يتواصل التصعيد على جبهات منبج لملء الفراغ، مع الإعلان عن الانسحاب الأميركي من سوريا. وبينما تحشد القوات التركية و"الجيش الوطني" شمال وغربي المدينة، أقامت قوات النظام أول نقطة مشتركة مع "قوات سوريا الديموقراطية" غربي منبج، لمواجهة التحشيدات التركية، وسط تصريحات روسية بضرورة تسليم المناطق التي تتواجد فيها القوات الأميركية، إلى النظام السوري.
ووصلت تعزيزات عسكرية من "الحرس الجمهوري" و"الفرقة الأولى" من قوات النظام، إلى معبر التايهة وبلدة العريمة جنوبي منبج، كما تجمعت قوات تابعة للنظام في قرى تل أسود والحمر في ريف منبج الجنوبي. ويبدو ذلك ضمن استعدادات قوات النظام لدخول منبج، إذا ما انسحبت القوات الأميركية و"قوات سوريا الديموقراطية" منها.
وأعاد الجيش الروسي، العمل بـ"مركز التنسيق الروسي للمصالحة في سوريا" في بلدة العريمة بريف منبج، بعد انسحابه منها قبل فترة، بحسب ما قاله "مجلس منبج العسكري". وقللت وزارة الدفاع التركية من شأن هذه الخطوة، وأشارت إلى أن التحركات الأخيرة في بلدة العريمة بريف منبج عائدة لقوات النظام الموجودة في المنطقة منذ العام 2017.
وكان وزير الخارجية التركية جاووش أوغلو، قبيل زيارته المتوقعة إلى موسكو، قد أعلن أن تركيا اتفقت مع واشنطن على إكمال بنود خريطة طريق منبج، بحيث تتضمن إخراج مسلحي "وحدات حماية الشعب" الكردية قبل انسحاب القوات الأميركية من سوريا. لكن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، قالت الأربعاء، إنه "يجب أن تسيطر السلطات السورية على الأراضي التي سيخرج منها الأميركيون". وتابعت زاخاروفا: "بطبيعة الحال يظهر سؤال أساسي: من سيسيطر على المناطق التي سيتركها الأميركيون؟ من الواضح أن هذا يجب أن يكون من قبل الحكومة السورية بموجب القانون الدولي وعلى أساس المسار الذي سلكته سورية والشعب السوري. لكن حتى الآن ليس لدينا معلومات عن أي اتصالات بين واشنطن ودمشق حول هذه القضية". وأعلنت زاخاروفا: "نقوم بتنسيق وجهات النظر عن كثب وننفذ سياسات محددة على المسار السوري مع الزملاء الأتراك، سواء باتجاه السياسة الخارجية أو في مجال العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب على الأرض".
وتجمّع نحو ألف عنصر من قوات النظام، برفقة دبابات وعربات دفع رباعي مزودة برشاشات ثقيلة، في نقطة معبر التايهة. ودخل نحو 40 عنصراً من قوات النظام إلى نقطة مشتركة مع "قسد" في قرية اليالني شمال شرقي العريمة. وهي النقطة الأولى التي تتمركز فيها قوات النظام بعد الاتفاق مع "قسد" على نشر قوات مشتركة مقابل نقاط سيطرة الجيش الحر والقوات التركية.
الاتفاق على النقطة المشتركة بين "قسد" والنظام، جاء بعد مفاوضات سرية متواصلة منذ أيام بين "مجلس منبج العسكري" وبين قوات روسية وأخرى تابعة للنظام، بحسب مصادر "المدن".
وأفادت المصادر، بإن اتفاقاً جرى بين "قسد" والنظام، يقضي بأن تتسلم قوات النظام بشكل كامل كافة النقاط العسكرية المواجهة لمناطق انتشار الجيش الحر والقوات التركية، بينما تبقى مدينة منبج تحت سيطرة "الإدارة الذاتية" التابعة لـ"قسد".
المصادر، أكدت وجود تحركات لضباط من قوات النظام وأجهزته الأمنية داخل منبج، برفقة "قسد"، بهدف التباحث حول بعض الأمور العالقة بين الطرفين، مثل إدارة المدينة وتواجد "قسد" داخلها.
وأشارت المصادر، إلى أن قوات النظام وأخرى روسية، قدمت عرضاً لـ"قسد"، يتم بموجبه انسحاب "قسد" بكافة اجهزتها العسكرية والامنية باتجاه سد تشرين، على أن تتقدم قوات النظام وتصل إلى اطراف منبج، حيث تعقد "مصالحة" مع السكان والمنشقين، وتقوم بإدارة المدينة، إلا أن قادة "قسد" رفضوا العرض، وأصروا على حاجتهم فقط لنقاط مشتركة مع قوات النظام، أو نقاط فاصلة بينهم وبين الجيش الحر والقوات التركية.
ولا يبدو أن القوات الأميركية والفرنسية راضية عن سير المحادثات بين "قسد" والنظام وروسيا. وكثفت قوات "التحالف" دورياتها في المناطق التي نشر فيها النظام حشوده قرب معبر التايهة، وعند قرى تل اسود والحمر، كما تفقدت قوات "التحالف" الخطوط الأمامية لجبهة العريمة.
مصدر من "قسد"، قال لـ"المدن"، إن القوات الأميركية تحاول إيجاد سبل للتعاون بين "قسد" والأتراك، ونقلت لـ"قسد" مطالب تركية أبرزها خروج عناصر وقادة محددين من "وحدات الحماية" الكردية من منبج، وأن تتسلم المدينة إدارة مدنيّة تضم بعض ابنائها المنشقين والمُهجّرين عنها، على أن تُشرف القوات التركية بشكل كامل على المدينة. "قسد" رفضت المطالب التركية، بحسب المصدر. ودفعت "وحدات حماية الشعب" الكردية برتل كبير وصل الى منبج، ليل الإربعاء/الخميس، لمواجهة أي تصعيد من القوات التركية و"الجيش الوطني".
وباتت حشود قوات النظام على أطراف منبج مصدراً للقلق بالنسبة للسكان المدنيين، خاصة أن فصائل "الجيش الوطني"، المدعومة من تركيا، أوقفت معركة مفترضة باتجاه منبج بعد أقل من ساعة من إعلان إطلاقها قبل يومين، من دون إيضاح الأسباب.
وحول حشود قوات النظام، قال الناطق باسم "الجيش الوطني" يوسف الحمود، لـ"المدن"، إنها عبارة عن محاولة روسية للضغط لتحصيل مكاسب. وأشار الحمود إلى أن مسألة منبج تخضع لاتفاقات دولية ولا يمكن لقوات النظام أن تتجاوزها. وأضاف أن "الجيش الوطني" سيدخل منبج إذ أن سيطرة النظام عليها تعني كارثة جديدة على المنطقة، وموجة نزوح كبرى باتجاه مناطق المعارضة شمالي حلب. وهذا ما يدفع "الجيش الوطني" لحشد كافة إمكانياته للسيطرة على منبج، وتخليصها من سيطرة "قسد" وحمايتها من قوات النظام.
وأوضح الحمود، أن "الجيش الوطني" ملتزم بمسار التفاوض الذي يقوم به "الحليف التركي مع الدول الفاعلة"، وهناك اتفاق واضح بأن انسحاب القوات الأميركية من منبج، أو غيرها، سيعقبه دخول قوات تركية وقوات "الجيش الوطني"، لذلك "نعتبر حشود نظام الأسد مجرد ورقة ضغط على تركيا من قبل روسيا لتحصيل مكاسب أخرى".
وحول توقف معركة السيطرة على منبج، بعد إعلان قادة عسكريين في "الجيش الوطني" انطلاقها، أكد الحمود لـ"المدن"، أن المعركة لم تبدأ لتنتهي، وأن تسرّعاً بالإعلان عنها من قبل بعض قادة "الجيش الوطني" جاء بالتزامن مع تجهيز تركيا للقواعد العسكرية ومحاور القتال، والتي كانت عبارة عن رفع جاهزية وتحضير للمعركة.
مصادر "المدن" أكدت أن عملية السيطرة على منبج والتي أعلن عنها منذ يومين، توقفت بطلب من الجانب التركي، وتم تأجيلها بهدف إجراء المزيد من المفاوضات التركية مع روسيا وأميركا.
وتواصل القوات التركية ارسال المزيد من التعزيزات العسكرية إلى محيط مدينة منبج، ووصلت دفعة ضخمة من الدبابات الحديثة من طراز "ليوبارد" إلى القواعد العسكرية المنتشرة على محاور جبهات القتال ضد "قسد".
وبات وضع منبج الميداني والسياسي معقداً للغاية بعد دخول روسيا على خط التحشيد للسيطرة عليها. ومع ذلك، يحاول الطرفان الروسي والتركي، الحيلولة دون حدوث مواجهات عسكرية مباشرة بين قوات النظام وبين قوات المعارضة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها