آلاف الدولارات التي دفعها القيادي في "الدولة الإسلامية" محمد الظاهر "أبو مصعب" لم تساعده على الفرار من سوريا، بعدما تعرّف عليه بعض مقاتلي الجيش الحر على أحد حواجز ريف حلب الشمالي، ليتم اعتقاله والتحقيق معه. وأبو مصعب، كان أبرز أمنيي "داعش" في مدينة الرقة، ومسؤول عن مقتل العشرات من أبناء المدينة، وعن حالات الخطف والإعدام الميداني. محاولة هروب أبو مصعب، لم تتكلل بالنجاح، لكن العشرات من مقاتلي التنظيم من المهاجرين والأنصار، تمكنوا من الفرار إلى مناطق سورية مختلفة، وبعضهم إلى الأراضي التركية، ومنها إلى أوروبا.
وبدأت عملية الهرب من الرقة، قبل سقوطها بيد "قوات سوريا الديموقراطية"، عبر وسطاء من أبناء المنطقة يعملون كوسطاء مع عناصر من "قسد". وتترواح تكاليف تهريب الدواعش بين 3 و10 آلاف دولار، بحسب مرتبة أعضاء التنظيم.
وفور تسليم الوسيط المبلغ لعناصر "قسد"، يتم منح الداعشي "ورقة مَهمّة" تمكنه من الحركة في مناطق "قسد"، بحرية من دون تفتيش. محمد عبيد العمر، القيادي في "الدولة الإسلامية" من قبيلة الشعيطات، وأحد مرتكبي مجزرة الشعيطات، كان قد نسّق مع مليشيا "قسد" على تسليم نفسه مقابل 200 ألف دولار للإبقاء على حياته، بالتعاون مع ضابط المخابرات في "وحدات حماية الشعب" المعروف باسم عمش المصري. "وحدات الحماية" أطلقت سراح العمر بعد اعتقاله لمدة 40 يوماً فقط، وهو الآن موجود في مناطق سيطرة "قسد" في الحسكة.
وقد ينتقل الداعشي من مناطق "قسد" في ريف الرقة باتجاه الشمال السوري الذي تسيطر عليه المعارضة. وقبل الوصول إلى ريف حلب الشمالي، وعند حواجز الجيش الحر، تتم أيضاً وعبر الوسطاء أنفسهم عملية دفع مبلغ يتراوح بين 1000 و5000 دولار، لعناصر متعاونين من فصائل "درع الفرات" ليتم السماح للدواعش بإكمال طريقهم باتجاه الحدود التركية أو إدلب.
بعض الدواعش تواصلوا بشكل مباشر، من دون وسطاء، مع عناصر "قسد" في الرقة وريفها، وحصلوا على "بطاقات عبور" بعد دفع مبالغ مالية طائلة، بغرض الوصول إلى مناطق الجيش الحر، حيث نسقوا أيضاً مع عناصر من فصائل الجيش الحر ومع مهربين ليتم منحهم وثائق مزورة تتيح لهم دخول تركيا من معبر باب السلامة. وغالباً ما تكون الوثائق المزورة عبارة عن "بطاقة تاجر" وتُكلّف 5 آلاف دولار، ويصدرها المعبر السوري والتركي في باب السلام وباب الهوى، وتخوّل التاجر التنقل بين سوريا تركيا.
العقيد منير مطر حمود الاحمد، المنشق سابقاً عن قوات النظام والملتحق بعد ذلك بتنظيم "الدولة" حيث أسس مجموعة "أنصار الخلافة"، تمكّن مؤخراً من الوصول إلى أورفا في تركيا. الأحمد هرب في البداية إلى بلدة معدان في ريف الرقة قبل التوجه إلى تل أبيض ومن ثم إلى مدينة منبج في ريف حلب الشرقي، والواقعة جميعها تحت سيطرة "قسد". وبعد ذلك وصل مدينة جرابلس متخطياً حاجز عون الدادات الفاصل بين مناطق سيطرة "قسد" و"درع الفرات". وعبر معارفه في فصيل تابع للمعارضة من أبناء مدينة ديرالزور، انتقل إلى مدينة إعزاز. وهناك، عبر وسطاء، حصل على "بطاقة تاجر" وتمكن من دخول مدينة كلس، وشوهد قبل نحو أسبوع في مدينة أورفا التركية.
الوسطات العشائرية والقرابية لعبت دوراً كبيراً في مساعدة عناصر التنظيم السوريين بالهرب إلى خارج سوريا. وتتم عمليات تهريبهم عبر أقاربهم من العشائر المنتشرة على طول الحدود السورية التركية. ولا يخلو ذلك أيضاً من دفع مبالغ مالية كبيرة.
بعض المقاتلين الأوروبيين والأجانب والعرب، سلكوا طرقاً مختلفة للوصول إلى تركيا، وبعضهم دفع مبالغ تجاوزت 30 ألف دولار لقاء تهريبه إلى أقليم كردستان العراق ومنه إلى تركيا عبر الجبال الوعرة، أو عبر طرق سرية وانفاق بالقرب من مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي.
حنظلة السعودي، المسؤول عن قسم الاتصالات في "داعش"، والضالع في العديد من الجرائم والتصفيات الميدانية لمدنيين من ديرالزور، والمسؤول عن تسلم الحوالات المالية الآتية عن طريق أقاربه في الخليج، تمكن من الفرار برفقة مجموعة من المنتمين للتنظيم من قرية الطيانة في ريف ديرالزور الشرقي إلى مناطق سيطرة "قسد" في ريف ديرالزور الشمالي الغربي. وبعد ذلك، انتقل السعودي إلى مدينة تل أبيض على الحدود السورية التركية، وبعد مكوثه فيها لأيام انتقل إلى تركيا عبر مهربين. وفقدت أثاره بعد ذلك.
الهجرة العكسية لعناصر وقادة التنظيم المُهاجرين، لم تنتهِ في الشمال السوري، ولا حتى في تركيا، إذ تمكن العشرات من العودة إلى بلدانهم الأوروبية عبر اليونان، كما وصل عدد من الدواعش السوريين إليها أيضاً.
وبعد أن يتمكن الدواعش من دخول تركيا، والتي تمثّل المحطة الأصعب في رحلة الهرب العكسية، ينتقل المُهاجرون الأجانب الذي فقدوا وثائقهم إلى اليونان عبر طرق التهريب البرية أو البحرية، من خلال شبكات المهربين المرتبطة بشكل وثيق بشبكات المافيا.
ضياء مصطفى البطي، من مدينة موحسن في ريف ديرالزور، كان أمنياً في القاطع الجنوبي من ديرالزور، وقد وصل إلى اليونان بعد دفعه 40 ألف دولار للمهربين، برفقة حارث الجيجان، أحد عناصر التنظيم. وتمكن ناشطون من توثيق هرب البطي والجيجان إلى اليونان.
عشرات الاوروبيين الدواعش، الذين كُشف أمرهم في ريف حلب الشمالي، تم تسليمهم إلى المخابرات التركية من قبل فصائل المعارضة. في حين يرفض المقاتلون الروس أو الشيشانيون أو التركستانيون العودة إلى بلادهم، مفضلين الانتقال إلى محافظة إدلب، حيث وصل العشرات منهم عبر طرق برية في ريف حماة الشرقي وكذلك عبر ريف حلب الشمالي.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها