الفيديو كان مجالاً ومناسبة لسلسلة من التعليقات التي كتبها سوريون معارضون للنظام السوري على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تعليقات تراوحت بين الغبطة والشماتة من جهة، وبين من قرأ الموضوع قراءةً سياسية من جهة ثانية، معتبراً أن ما يحصل في هذا المشهد هو أمر طبيعي في ظل سيطرة الروس على مفاصل السياسة والميدان. لم تخلُ تلك التعليقات من السخرية المرة أيضاً، على ما كتب أحد الناشطين هازئاً: "الله محيي الجيش الروسي الحر". أما صفحات النظام فاكتفى معظمها بالصمت أو الانكفاء عن التعليق حول ما حصل، ربما بانتظار قدوم تعليمات وصيغة يمكن لها أن تجد للنظام وإعلامه مخرجاً من هذه الورطة التي انتشرت في العلن.
وبعيداً من الميديا والتغطية الإعلامية والآراء التي تناولت الموضوع، رغم أهميتها ودلالاتها البالغة، فإنه لا يمكن فصل هذا المشهد- الفيديو عن سلسلة من المشاهد السياسية والعسكرية التي سبقته، لجهة تصوير العلاقة بين النظام وحلفائه الداعمين له، وعلى وجه الخصوص الروس. ذلك أنه ومع الضربة العسكرية الأميركية والغربية في 14 نيسان/أبريل الماضي ضد مواقع لنظام الأسد، وقبلها بحوالى عام الضربة العسكرية الأميركية على مطار الشعيرات إثر استخدام الأسد للسلاح الكيماوي ضد المدنيين، كان لافتاً اعتكاف الروس عن التصعيد العسكري، والاكتفاء بالتصعيد الإعلامي في مواجهة ضربات حملت معها رسائل أميركية إلى الروس تقول بعدم قدرتهم على التحكم بالمسار السوري لوحدهم. هذا على الرغم من أن روسيا كانت على علم ببنك الأهداف قبل حصول الضربة.
الاستهدافات الإسرائيلية لمواقع إيرانية ولمواقع تابعة لقوات الأسد، والتي تزايدت في الشهر الأخير وطالت أهدافاً عسكرية مهمة للإيرانيين وعطّلت الكثير من قدراتهم، هي استكمال لذلك التنسيق المعلن أحياناً بين الروس وإسرائيل، كما في زيارة نتنياهو إلى موسكو في الوقت الذي كان الطيران الإسرائيلي يدك فيه معاقل الأسد وإيران في سوريا، أو للتنسيق غير المعلن في أحيان أخرى.
النظام كان عاجزاً عن مجاراة القرار الروسي في التعامل مع الضربات المتتالية التي طاولته من قبل إسرائيل ومن قبل الغرب، وهذا ما يفترض أن يكون بحكم الطبيعي، بعد أن تحول الأسد إلى دمية في يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد ظهرت وانتشرت مشاهد كثيرة اعتبرت إهانة من قبل "حليفه" بوتين، بدءاً من مشهده وصورته وهو يتراجع عن اللحاق ببوتين بإيعاز من أحد الجنود الروس في قاعدة حميميم، وصولاً إلى استدعائه وحيداً ولأكثر من مرة إلى روسيا، من دون أن يرافقه السياسيون والعسكريون السوريون المقربون منه في رحلاته تلك.
مشهد قيام جنود روس بإجبار عساكر وشبيحة تابعين للأسد على الانبطاح أرضاً لا يمكن فصله عن مسارات العلاقة بين الروس والنظام. المشهد مثير للسخرية والألم لدى مشاهدة جنود من قوات "دولة احتلال" تورطت بقتل عشرات آلاف السوريين في حربها إلى جانب الأسد ضد هؤلاء السوريين، وهم يحاولون أن يظهروا بمظهر "الحُماة" لأثاث وممتلكات من قامت روسيا ونظام الأسد وإيران بتهجيرهم واقتلاعهم من أرضهم ومن بيوتهم تلك.
قد تكون الرسالة الروسية عبر هذا الفيلم القصير جداً ذات شقين. الشق الأول سيكون موجهاً إلى النظام وقواته وشبيحته، ولإيران، تقول بأن روسيا وحدها هي من ترسم حدود الاشتباك والقتال والمواجهات العسكرية، وهي التي تحدد ما يليها بعد أن تنتهي الحرب في تلك الجبهات والمناطق. والثانية هي رسالة إلى الغرب وإسرائيل وهما يتفرجان على ما يحصل، وسيفضلان بالطبع وجود قوات روسية في المناطق التي يفترض أنها باتت خالية من سيطرة فصائل المعارضة وخالية من أهلها وسكانها بعد تجارب مريرة مع الحافلات الخضراء وبإشراف روسي. إسرائيل وأميركا ستفضلان إدارة روسية، وإن مؤقتة، لتلك المناطق طالما أن إيران بعيدة ومحجمة بقرار روسي، و"ممنوع عليها" دخول تلك المناطق والتنكيل بأهلها.
يبقى أن السوريين هم وحدهم من يقيمون خارج هذه اللعبة والبروباغندا والمسرحية، وإذا كان الفيديو آنف الذكر قد صوّر سوريين يصفقون لمشهد إذلال مقاتلين في جيش النظام على يد عساكر في الجيش الروسي، فإنها مفارقة تضاف إلى تلك المفارقات الكثيرة التي تشهدها سوريا منذ تحولت بلداً مستباحاً.
لم يحن وقت المقايضات الكبرى والنهائية بعد، إلا أن مقدمات كثيرة تشير إلى أن الحال لن يدوم، بعيداً عن أهازيج محور الممانعة الذي يهلل لفلاديمير بوتين كأحد قادة "النصر على الامبريالية"، والانتصار على مئات الآلاف من السوريين القتلى والمهجرين، من دون المرور بمشهد "الانتصار" على حفنة من العناصر واللصوص الذين ظهروا في ذلك الفيديو تابعين، مُهانين، كما رئيسهم.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها