شنّت إسرائيل، السبت 10 شباط/فبراير 2018، عدواناً واسع النطاق على سوريا. واستهدف الهجوم 12 موقعاً عسكرياً تابعاً للنظام السوري وإيران في محيط مدينتَي دمشق وحمص وسط سوريا وجنوبها. وقد أسقطت الدفاعات السورية طائرة إسرائيلية من نوع F16I. وهي المرة الأولى التي تتمكن فيها الدفاعات الجوية السورية من إسقاط طائرة إسرائيلية منذ أكثر من ثلاثة عقود؛ ما قاد البعض إلى توقّع دخول الصراع مرحلة جديدة.
جاء هذا العدوان مباشرة في أعقاب اختراق طائرة إيرانية مسيّرة الأجواءَ الإسرائيلية فجر السبت ذاته، أسقطتها طائرة أباتشي إسرائيلية شمالي فلسطين، وفق الرواية الإسرائيلية.
خلفية العدوان
سبقت هذا العدوان تصريحات متتالية لمسؤولين إسرائيليين في الشهور الأخيرة ضد الوجود العسكري الإيراني في سوريا، ازدادت وتيرتها في الأسابيع الماضية. وقد أولت إسرائيل، في عام 2017، الوجود العسكري الإيراني في سوريا أهميةً كبرى، مدعيةً أنه يشكل خطراً عليها. وفي هذا السياق، وضع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في خطابه، في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2017، عند افتتاحه الدورة الشتوية للكنيست، التصدي لمحاولات إيران تعزيز وجودها العسكري في سوريا على رأس سلّم التحديات التي تواجهها إسرائيل. وفعلاً، بات خطاب التصدي للوجود العسكري الإيراني في سوريا يحل تدريجياً في عام 2017 محل التصدي للمشروع النووي الإيراني الذي كان سائداً في العقدين الماضيين، وإن لم يستبدله نهائياً.
لقد باتت المؤسستان العسكرية والسياسية تضعان في قمة اهتمامهما إمكانية استغلال إيران تدخلها العسكري في سوريا، هي والمليشيات التابعة لها، لتكريس وجود عسكري إيراني طويل المدى في سوريا عموماً، وبالقرب من الحدود السورية الإسرائيلية على نحو خاص. فوفق المنظور الإسرائيلي، لا تسعى إيران من خلال وجودها العسكري في سوريا للحفاظ على النظام السوري فقط، بل لتحقيق أهداف أخرى أيضاً؛ من بينها الحفاظ على المليشيات الأجنبية التابعة لها في سوريا (العراقية واللبنانية خاصة)، وتعزيز الميليشيات السورية التي تأتمر بأمرها.
وذلك ليس من أجل الحفاظ على النفوذ العسكري الإيراني في سوريا لأمد طويل فقط، بل لكي تتوافر أيضاً إمكانية فتح جبهة ضد إسرائيل من جنوب سوريا إلى جانب جنوب لبنان عند الحاجة إلى ذلك؛ لتكون بمنزلة قوة احتياط لإيران، في حالة تعرّضها لاعتداء أميركي أو إسرائيلي.
وأكد القادة الإسرائيليون أن الوجود العسكري الإيراني في سوريا يسهل استمرار عملية نقل السلاح، لا سيما الأصناف المتطورة منه، إلى "حزب الله" في لبنان، وإقامة تواصل إقليمي بري من إيران إلى لبنان، مروراً بالعراق وسوريا؛ ما يمكّن إيران من تحريك قوات عسكرية ونقل أسلحة متطورة إلى سوريا ولبنان. وأكد مسؤولون إسرائيليون أن إيران شرعت في إقامة قواعد عسكرية لها ولمليشياتها، وأنها حصلت على مطارات عسكرية في سوريا، وأنها تسعى للحصول على ميناء في سوريا، وأضافوا أنها أقامت لنفسها مخازن أسلحة متطورة، وأنها شرعت في بناء مصانع لأسلحة متطورة في سوريا ذات دقة عالية، وتصل إلى مسافات بعيدة، كما أنها تقدّم دعماً كاملاً لـ"حزب الله" في لبنان؛ من أجل إقامة مصانع لصواريخ نوعية بعيدة المدى.
وقد جاء هذا التصعيد الإسرائيلي تجاه الوجود العسكري الإيراني في ظل فشل إسرائيل في التأثير في اتفاقات خفض التصعيد، وذلك على الرغم من الجهود التي بذلتها لدى القيادتين الروسية والأميركية، ولا سيما في محاولة التأثير في اتفاقيتَي خفض التصعيد المتعلقتين في جنوب سوريا اللتين أُبرمتا في تموز/يوليو وتشرين الثاني/نوفمبر 2017، واللتين لا تستجيبان، في نظرها، لمتطلبات أمنها، في كل ما يتعلق بالوجود المليشياوي الإيراني، وتتناقضان مع إستراتيجيتها تجاه سوريا، فأعلنت أنها لن تلتزم بهما، وستطور خطوطها الحمراء بما يتلاءم مع التغييرات التي تحدث في سوريا.
لقد فشلت إسرائيل في إقامة منطقة عازلة تحت نفوذها في جنوب سوريا تمتد على طول الحدود بين سوريا والجولان السوري الذي تحتله إسرائيل، على الرغم من الجهد الكبير الذي بذلته لدى القيادتين الروسية والأميركية. وفشلت كذلك في تحقيق مطلبها في إبعاد القوات الإيرانية والمليشيات الموالية لها 60 كيلومتراً عن الجولان المحتل، فبقيت هذه المليشيات قريبة من الجولان نحو 6 كيلومترات في شمال الجولان ونحو 20 إلى 30 كيلومتراً في وسطه وجنوبه. وفشلت إسرائيل كذلك، على الرغم من الجهد الذي بذلته، خاصة في العامين الأخيرين، في الحصول على اعتراف أيّ دولة في العالم بضمها الجولان السوري الذي كانت قد احتلته في حرب حزيران/يونيو 1967. ومما زاد من حنق إسرائيل أنّ روسيا والولايات المتحدة الأميركية تجاهلتا حتى الآن، بحسب الأسباب التي تخصّ كليهما، مطالبة إسرائيل لهما في العام الأخير بالحد من الوجود العسكري الإيراني في سوريا.
محاولات إسرائيل التأثير في روسيا
منذ التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا في نهاية أيلول/سبتمبر 2015، حرصت روسيا وإسرائيل على التنسيق الدائم بينهما بشأن دور إسرائيل في سوريا. وقد أقرّت روسيا بـ"حق" إسرائيل في قصف أهداف عسكرية داخل سوريا؛ وفق الخطوط الحمراء الإسرائيلية المعلنة. وأنشأت الدولتان لجنة تنسيق رسمية مشتركة مكونة من قيادة هيئة أركان الجيش الإسرائيلي وقيادة القوات العسكرية الروسية في "قاعدة حميميم" في سوريا، وأقامتا خطَّ اتصال ساخناً؛ من أجل التنسيق بينهما، وتجنب أي صدام بين الطائرات الإسرائيلية ومنظومات الدفاع الجوي الروسي المتطورة في سوريا.
ومنذ التدخل الروسي العسكري المباشر حتى اليوم، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين سبع مرات؛ من أجل التنسيق بينهما بخصوص الوضع في سوريا. وفي عام 2017، بذلت إسرائيل جهوداً كبيرة للتأثير في روسيا بشأن الوجود العسكري الإيراني في سوريا؛ وذلك من خلال الاتصالات المباشرة بين القيادتين الإسرائيلية والروسية؛ ففي اجتماعه مع الرئيس بوتين في سوتشي في 23 آب/ أغسطس 2017، طلب نتنياهو من بوتين أن تعمل روسيا وإسرائيل مع الولايات المتحدة على الحدّ من الوجود العسكري الإيراني في سوريا.
وفي 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، أي بعد نحو أسبوع من إبرام اتفاق خفض التصعيد الذي وقّعته روسيا والولايات المتحدة والأردن، هاتَف نتنياهو الرئيس بوتين وأكد له معارضة إسرائيل الوجود العسكري الإيراني المتزايد في سوريا. وفي زيارته الأخيرة لروسيا، في 29 كانون الثاني/يناير 2018، التي رافقه فيها رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) لشرح خطورة الوجود العسكري الإيراني في سوريا، استحوذ هذا الموضوع على المحادثات بين نتنياهو وبوتين. وقد صرح نتنياهو بأنه في حال عدم توقّف تعزيز الوجود العسكري الإيراني في سوريا، فإن إسرائيل ستوقفه بنفسها. وأضاف نتنياهو أنه بحث أيضاً مع بوتين الوضع في لبنان وعزْم إيران تقديم كامل الدعم لـ"حزب الله" من أجل إنشاء مصانع لإنتاج صواريخ متطورة ودقيقة وبعيدة المدى، وأخبره أن إسرائيل لا تقبل هذا الأمر، وأنها إذا ما رأت ضرورة للعمل ضد هذه المصانع فإنها ستقوم بذلك. وتطرّق نتنياهو إلى التنسيق الأمني مع روسيا بشأن العمليات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في سوريا، وقال: "يوجد جيش روسي على حدودنا ونحن ننجح في الحفاظ على مصالحنا وعلى حرية العمل [في سوريا]".
من غير المتوقع أن تعالج روسيا طلب إسرائيل بخصوص وجود إيران العسكري في سوريا قبل انتهاء الحرب الدائرة في سوريا نهائياً، على الرغم من تأكيدها أنها تحترم مصالح إسرائيل الأمنية في سوريا وتأخذها في الحسبان، وأنها تقدم الدعم العسكري للنظام السوري في صراعه مع المعارضة السورية المسلحة وليس لمحاربة إسرائيل؛ فروسيا تَعُدّ إيران شريكاً مهماً لها في الحرب الدائرة في سوريا ضد مختلف القوى والجماعات السورية العسكرية التي تتصارع مع النظام السوري. وبما أنّ روسيا ليست في حاجة إلى الوجود العسكري الإيراني في سوريا من أجل حماية النظام السوري فحسب، كما كان الأمر عليه قبل نحو عامين أو أكثر، وإنما لاستعادة نفوذه في مختلف أنحاء البلاد، فمن غير المتوقع أن تعمل روسيا على وقف هذا الوجود العسكري. فروسيا تربط هذا الأمر بإنهاء الحرب في سوريا، وبالتوصل إلى حل للصراع فيها، كما أنها ليست معنيّة بإرسال قوات برية إلى سوريا كي تحل محل المليشيات الموالية لإيران.
خاتمة
تابعت إسرائيل، عن كثب، تطورات الحرب في سوريا، وحددت خلال مراحلها المختلفة خطوطاً حمراء للنظام السوري. وشمل ذلك منع استخدام الأراضي السورية لنقل أسلحة متطورة إلى "حزب الله" في لبنان؛ مثل منظومات الدفاع الجوي المتطورة، وصواريخ أرض-أرض بعيدة المدى، وصواريخ أرض–بحر، وطائرات مسيّرة. ومنذ عامين، أضافت إلى هذه الخطوط الحمراء حظر وجود قوات عسكرية تابعة لإيران ولـ"حزب الله" ولمليشيات إيران الأخرى في جنوب سوريا في المنطقة القريبة من الجولان السوري المحتل. وفي عام 2017، طرحت الوجود العسكري الإيراني وتعزيزه في سوريا وجعلته في قمة التحديات التي تواجهها. وكثّفت عمليات استهداف مظاهره، فشنّت منذ بداية عام 2012 أكثر من 140 هجوماً جوياً على أهداف سورية، لكنها لم تقم بتوجيه ضربات تستهدف شلّ قدرته على مواصلة دوره في الحرب الأهلية. ومن المتوقع أن تستمر إسرائيل في الاعتداء على الأراضي السورية، وفق الخطوط الحمراء التي وضعتها وطوّرتها، والتي من الواضح أن روسيا تبدي تفهماً لها، ولكن من غير المتوقع، في ظل المعطيات الحالية، أن تقدم إسرائيل على شنّ حرب شاملة على الوجود الإيراني في سوريا، إلا في حال حصول تغير جذري في هذه المعطيات.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها