يسود ترقب حذر لمآلات الأوضاع الميدانية على جبهة غزة خلال الساعات أو الأيام المقبلة، وذلك بعدما انتهت حكاية الدفعة الثالثة من المنحة القطرية نتيجة مخاض عسير تسببت به إسرائيل جراء تأخير دخولها إلى القطاع، وذلك بأنْ قرّرت الدوحة أن يتحول المبلغ المقدر بعشرين مليون دولار، لصالح دعم مشاريع إنسانية بالتعاون مع الأمم المتحدة.
وعلى خلاف الدفعتين السابقتين، لن يذهب ذلك الجزء المخصص من الدفعة الثالثة لصالح رواتب موظفي "حماس" المدنيين، وذلك في أعقاب رفض الحركة استلامها رداً على ابتزاز الإحتلال وإخلاله بتفاهمات التهدئة. ويبدو أن الحلّ الوسط والعملي الذي ارتآه رئيس اللجنة القطرية لإعمار غزة السفير محمد العمادي، تمثل بإعلانه عن اتفاقية سيوقعها مع الأمم المتحدة لصرف اموال الدفعة المالية الثالثة؛ إذ تشمل مشاريع التشغيل مقابل المال ومساعدات الأسر الفقيرة ومشاريع لتحسين البنى التحتية.
واتهم العمادي في مؤتمر صحافي في غزة، البعض بمحاولة استغلال المنحة لتشويه شكل المساعدات بأنها جاءت على هيئة "الهدوء مقابل المال"، عدا عن استغلالها لأغراض انتخابية، في إشارة الى حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وبالرغم من الإرتياح الذي أبدته الأوساط السياسية المتشددة في إسرائيل من تحول أموال الدفعة القطرية الأخيرة لصالح مشاريع وليس لحماس مباشرة، إلا أن المؤسسة الأمنية غير راضية بما جرى، فهي عارضت أصلاً تأخير دخول هذه الأموال، وتعتقد أن المخاوف من تفجر الأمور باتت واردة اكثر وفي أي لحظة.
وفي السياق، نقلت القناة "الثالثة عشرة" العبرية عن مصدر سياسي إسرائيلي رفيع قوله، إن تل ابيب راضية عن تحويل الأموال القطرية لصالح المشاريع في غزة عبر الأمم المتحدة، مع ذلك ستبقى منصات القبة الحديدية بمكانها؛ تحسبا لحدوث تصعيد جديد مع غزة.
وبينما تحدثت أنباء عن أن رفض "حماس" لأموال الدفعة القطرية الثالثة جاء بسبب شروط الإحتلال الجديدة، قال مصدر سياسي مطلع لـ"المدن"، إن الأمر ليس بسبب شروط جديدة كما يُشاع وإنما يعود إلى رفض تل ابيب اشتراط "حماس" بتحديد موعد زمني ثابت لدخول هذه الأموال في الفترات القادمة وعدم الإخلال بالمواعيد. مع العلم أن هذه الأموال تم تأخيرها أكثر من مرة من قبل إسرائيل بحجة التصعيد على حدود غزة الشرقية في الأيام الأخيرة.
وفي السياق قال القيادي في "حماس" خليل الحية، إن رفض حركته للدفعة الثالثة من الأموال القطرية جاء بسبب سياسة الإحتلال ومحاولته ابتزاز المقاومة، مشدداً على أن الدور القطري متواصل في قطاع غزة للتخفيف من "معاناة شعبنا".
واعتبر الحية أن أصل الأزمة هو انصياع نتنياهو لبعض الأصوات اليمينية، موضحاً أنه أخّر وصول المنحة، رغبة في حصد مقاعد أكثر في انتخابات الكنيست القادمة.
وتؤكد مصادر مطلعة لـ"المدن"، أن بداية الحكاية كانت قضية داخلية إسرائيلية، إذ إن نتنياهو لم يرد أن يأخذ على عاتقه الشخصي قرار إدخال الأموال وذلك في ظل المزايدات الداخلية قبل انتخابات الكنيست المقررة في ابريل/نيسان المقبل، ما تسبب في تأخير الأموال. وخلال الإجتماع الأخير للمجلس الوزراي الإسرائيلي المصغر (الكابينيت)، فقد عبر الجيش والمخابرات عن معارضتهما لقرار التأخير.
ثم بعد ذلك سرّب نتنياهو للصحافة بأن المؤسسة الأمنية ضغطت عليه لتحويل الأموال. هذا الأمر تسبب بشعور "حماس" بالحرج الشديد أمام الرأي العام وأظهرها وكأنها تبيع الهدوء مقابل أموال، ما دفعها إلى رفض تسلم الأموال إثر عدم الإستجابة الإسرائيلية لشرطها بتحديد موعد ثابت لدخول المنحة والتوقف عن ابتزاز المقاومة.
ولهذا، ووفق معطيات "المدن" فإن كلاهما (أي إسرائيل وحماس) في موقف سياسي محرج الآن. وسارعت قطر مباشرةً إلى تحويل أموال الدفعة الثالثة لصالح مشاريع تنومية في غزة بإشرف الأمم المتحدة. ما يعني أن هذا أن القضية عالقة وبقيت الأمور مفتوحة ومتروكة لمفاوضات غير مباشرة بين "حماس" وتل أبيب، لاحقاً.
لكن قيادياً من "حماس" قال لـ"المدن" شريطة عدم ذكر اسمه، إن أسباب رفض حركته تسلم المنحة القطرية الثالثة، لا يقتصر فقط على الابتزاز الإسرائيلي وعدم الاستجابة لتحديد موعد ثابت للدفعات المالية المتبقية، بل وأيضاً نتيجة اشتراطات إسرائيلية جديدة بعدم حدوث تصعيد أيام الجمعة على حدود غزة الشرقية، واي احتكاك امني، إضافة إلى التدخل بتفاصيل توزيع المنحة، من ناحية من يستحقها وكيفية توزيع المبلغ. والنتيجة أن المنحة ستبقى عرضة للإبتزاز الإسرائيلي، وفق هذا القيادي.
ويؤكد المصدر أن ما أعلنه السفير العمادي يعني أن الأمور وصلت إلى طريق مسدود. وهذا كان واضحا من كلام العمادي. واضح ان هذا تعبير عن أزمة. وتابع: "لا توجد ثقة لدى حماس بأن أمور المنحة ستكون مستقرة حتى موعد اجراء انتخابات الكنيست. كما انه لا توجد ضمانات ما دامت إسرائيل ستتذرع بأي حدث أمني. ونحن رفضنا الإشتراطات الإسرائيلية، فلم نتسلم المنحة".
ويشدد القيادي في "حماس" أن رفض المنحة ليس موقفاً من قطر كما تحاول "أطراف داخلية وإقليمية أن تلعب على وتره وأن تحصر المشكلة فيها"، وإنما هو موقف ضد الإحتلال، فالدور القطري محوري في غزة. ويوضح القيادي أنه سيصدر عن الحركة مزيد من المواقف التوضيحية التي تؤكد على اهمية الدور القطري.
وكشف هذا القيادي من "حماس" أن المقاومة تتدارس في هذه الأثناء التصرفات والمواقف الإسرائيلية الأخيرة خلال الساعات القادمة، لتقييم الموقف الميداني. لكن القيادي أوضح أن المقاومة تأخذ بالحسبان أيضاً أن الجبهة الشمالية مع سوريا ولبنان ساخنة. ولهذا يقول إن "غزة ليست بوارد أن تكون ميداناً للرد على ما تعرضت له إيران من قصف في سوريا".
ونتيجة ذلك، يؤكد المصدر أن هذا يثير حذراً لدى المقاومة من أن بعض الأطراف في غزة ستستغل التطورات الأخيرة وتخلق حالة من إشعال الجبهة الجنوبية، تلبية لطلب إيراني. ويتابع "الميزان دقيق في هذه المعادلة. غزة تريد أن تصفي حساباتها هي وليس حسابات أطراف اقليمية".
ورداً على سؤال "المدن" حول ما إذا كان يقصد "الجهاد الإسلامي"، فيجيب أن الخوف ليس من الأطر الرسمية للفصائل، فهناك توافق بين "حماس" و"الجهاد" ضمن غرفة العمليات المشتركة، لكن الخوف من أن مجموعات خارج إطار السيطرة تقوم بأي شيء لإشعال الجبهة الجنوبية.
وفي هذا السياق، يقول المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت احرونوت" الاسرائيلية يوسي يوشع، إننا بتنا الآن أمام تصعيد على جبهتين؛ فإسرائيل تخشى من اجتماع ظروف التصعيد، وهي: اهتمام "الجهاد الإسلامي" بالتصعيد في غزة، ورفض "حماس" تسلم الأموال القطرية، ونية ايران الانتقام لمقتل رجالها بسبب الهجمات الإسرائيلية في سوريا.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها