على بعد أمتار من الحدود الأردنية/السورية تنتظر عشرات الشاحنات دورها للدخول إلى سوريا بعدما أفرغت حمولتها في الأردن. مشهدٌ يعكس انتعاش اقتصاد المدن الحدودية الأردنية إثر فتح الحدود بعد سنوات من الإغلاق، ولكنه لا يخفي أزمات بدأت بالظهور كالتهريب وعودة الاعتقالات لأردنيين على الأراضي السورية.
الانتعاش الاقتصادي حمل معه أزمات جديدة، إذ سجّلت الأردن رسمياً حدوث أول اعتقال لمواطن أردني في سوريا، الأحد، ونقلت وسائل إعلام أردنية عن وزارة الخارجية وشؤون المغتربين، أن مركز عملياتها تبلغ بتوقيف مواطن من قبل السلطات السورية، وتم نقله إلى دمشق، حيث تتابع السفارة الأردنية في دمشق الموضوع عن كثب.
حركة النقل بين البلدين استؤنفت بموجب أحكام اتفاقية النقل البري بينهما الموقعة في العام 1999، ومذكرة التفاهم الموقعة في العام 2009. وفي ظلّ وجود مئات آلاف اللاجئين السوريين على أراضيها اشترطت الأردن حصول المواطن السوري القادم إلى الأردن على موافقة أمنية مسبقة من الخارجية الأردنية، ولم تسمح بدخول المركبات السورية الخاصة.
وتشهد بوابة حدود جابر ازدحاماً شديداً للمركبات الأردنية الخاصة والعمومية، والعمومية السورية، فضلاً عن الشاحنات الأردنية والسورية، منذ الثامنة صباحاً، وحتى الرابعة عصراً. لكن الحركة في المنطقة الحدودية تستمر طيلة ساعات الليل.
مصدر محلي في قرية جابر السرحان، الأردنية الحدودية، قال لـ"المدن": "في ساعات الليل المتأخرة تبدأ السيارات بالوصول للحصول على ورقة دور، وبعض السيارات التي تصل خلال الدوام الرسمي للمعبر الحدودي قد لا يحالفها الحظ بالدخول من شدّة الازدحام".
ونقلت وسائل إعلام أردنية عن مدير مركز حدود جابر العقيد علي عويس، أن مجموع المركبات التي دخلت وغادرت الأردن منذ افتتاح معبر جابر/نصيب، أكثر من 14 ألفاً، بمعدل 600 إلى 700 مركبة يومياً، فيما بلغ عدد الشاحنات المحملة بالبضائع، التي دخلت مركز حدود جابر نحو 350 شاحنة.
وكانت "هيئة تنظيم النقل البري الأردنية" قد قالت أواخر تشرين الأول/أكتوبر إنها ستتخذ الإجراءات اللازمة لإعادة 850 مركبة سفريات كانت عاملة على خط الأردن–الشام، قبل أن يتم تحوّيلها في سنوات الحرب إلى خطوط أخرى داخلية وخارجية.
وكما غيرها من المناطق الحدودية، كانت قرية جابر السرحان طيلة السنوات الماضية نائية موحشة، خاصة في ساعات الليل، إذ تعتمد على الحركة المرورية والتجارية بين البلدين.
ومع الانتعاش الاقتصادي للمدن والقرى الحدودية، أغرقت أصناف البضائع السورية المستوردة والمهربة، أسواق محافظتي الرمثا والمفرق الأردنيتين الحدوديتين.
فتح الحدود انعكس على توفر أصناف البضائع السورية المستوردة والمهربة في الأسواق الأردنية، لا سيما في مدينتي الرمثا والمفرق الحدوديتين، بما فيها زيت الزيتون والسجائر الأجنبية بأنواعها. مصدر من مدينة المفرق الحدودية، قال لـ"المدن"، إن كلفة بعض أنواع الدخان المهرّب من سوريا لا تتجاوز 30% من سعرها في الأردن. وتباع علبة من نوع إليجانس بمبلغ دينار أردني، بينما يبلغ سعر الكروز المهرّب منها من سوريا 2.90 ديناراً.
مصادر محلية قالت لـ"المدن" إن محافظة الرمثا هي المركز الرئيسي للبضائع السورية في الأردن، ومنها يتمّ التوزيع إلى المحافظات الأخرى، وبحسب تاجر أردني، فإن ما يسمى "البحارة" أصحاب السيارات التي تتنقل بين الحدّين غالباً هم من أبناء محافظة الرمثا، وحالياً معظم المركبات العمومية الصغيرة العاملة بين البلدين هي لأبناء الرمثا الأردنية، ودرعا السورية.
ورغم الترحيب الرسمي والشعبي بفتح الحدود بين البلدين، إلا أن دخول البضائع "غير المنضبط" إلى الأردن، ينذر بمشكلات اقتصادية جديدة. إذ بدأت جهات رسمية أردنية تحذّر من بعض الأصناف الغذائية كزيت الزيتون. ويبلغ سعر عبوة زيت الزيتون السوري، 16 ليتراً، نحو 25 دينار أردني، بينما يصل سعر مثيلتها الأردنية إلى 100 دينار.
الجهات الرسمية الأردنية حذّرت من "وجود زيت سوري مغشوش في الأسواق الأردنية"، ولكن مصادر قالت لـ"المدن": "الزيت العابر للحدود قد لا يصل إلى جودة الزيت الأردني، ولكن الزيت الأردني من الأصناف المحلية التي توفر عائداً اقتصادياً للأردنيين، ودخول الزيت السوري وأصناف أخرى منافسة للأصناف الأردنية سيفسد ما أصلحه فتح الحدود بين البلدين".
وانعكس فتح الحدود على حركة المركبات والشاحنات من دول الخليج، إذ بدأت شركات النقل البري في السعودية بتنظيم رحلات دورية لنقل المسافرين إلى سوريا. كما بدأت الحركة التجارية بين الخليج ودمشق أيضاً. أحد المسافرين من السعودية قال لـ"المدن": "على طول 300 كيلومتراً، من الحدود السعودية–الأردنية وصولاً إلى الحدود السورية، تنشط حركة الشاحنات والحافلات القادمة من السعودية إلى الحدود".
الحكومة الأردنية سمحت بدخول السوريين من دول الخليج إلى أراضيها بسياراتهم الخاصة ذات اللوحات الخليجية، بعد منع ذلك في السنوات الماضية. الأردن تشددت خلال السنوات الماضية حيال دخول السوريين إلى أراضيها، إلا لحملة الإقامات الخليجية أو الأوروبية والأميركية. كما منعت الأردن السوريين في دول الخليج من إدخال مركباتهم الخاصة طيلة الفترة الماضية.
ورغم الارتياح في الأوساط الأردنية بفتح الحدود البلدين، إلا أن مصادر عدّيدة قالت لـ"المدن" بأن الأوضاع الاقتصادية لن تعود كما كانت قبل ربيع العام 2011، إلا إذا فتحت الحدود على مدار الساعة، وسهّلت الحكومة الأردنية دخول وخروج السوريين.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها