بدأ النظام عملية "التسوية" في مدينة دوما من الغوطة الشرقية، خلال الأيام الماضية، بإجراء مسح أمني لأهالي المدينة، وسط تزايد نشاطه في المدينة وارتفاع وتيرة الانتهاكات فيها، على عكس ما جاء في بنود اتفاق "التسوية" الموقّع بين "جيش الإسلام" وروسيا والقاضي ببقاء المدينة تحت وصاية روسية.
وقال مصدر محلي لـ"المدن"، إن النظام يقوم بإجراء إحصاء دقيق لمن تبقى من أهالي مدينة دوما، على أن ترفع القوائم إلى "فرع الخطيب"، أحد الفروع الأمنية التابعة للنظام، "لاستكمال إجراءات التسوية" لدى "مكتب الأمن القومي". و"فرع الأمن الداخلي" التابع لـ"إدارة أمن الدولة"، والمعروف باسم "فرع الخطيب"، مسؤول أمنياً عن مدينة دوما منذ بداية الثورة، ومعظم قوائم مطلوبي دوما ومعتقلي دوما موجودين في "فرع الخطيب" أو في السجون المركزية كـ"إيداع" لصالح "فرع الخطيب".
"المصالحة" في دوما كانت قد جرت بعد استخدام النظام للسلاح الكيماوي في 7 نيسان/إبريل، والتي قتل فيها نحو 200 مدني، وأصيب ألف آخرون بحالات اختناق. وبدأ تنفيذ "التسوية" في 9 نيسان، عبر عملية "تهجير قسري" لنحو 30 ألف شخص، فيما بقي في المدينة نحو 90 ألف مدني.
وأضاف المصدر أن الإحصاء أشبه ما يكون بتحقيق أمني، يسأل فيه عنصر الأمن الشخص المستجوب عن اسمه وأفراد عائلته وعمله، ومشاركاته خلال الأعوام المنصرمة، وأسماء المسافرين من أفراد العائلة وأسباب سفرهم، وعن خدمته العسكرية إذا كان قد أدى الخدمة الإلزامية، وأخيراً إذا ما شارك في حفر الأنفاق في المدينة.
من جانبه، قال مصدر آخر لـ"المدن" إن الانتشار الأمني للنظام في دوما، يتزايد يومياً، وتتحول المدينة يوماً بعد آخر إلى منطقة عسكرية، يخشى أهلها عمليات المداهمات والاعتقالات، لافتاً أن وجود الروس في المدينة ساهم في الحدّ من وقوع الانتهاكات كما حدث في مناطق أخرى من الغوطة الشرقية. ويقسّم النظام مدينة دوما إلى مربعات أمنية، يفصل بينها حواجز عسكرية، ويصعب معها تنقل المدنيين من مربع إلى آخر.
وقطع النظام الاتصالات عن مدينة دوما بعد دخوله إليها بأيام، بهدف التعتيم على سياساته داخل المدينة وممارسات عناصره فيها. ناشطون قالوا لـ"المدن" إن النظام وروسيا لم ينتهيا من ملف كيماوي دوما، وأي صور تُنشر عن تحركهما لا سيما في محيط المنطقة المستهدفة قد تستخدم كدليل إضافي على الإدانة.
وبذريعة العملية الأمنية لنظام الأسد، تشهد المدينة عمليات اعتداء على ممتلكات المدنيين، لا سيما الذين نزحوا من المدنيين تاركين أملاكهم. مصدر قال لـ"المدن" إن المدينة تعرضت لعمليات سلب ونهب بنسب متفاوتة، وكانت النسبة الأكبر منها لممتلكات مدنيين غادروا المدينة.
وأخذت بعض عمليات السلب شكلاً منظماً، حيث يقوم عناصر الأمن في المدينة بمصادرة السيارات والدراجات التي تعود ملكيتها للمُهجّرين، أو تلك التي فقد أصحابها أوراقها الرسمية.
ورغم ما يحدث في مدينة دوما إلا أنها تعدّ أفضل حالاً من باقي مدن وبلدات الغوطة الشرقية، حيث يشهد القطاع الأوسط عمليات تعفيش جماعية وسرقات منظمة لقوات النظام. وكانت مدينة عربين قد سجلت مقتل امرأة حاولت منع عناصر للنظام من سرقة ممتلكات بيتها، فأعدمت ميدانياً.
وفي السياق، لم تشمل عمليات "تسوية الأوضاع" في مدينة دوما الأهالي الذين خرجوا عبر مخيم الوافدين إلى مراكز الإيواء التابعة للنظام. ولا يزال آلاف المدنيين المتواجدين في تلك المراكز رهن الإقامة الجبرية، ولا يسمح لهم بالعودة إلى بيوتهم رغم خروج فصائل المعارضة من المدينة.
وإلى الآن لم تسجل دوما عمليات اعتقال أو تجنيد إجبار في صفوف المدنيين، وبحسب ما ذكرته مصادر "المدن" فإنه من المفترض أن تستمر عمليات المسح والإحصاء لمدة 15 يوماً، وبعد الانتهاء منها قد تصدر قوائم بأسماء المطلوبين للخدمة الإلزامية.
من جهة أخرى، قالت مصادر لـ"المدن" إن الشرطة الروسية موجودة في المدينة إلى جانب قوات النظام، وانتشارها يحول دون وقوع مزيد من الانتهاكات وعمليات السلب والنهب. وكان "جيش الإسلام" قد اشترط خلال مفاوضاته مع الجانب الروسي عدم دخول النظام إلى المدينة، وأن يُسند أمن المدينة الداخلي للشرطة الروسية، إلا أن النظام أخل بهذا البند، وأدخل قوات "حفظ النظام" في الأيام الأولى لـ"التسوية"، وسجلت حالات سلب ونهب متعددة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها