يسود تخوّف بين الأهالي مع تواتر تصريحات لمسؤولين أتراك حول عملية عسكرية يخطط الجيش التركي وفصائل الجيش الحر لخوضها ضد "وحدات حماية الشعب" الكردية، في مدن وبلدات الجزيرة السورية شرقي نهر الفرات، على غرار معركة "غصن الزيتون". وتعززت هذه المخاوف بعد اشتباكات متكررة مع الجيش التركي على طول الشريط الحدودي؛ من تل أبيض إلى القامشلي مروراً برأس العين، منذ انطلاق عملية "غصن الزيتون"، وسقوط قتلى وجرحى من الطرفين، إلى جانب سقوط بعض المدنيين قتلى برصاص القناصة.
وأزال الجيش التركي بضعة أجزاء من الجدار الحدودي قرب مدينة رأس العين. في حين تستعد "وحدات حماية الشعب" الكردية للتصدي عبر حفر الانفاق والدشم تحت المنازل السكنية وإعادة الانتشار قرب الشريط الحدودي. طبيعة منطقة الجزيرة السورية سهلية، ما يجعل من مقاومة "الوحدات" لعملية عسكرية تركية، أمراً متعذراً. إذ لا يمكن الصمود في الجزيرة، مع وجود المدن البلدات المهمة على الحدود تماماً. "الوحدات" نشرت كتائبها في سوق مدينة رأس العين ومنطقة كشتو غربها، وفي المنطقة الصناعية شرقاً، كما نشرت نقاطاً عسكرية وحواجز على طول طريق تل أبيض-القامشلي مروراً برأس العين والدرباسية وعامودا، وأخلت الأبنية الملاصقة للحدود من السكان.
وشرعت "الوحدات" بإقامة سواتر ترابية وحفرت الخنادق والانفاق وأقامت تحصينات إسمنتية مع تغيير مواقع المعسكرات ومقرات القادة، خشية استهدافها خاصة مع استخدام تركيا لطائرات مسيرة لمراقبة جميع هذه المناطق منذ بداية العام 2018. الأمر الذي ساهم في تنامى الخوف لدى أهالي القامشلي ورأس العين وعامودا والبلدات الواقعة بينها، من مصير يشابه ما حدث في عفرين.
ويقول مسؤول في "الإدارة الذاتية" لـ"المدن": "إن الاجراءات التي اتخذتها الوحدات في رأس العين، على خلفية الاشتباكات مع الجيش التركي، جعلتنا نراجع حساباتنا، فربما باتت المعركة قريبة". ويتخوف المسؤول من موجة نزوح تفوق تلك التي حصلت في عفرين بثلاثة أضعاف، في حال بدأت معركة مماثلة، لتركز معظم الكثافة السكانية في المدن الملاصقة للحدود.
وقال المسؤول إن موظفي البلديات والمؤسسات الخدمية "قلقون من أن يُحسبوا على حزب الاتحاد الديموقراطي، في حال اجتياح الجيش التركي للمناطق الحدودية، كما يخشون حرمانهم من الحصول على وظائف حكومية في حال عادت هذه المناطق لسيطرة قوات النظام بموجب صفقة دولية ما". وأوضح المسؤول إن سكان الشوارع والأحياء الحدودية في رأس العين "باتوا يعيشون وكأنهم على جبهات المعارك، فلا يسمحون بدخول أي شخص يرتدي الزي العسكري إلى منازلهم أو الصعود إلى السطوح، ويسرعون في حال مروا بشارع مكشوف على الحدود خشية اندلاع مواجهات بشكل مفاجئ أو استهداف القناصين الأتراك لهم بسبب انتشار الوحدات الكردية بين منازلهم"، وهذا الأمر ينطبق على عامودا والقامشلي.
وتوقفت حركة البناء بانتظار اتضاح الأمر، فيما تهاوت أسعار البيوت والعقارات بنسبة 20 في المائة، نتيجة إقدام البعض على بيع منازل وأبنية يملكونها لتأمين مساكن في مدينة الحسكة قبل حدوث المواجهة المتوقعة. إلى جانب هبوط إيجارات المنازل من حدود 25 ألف ليرة سورية شهرياً إلى 10-15 ألفاً، وفق المسؤول.
التاجر أحمد، 40 عاماً، قال إنه يحاول تصريف مخزون الحبوب بأسعار أقل من الأسعار الحقيقية أحياناً، بهدف إفراغ المخازن قبل نشوب المعارك، مشيراً إلى أنه يضع أوراقه الثبوتية ومستندات البيع والشراء وغيرها من الوثائق في حقيبة صغيرة تحت رأسه حين ينام خشية انطلاق المعركة بشكل مفاجئ.
وبحسب التاجر فإن "الوحدات" في مدينة رأس العين تمنع مرور السيارات نحو الريف في حال كانت تنقل كميات من المواد الرئيسية، ما جعل التجار يخشون من احتجازهم وبضائعهم إذا ما توسعت رقعة الاشتباكات إلى داخل المدينة المحاطة بالحدود التركية من الجهتين الغربية والشمالية.
ويسعى حزب "الاتحاد الديموقراطي" إلى الاستفادة من الدعم الأميركي والأوروبي، والفوضى على الساحة السورية لإيجاد مناطق آمنة لكوادره الأتراك والإيرانيين ومعسكرات تدريب لمسلحيه، وتجنيد المزيد من رجال وشباب المناطق التي يسطر عليها، بحجة الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية". وقد يحتاج الحزب أولئك المقاتلين في معركة الحدود مع تركيا، لتوسيع الجبهة البرية، مستفيداً من الحدود الطويلة المترامية بين سوريا وتركيا.
خسارة حزب "الاتحاد الديموقراطي" مدينة عفرين، ثالث كانتونات "الإدارة الذاتية" التي أسسها في العام 2014، ينذر بتلاشي حُلُم إقامة دولة "روج آفا" أو "غرب كردستان"، لكنّ ذلك لا ينسف مشروع "الإتحاد" كلياً طالما ظلّ مسيطراً على أرياف الرقة والحسكة وديرالزور.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها