فرادى وجماعات، سلّم قرابة 170 شاباً من منشقي بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم جنوبي دمشق أنفسهم، في تشرين الأول/أكتوبر، إلى "فرع الدوريات/شعبة الأمن العسكري"، لاستكمال "تسوية أوضاعهم"، بغية إلتحاقهم مجدداً بقطعهم العسكرية في قوات النظام التي انشقوا منها خلال الثورة.
"فرع الدوريات" فاجأ الجميع باعتقال المنشقين لفترات متفاوتة، أقلّها شهرين تقريباً، مع استمرار احتجاز أكثر من عشرين منهم حتى الآن. وأكّدت مصادر "المدن" في بلدة يلدا تعرّض منشقي يلدا والمقاتلين سابقاً في الجيش الحر، لتعذيب شديد على يد محققي وعناصر الفرع، بسبب مشاركتهم في القتال ضد قوات النظام، أو لاضطلاع بعضهم بمهام عسكرية خاصّة خلال تلك الفترة، كاستلامهم مناصب في غرف عمليات عسكرية شُكّلت حينها لمواجهة "داعش" خلال المعارك الطويلة مع فصائل المعارضة.
وقالت المصادر: "إن المنشقين كانوا قد سلّموا أنفسهم للفرع المسؤول أمنياً عن المنطقة، قبل نفاذ مهلة الستة أشهر، بغية استكمال إجراءات التسوية، والالتحاق مجدداً بقوات الأسد، مستبِقين المهلة، بقصد الحصول على مكاسب وامتيازات، على أن تنتهي الإجراءات في الفرع خلال مدّة أقصاها 48 ساعة". وأضافت: "توجههم للفرع جاء بعد اطمئنانهم لعدم تعرّضهم لأية مضايقات، واستبعاد احتمال اعتقالهم، بسبب خروج مجموعات صغيرة قبلهم إلى الفرع وسير آلية التسوية من دون مشاكل، ثمّ التحاق الشبان بقطعهم العسكرية، إضافة لوجود تطمينات من قبل لجنة المصالحة في البلدة".
ما حصل لم يُثنِ من تبقى من منشقي الجنوب الدمشقي عن العدول عن فكرة تسليم أنفسهم خلال هذه الأيام، بالرّغم من تعرض من سبقهم للاعتقال والتعذيب. وذهب كثيرون منهم للبحث عن وساطات بهدف تقديم رشاوى، بشكل غير مباشر لضباط في الفرع، تتراوح بين 700 ألف ومليوني ليرة سورية، لتخفيف مدّة الاعتقال وللحؤول دون تعرّضهم للتعذيب. وأكد مصدر محلّي من يلدا، لـ"المدن"، أن أحد أقاربه دفع مبلغ 800 ألف ليرة ليستكمل "تسويته" بالفرع، وخرج بعد اعتقال دام لعشرة أيام، ليلتحق بقطعته من جديد.
وبين اعتبارها "طوعية" من جهة و"تعسفيّة" من جهة أخرى، يمكن تحليل عمليات الاعتقال هذه في سياق حالة الاستسلام شبه التام في مناطق "المصالحة"، وعلى اعتبار أن ما يحصل متوقع يندرج في إطار التنفيذ العملي لشروط "المصالحة" المتفق عليها مسبقاً. ويضاف لذلك انعدام الخيارات أمام شباب المنطقة في حال رفضهم تسليم أنفسهم، خاصة بعد تحذير "فرع الدوريات" للمنشقين من أي حالة ممانعة، وتنبيههم إلى أن المتهرّبين من الالتحاق سيواجهون الاعتقال من قبل دوريات أمنية ستطاردهم داخل البلدة. وشكّل ذلك هاجساً خطراً يرغب معظم الشبان بتلافيه.
وفي فترة سابقة، تصاعدت وتيرة التطوّع بين صفوف شباب جنوبي دمشق، منشقين ومتخلّفين واحتياط، "طواعيةً" خلال الأشهر الأولى من "المصالحة"، في قوات النظام خاصة "الفرقة الرابعة". ويتعذّر تفسير هذا السلوك من زاوية واحدة، إذ شاع تحليل بأن هذه الظاهرة برزت باعتبارها الحل ّالأمثل لتجنّب خطر الاعتقال وللحصول على امتيازات تتعلّق بالتحرك خارج المنطقة وبحماية أمنيّة بعد الحصول على "بطاقة مهمّة" من الجهة التي يتبعون لها.
ولم تقتصر حوادث الاعتقال في الأسابيع الماضية على المنشقين، وسجّلت حالات اعتقال لعشرات الشبّان من أبناء جنوبي دمشق خلال تواجدهم في العاصمة دمشق. وأفادت مصادر "المدن" بأن 10 أشخاص على الأقل اعتقلوا بالرّغم من إجرائهم "تسوية وضع" وحيازتهم على بطاقات الهوية الشخصية. وأوضحت المصادر أن السبب يعود لتحركهم خارج المنطقة دون حصولهم على ورقة "التسوية" التي تقيهم خطر الاعتقال عند مرورهم على حواجز الفروع الأمنية المنتشرة في العاصمة دمشق. كما حصلت موجة اعتقالات بعد استهداف ناري لمفرزة أمنية تابعة لـ"فرع الدوريات" في بلدة يلدا الأسبوع الماضي، وعرف من بين المعتقلين وقتها، ثلاثة شبّان من يلدا خلال مداهمة منطقة النصب، وهم؛ محمد البقاعي أبو رسلان، العامل سابقاً في المجلس المحلي في يلدا، وشاب من عائلة الشلحان، وثالث من عائلة الخطيب، إضافة لشبان من مخيم اليرموك، يقطنون على أطراف يلدا من جهة المخيم، عرف منهم الشابان يحيى وخالد الجودة، بالرغم من "تسوية أوضاعهم" سابقاً.
جانب آخر من الاعتقالات تمثّل بتركيز "فرع الدوريات" على اعتقال عناصر سابقين في تنظيم "داعش" و"هيئة تحرير الشام"، أو لأقارب عناصر التنظيمين. واعتقلت مفرزة تابعة لـ"فرع الدوريات" في بيت سحم، متمركزة في مبنى البلدية، الأمير السابق في "هيئة تحرير الشام" الملقب بـ"أبو عماد بيغا"، القاطن في بلدة بيت سحم منذ نحو شهرين، بعد طلبه للتحقيق لمرّات، ورفضه الحضور. وعندا قرّر في النهاية الذهاب للمفرزة، بعد إعلامه "لجنة مصالحة" بيت سحم، اعتقلته المفرزة وأحالته إلى مقر الفرع في حي القزاز بدمشق.
وأوضحت مصادر "المدن" أن "لجنة مصالحة" بيت سحم حاولت معرفة مصير "بيغا" فأعلمهم الفرع بألّا يتوسطوا مجدداً لمعرفة مصيره أو محاولة إخراجه. وهذا مماثل تماماً لما حصل في حادثة اعتقال قرابة 13 سيّدة من أقارب عناصر "داعش"، غالبيتهن من بلدة يلدا.
وعمد "فرع الدوريات" أيضاً إلى تكثيف عمليات المداهمة للمزارع وبيوت قادة سابقين في الفصائل العسكرية، بهدف تفتيشها والبحث عن أسلحة مدفونة فيها. وداهمت مفرزة "الدوريات" في بيت سحم منزل القيادي السابق في "جيش الأبابيل" المدعو بلال جعارة أبو نعمان، دون العثور على أسلحة. وأشار مصدر من البلدة إلى أن هذه الإجراءات قد تأتي في إطار "جس النبض" قبيل تنفيذ اعتقالات بحق هؤلاء القادة الذين كان لهم دور كبير في قتال النظام خلال السنوات الماضية.
المداهمات في منطقة "معمل العربي" على أطراف بلدة عقربا، قبل نحو ثلاثة أشهر أسفرت عن اعتقال ثلاثة أشخاص بينهم قياديان اثنان في "جيش الإسلام" سابقاً؛ ابراهيم غزال أبو محمد، وأحمد الشيني أبو عامر، والمدني "أبو صافي كسرواني". ولم تعرف تفاصيل إضافية حول اعتقالهم.
وتشير مصادر "المدن" إلى أنه، خلال كانون الثاني/يناير 2019 لن يتبقَى حُرّاً أيّ شاب في الجنوب الدمشقي، سواء كان منشقاً أو متخلّفاً عن الخدمة أو مطلوباً للاحتياط. ويعني ذلك إفراغ المنطقة بشكل كامل من الشبان، على مرأى من "لجان المصالحة" التي لم تتمكّن من التأثير إيجاباً في هذا الملف. ويبدو أن هؤلاء الملتحقين مجدداً بقوات النظام، سيكون لهم دور في ما قد يستجد من تطورات عسكرية شرقي الفرات، في ظل التحشيد الدولي والإقليمي والمحلّي لاقتناص الفرصة وملء الفراغ بعد الانسحاب الأميركي.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها