وسيطرت "قسد" التي تمثل "وحدات حماية الشعب" الكردية قوتها الرئيسية، على قرية الوحشية ومزرعتها ومزرعة فافين ومعمل الإسمنت بالقرب من مزارع فافين وكفر قارص، بالتشارك مع قوات النظام، في حين، بسطت قوات النظام سيطرتها، في ذات الوقت، على قرى تل شعير وتل قراح وتل سوسين و"مدرسة المشاة"، بدعم جوي من طيران النظام والطيران الروسي.
استيلاء مليشيات النظام و"قسد"، على مدرسة المشاة، من يد "داعش"، من دون قتال تقريباً، شكّلت إهانة كبيرة للجيش الحر الذي سبق وانتزعها من يد قوات النظام أواخر العام 2012، ودفع لقاءها تضحيات كبيرة، قبل أن تستولي عليها "داعش"، وتقدمها لاحقاً على طبق من ذهب للنظام و"قسد".
وجاء الهجوم المشترك لـ"وحدات الحماية" وقوات النظام، على مواقع "داعش"، خشية من سيطرة فصائل الجيش الحر المنضوية في "درع الفرات" عليها. تطور جديد من نوعه، أبرز بشكل كبير حجم التعاون العسكري بين الطرفين، وأظهر أنه ترجمة عملية لتصريحات سابقة لما سمي بـ"المقاومة الوطنية السورية" التي شُكّلت سابقاً في عفرين، شمال غربي حلب.
وكالة "سانا" كانت قد أعلنت سيطرة قوات النظام على قرى في ريف حلب الشمالي بالتعاون مع "القوات الرديفة" ما فسّر على أنه إشارة لـ"قسد". كما أعلنت وكالة أنباء "هاوار" التابعة لـ"حزب الاتحاد الديموقراطي"، سيطرة "القوات الثورية المشتركة" على تسع قرى ومزارع في ريف حلب الشمالي، بعد معارك قالت إنها "عنيفة" مع تنظيم "داعش".
وتسعى مليشيات النظام، من خلال تعاونها المتبادل مع "قسد"، إلى تأمين جبهتها الشمالية، والتي باتت شبه مكشوفة لمقاتلي الجيش الحر في "درع الفرات". فالمعارضة وفي إطار سعيها للوصول إلى مدينة الباب لتحريرها من سيطرة "داعش"، كانت بحاجة إلى تأمين المنطقة غربي مدينة الباب من "داعش"، لتؤمن خاصرتها الغربية. إلا أن تقدم "وحدات الحماية" قبل أيام، واحتلالها قرية تل مضيق التي كانت قد حررتها "درع الفرات" من "داعش"، كانت إعلاناً عن محاولة "قسد" منافسة "درع الفرات" والتقدم بمحاذاتها جنوباً إلى الباب. الجديد كان في دخول مليشيات النظام، ودعمها لـ"قسد". وفي مسعى قوات النظام، يبدو أنه خدمة لهدفين: الحفاظ على التوتر بين "قسد" و"درع الفرات" واستغلال الصراع المحتمل بينهما في الطريق إلى الباب من جهة، ودعم تقدم "قسد" لتشكيل منطقة عازلة بين "درع الفرات" وقوات النظام، تملؤها القوات الكردية، من جهة ثانية.
من جهتها، تسعى "قسد" للوصول إلى محيط مدينة الباب، قبل وصول الجيش الحر إليها، لوصل كانتون عفرين بكانتون كوباني، عن طريق وصل الباب ومنبج، وهي مهمة صعبة ومعقدة. وأفضل وسيلة لتحقيق ذلك، هي التعاون مع قوات النظام، والتقدم بسرعة من خلال محاذرة مناطق سيطرتهما. وبمعنى آخر، فما يحدث هو تبادل مصالح بين "قسد" ومليشيات النظام، لتوسيع مناطق سيطرتهما في ريف حلب الشرقي، والوقوف بوجه "درع الفرات"، وعرقلة وصولها إلى مدينة الباب. وكل ذلك، يحدث ضمن غموض الاتفاقات الدولية والتفاهمات الإقليمية.
وبحسب مراقبين، ربما تتخلى "قسد" في الوقت الحالي، عن ربط مناطق سيطرتها في الجزيرة وعين العرب "كوباني" وعفرين، وعدم السيطرة على مدينة الباب، والاكتفاء بتأمين طريق لها بين كانتوناتها، يمر من جنوب الباب، بالاتفاق مع قوات النظام. ويعود ذلك لأسباب متعددة، أهمها؛ عدم قدرة "قسد" على المواجهة العسكرية مع تنظيم "داعش" في المدينة والتي تعتبر أقوى تحصيناً من مدينة منبج، وتشكل مركز "ولاية حلب" بالنسبة لتنظيم "الدولة الإسلامية". ذلك بالإضافة لخسارتها أعداداً كبيرة من مقاتلي "قسد" في معركة منبج، وعدم قدرتها على فتح معركة بهذا الحجم، خصوصاً أن الوصول إلى الباب، يعني مواجهة حتمية مع قوات الجيش الحر، والتي باتت تتمتع بغطاء جوي كبير، ودعم عسكري كبير من الجانب التركي.
وتشكل مدينة الباب تحدياً كبيراً لمن يريد مهاجمتها، ومسألة تخطيط التنظيم للحفاظ عليها، قد تتضمن تحويلها طعماً للصراع بين الجيش الحر و"قسد" وقوات النظام.
وفي موازاة ذلك أعلنت فصائل تابعة للجيش الحر، من مدينة منبج، الأحد، عن تشكيلها "مجلساً عسكرياً" يتبع لـ"المجلس المحلي الثوري" الخاص بمنبج، في مدينة جرابلس، ويهدف لطرد "قسد" من منبج وإدارتها لاحقاً.
وقال "المجلس العسكري" لمدينة منبج، التابع لـ"قسد" إنه "من المحال أن يسمح الشعب بدخول درع الفرات إلى منبج فهي مثل مثيلاتها من داعش". وتؤكد مصادر متطابقة من منبج، أن المسيطر الرئيسي على المدينة، هو حزب "الاتحاد الديموقراطي" فرع "العمال الكردستاني" في سوريا، وذراعه العسكرية "وحدات حماية الشعب". وتؤكد المصادر أن القوى العربية قي "قوات سوريا الديموقراطية"، هي عبارة عن واجهة إعلامية لتخفيف الضغوط عليهم.
ومن المرجح، أن الجيش الحر، هو الأقرب للسيطرة على مدينتي الباب ومنبج، إلا أن عيون مقاتليه لاتزال معلقة على مدينة تل رفعت والقرى المحيطة بها والتي سيطرت عليها "قسد" بدعم الطيران الحربي الروسي. وهو ما يشكل ضغطاً شعبياً على الجيش الحر لاستعادة تل رفعت وإعادة أهلها النازحين على الحدود السورية-التركية، الذين هجّرتهم "قسد"، والانتقال بعدها إلى الباب ومنبج.
وترسم التطورات في الشمال السوري، أبعاداً جديدة للصراع، وسط رغبة تركية بالمشاركة في معركة تحرير الرقة بعد السيطرة على الباب ومنبج، عبر الجيش الحر في إطار عملية "درع الفرات".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها