، والتي تجسدت بثلاث مشكلات؛ العنف والتطرف والإرهاب، على خلفية عداوات فئوية متبادلة، وبخاصة ما كان منها محمولاً على عقائديات مؤدلجة ومسيسة أو محمولاً على نزعات سلطوية افتراسية في مواقع الدولة. ورواحت خيارات المسيحيين في المنطقة بين أطروحتين؛ الانطواء على الذات الطائفية، وتحصينها بتحالف أقليات في المنطقة بوجه الأكثرية العربية السنية، بالإضافة إلى التماس حمايات خارجية، والثانية هي اندماج المسيحيين في بلدانهم وحمل قضاياها العادلة الجامعة بالشراكة المتكافلة المتضامنة مع مواطنيهم، بمعزل عن مفهوم أكثريات وأقليات عددية.
واستغرقت التحضيرات للمؤتمر أكثر من ستة أشهر، ولم يأتِ رداً عى "اللقاء المشرقي" الذي انعقد مؤخراً في بيروت. ويعتقد المجتمعون أن التحدي الحقيقي الماثل اليوم أمام المسيحيين في المنطقة العربية إنما يتلخص في الإجابة على "كيف نواصل العيش مع شركائنا في الحياة والمصير متساويين ومختلفين؟"، ومواجهة "تحالف أقليات بوجه أكثرية بدلاً من تحالف القيم الإنسانية الجامعة، أو التماس حمايات خارجية بدلاً من حماية بيئتنا الإنسانية ومناعتنا الذاتية أو إشهار هوية مشرقية بوجه الهوية العربية".
وقال السياسي السوري المعارض ميشيل كيلو، لـ"المدن": "دفعني للمشاركة في المؤتمر أهدافه ومعارضته لأي حلف للأقليات من الممكن أن تقوم في المنطقة في مواجهة الأغلبية ومعارضته لالتحاق المسيحيين بالنظم في ظل ثورة الحرية وضرورة التحاقهم كجماعة بشرية كبيرة ولها وجود تاريخي كبيرة في ثورة الحرية، فثورة الحرية لكل العرب وهي فرصة المسيحيين الأساسية للخلاص من مشكلة التمايزات الفئوية والطائفية، وما له علاقة بالولاءات الجزئية وليس لها علاقة بالولاء الوطني الكبير".
وأضاف: "هذه فرصتهم التاريخية الكبرى هم أرادوا البحث عن مكان يكونون فيه متساويين مثل الآخرين وأحرار مثل الآخرين وجاءت هذه الفرصة، الآن يقف جزء من الكنسية المسيحية في المشرق وبشكل خاص في سوريا مع النظام المجرم الذي قتل نحو مليون سوري. هذه جناية بحق الناس والمسيحية وجناية بحق المسيحيين أنفسهم". ودعا كيلو المسيحيين للانفكاك عن الكنيسة في حال استمرت على المسار نفسه، قائلاً: "أنا اعتقد أنه لن يبقَى هناك حل إلا أن ينفك عنها المسيحيون، وتبقى كنيسة المطارنة والبطاركة".
وأضاف: "هناك جزء كبير من المسيحيين لا يسمعون كلمة رجال الدين ولكن في ظل التخويف وفي ظل الجنون الإرهابي الذي خرجت به منظمات متأسلمة ومتعسكرة تم تخويفهم وهناك جزء منهم بدأوا يتحسبون لانتصار الثورة خشية أن يكون انتصاراً للإرهاب، وهنا أوجه لهم رسالة أنه إذا لم تنتصر الثورة باعتبارها ثورة حرية فنحن أول من سيكون معهم في مقاتلة الإرهاب، ونحن نقاتل اليوم الإرهاب الذي تسلل إلى صفوف الثورة ولم يخدم أحداً إلا نظام بشار الأسد، لا يجوز أن يخطئوا بتصنيف الثورة باعتبارها عملاً إرهابياً، الثورة عمل للحرية وكان لها عدوان لدودان لها أولهما النظام والثاني الإرهاب وهما مترابطان".
وتابع: "لا توجد أي غايات سياسية للمؤتمر والغاية الوحيدة هو رغبتنا أن نعبر عن واقعة أننا مع الثورة ننتمي إليها مع الشعب مع العرب مع أهلنا مع الناس، ننظم مؤتمرنا في فرنسا لأنها افضل مكان لذلك الاجتماع، ولا يوجد بلد عربي يقبل بتنظيم هكذا مؤتمر، وليس المهم أين تم عقده المهم أنه عقد ومهامه قريبة من هموم الناس، ولا ننسى أن المؤتمرات التي عقدت في باريس من أهم المؤتمرات التي قررت مصير العرب مثل المؤتمر العربي الأول 1913، وهذا هو مؤتمرنا الأول وليس الأخير، وسيترتب عليها نشاط وسنعمل ليكون مؤسسة وطنية وليست مسيحية".
مدير مبادرة الشرق الأوسط في واشنطن حسن منيمنة، أكد لـ"المدن"، "أن الثورة في لبنان والعراق تجاوزت الافق الذي رسمه هذا المؤتمر لنفسه، فهذا المؤتمر قائم على ضرورة التمحيص والنظر في الخيارات المتاحة امام المواطنين المسيحيين في المنطقة العربية ككل، في ما يتعلق بمكانتهم في مجتمعاتهم، ودورهم في المنطقة ككل، الخيارات إما السعي لتأكيد الوجود على أساس تحالف أقليات أو على أساس تحالف قيم، هناك مجموعات تدعو لتحالف أقليات، لكن الرأي المضاد هو القائل أن تحالف الأقليات ليس ضمانة للوجود المسيحي، إنما تنظيم انتهاء للوجود المسيحي، باعتبار تحالف الأقلية لا يضمن بقاء على المدى البعيد، بل يضمن فائض القوة الآنية". وفي ما يتعلق بالوضع في سوريا قال منيمنة: "للأسف الوضع في سوريا اليوم لا نستطيع أن نكون على القدر ذاته من التفاؤل الحذر منه كما في لبنان والعراق، لأن في تلك البلدان المطالبة بصيغة الدولة المواطنة متجاوزة للطوائف هي مطالبة من القاعدة الشعبية. في سوريا اليوم لا بد الإقرار أن صاحب القرار في سوريا ليس النظام على الإطلاق، بل أطراف خارجية فهناك جدل روسي تركي إيراني أميركي، مع اعتراضات اسرائيلية، ولكن القرار ليس بيد الثورة السورية على أمل أن يتبدل".
وعن مشاركته في المؤتمر، قال السياسي السوري جورج صبره، لـ"المدن": "شاركت في المؤتمر بصفتي سورياً أولاً ومسيحياً ثانياً، وهذا كان عنوان الكلمة التي ألقيتها وأنا معني في هذا المؤتمر من موقعي الوطني كسوري كي أحول دون استخدام المسيحيين في المنطقة كأداة لاستمرار التسلط والاستبداد والقمع فيها بحجة حماية الأقليات، أو بالتسلط الخارجي من قبل الجيوش المحتلة وعلى رأسها الروسي والإيراني وأيضاً تحت عنون حماية الأقليات، والأخطر من ذلك تلك النغمة الجديدة التي تجاوزت كل النغمات الاستعمارية البشعة السابقة التي يسمنوها تحالف الأقليات، ونحن المسيحيين يجب أن نقف ضد استخدامنا كدروع بشرية، وكنافذة تمتد منها يد الأجنبي والغاصبين والمستبدين إلى بلدنا".
وأكد صبره أن المؤتمر رغم أنه عنون على أنه للمسيحيين لكنه في الحقيقة مؤتمر وطني للوطنيين السوريين واللبنانيين والعراقيين والفلسطنيين والمصريين والدليل على ذلك مشاركة نخب من الإخوة المسلمين من هذه البلدان العربية. ورفض صبره القول إن الأوان قد فات بالنسبة لمسيحيي سوريا لكي ينضموا إلى ركب الثورة قائلاً: "يجب أن يبقى هناك أمل وأن لا نتخلى عن أي فرصة للعمل، وهمُ النظام أنه انتصر يجب أن لا يسوق ولا يجب أن يمر علينا على الأقل، فالدول كلها تعرف أنه لم يعد للنظام أي مرتكزات حقيقة في الداخل، الخشية الآن أن يستمر نزيف المسيحيين من بلدنا يتزاحمون اليوم أمام أبواب السفارات وانتشروا من استراليا إلى كندا، فواجبنا كنخب وطنية في هذه البلدان مسيحيين ومسلمين أن نعلن أن هذه البلاد هي بلاد المسيحيين كما هي بلاد المسلمين وأن هذه الثورات التي تشتعل في البلدان العربية هدفها إقامة دولة المواطنة التي تحمي الأكثريات والأقليات، ولا يعود هناك أي معنى للحديث عن الأقليات والأكثريات بل المعنى الحقيقي هو الحديث عن المواطنين في دولة المواطنة التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات".
وانتقد ناشطون هذا المؤتمر باعتباره "متاجرة باسم الأقليات"، وهو ما رد عليه صبره، بالقول: "المؤتمر ليس متاجرة باسم الأقليات على العكس نحن نريد أن نأخذ الأقليات من سوق المتاجرة الذي يقوم بها الرئيس بوتين والقساوسة الذين باركوا من حوله الحرب المقدسة في سوريا وكذلك بشار الأسد ونظامه وكهنة السلطان وأيضاً رجال الدين الذين وضعوا أنفسهم لصناعة فتاوى للسلطان، نحن نريد أن نأخذ المسيحيين منهم لأن المسيحية في هذا الشرق كانت على الدوام في خدمة الوطن والمواطن، لذا نحمّل مسؤولية كبرى لرجال الدين المسيحيين الذين يضعون أنفسهم والمؤسسات التي يديرونها في خدمة السلطات القاتلة".
وأكد السياسي اللبناني فارس سعيد، أن المؤتمر سيخرج بهيئة متابعة لأول مرة، هيئة ليست محلية بل عربية، تفكر وتناقش وتحلل الأوضاع وتقترح كيف يمكن الانتقال في العالم العربي إلى مرحلة نتلمس معالمهما. وكرر سعيد أن "خيارنا هو خيار الدولة المدنية التي تؤمن الحقوق للمواطن الفرد، وأيضاً تأخذ بالاعتبار الضمانات للجماعات الطائفية والعرقية الموجودة في النسيج الداخلي العربي، ونؤكد أننا لسنا للاستثمار، فقد استثمروا بالمسيحية في هذه المنطقة طويلاً، وهناك من قدم نفسه كحامٍ للمسيحيين ونحن نريد أن نقول أننا لسنا بحاجة لحماية أحد ولا نريد أن نكون أكياس رمل وما يجري في بيروت والعراق هو هذه الحيوية التي نريدها والتي نؤيدها كمسيحيين ومواطنين وعرب".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها