مئات النازحين في عراء وسط بيروت وكورنيشها البحري
تشرّد جماعيّ
ويضيف: "وصلنا إلى البحر واستلقينا على الأرض، لا نملك أي وسادة أوغطاءٍ، نريد الهروب من أصوات الطيران، ألقينا رؤوسنا على صناديق من الكرتون. في الصباح، قدّم لنا أحد الأشخاص بعض الفرش الإسفنجية، ولكننا لم نجد أي غرفة داخل مراكز الإيواء لأنها ممتلئة". ويؤكد أنه ما من أحد يتابع أحوال الأهالي على الطرقات، ويقول: "الدولة غير متواجدة هنا، لا نعلم أي شيء عن مصيرنا، خسرنا البيوت وأشغالنا، والمدارس ممتلئة، بعض الجمعيات تحاول مساعدتنا، ولكن جميع المساعدات غير كافية إذ نحتاج إلى مأوى للنوم فيه!".
في اليومين الأخيرين، نزح حوالى نصف مليون لبناني من أهالي الضاحية الجنوبيّة فقط، توزعوا في بيروت وأطرافها. افترشوا الأرض في الحدائق العامة وعلى أبواب الجوامع وعلى الشاطئ البحري لبيروت. عند أطراف البيال، وضعت العائلات الخيم البلاستيكية (التي تُستخدم عادة خلال رحلات التخييم). وجزء كبير منهم افترش الأرصفة وقضوا ليلتهم على الأرض.
وعند أبواب مسجد الأمين في بيروت، تتجمع العائلات النازحة. وحسب معاينة "المدن"، هناك أكثر من 300 شخص ينتشرون على أدراج المسجد، وهم عائلات من الضاحية الجنوبية (طريق المطار)، ومعهم عشرات العائلات السورية، الذين نزحوا من أطراف منطقة طريق المطار.
مصير مجهول
وجوهٌ غاضبة. أجساد خائفة، مصير مجهول. يهابون عدسات الكاميرات، يرفضون توصيف مشاعرهم. في داخلهم، تختلط المشاعر؛ الغضب، الخوف، الانكسار، والاحباط. لم يعد للكثيرين أي مأوى لهم في الضاحية الجنوبية أو في جنوب لبنان. وأمام هذا العجز، عبارة واحدة تُردد على ألسنة الكثير من النازحين؛ "ليتنا لم نغادر بيوتنا..".
في بيروت، لم يفتح مسجد الأمين أبوابه. وتفيد إحدى العائلات المتواجدة على أدراجه، "أنهم يتوزعون على أدراج الجامع لأن أبوابه مغلقة".
يقول أحمد لـ"المدن" وهو نازح لبناني، أن "90 عائلة (لبنانية وسورية)، متوزعة على أدراج الجامع، وفي ساحة الشهداء". ويشرح قائلًا: "أصحاب المطاعم يقدمون لنا بعض الوجبات اليوميّة، وبعض الجمعيات تحاول تأمين الحليب والمياه، لكن الوضع سيئ جدًا، هناك مرحاض واحد يستخدمه أكثر من 200 شخص، والنساء تحتاج إلى الحليب لأطفالهن والحفاضات". ويتابع: "نحاول تسجيل الأسماء على ورقة صغيرة، خرجنا من البيوت من دون أي أغراض خاصة، حتى أن بعض الأطفال بحاجة إلى أحذية وملابس داخلية..".
يحاولون التعايش مع الحرب، وعند اشتداد أشعة الشمس، يتوزعون تحت الأشجار وفي الحدائق، وعند مداخل المباني القريبة من ساحة الشهداء، وفي الليل يعودون إلى أدراج جامع الأمين والأماكن الخالية المحيطة به. بجانب كل عائلة أكياس صغيرة، حملوا ما تيسّر أمام أعينهم. وللهروب قليلًا من أتون الحرب، يشعلون النرجيلة، ويدخنون السجائر. ربما، يتناسون واقعهم المرير للحظات قصيرة.
المئات متروكون لمصيرهم. لم يشهد اللبنانيون قط أيامًا ثقيلة كتلك التي عاشوها خلال الأيام الأخيرة. نزوح جماعيّ غير مسبوق، تشرّد، نقص حاد في جميع المواد الضرورية، المياه، الحليب، الطعام، الأدوية، الفوط الصحية، الحفاضات..". والمؤكد أن هذه الحرب فاقت بقساوتها حرب تموز العام 2006. اليوم، يقف جميع اللبنانيين أمام مصيرٍ ضبابيّ، خصوصًا بعد أن فقدوا "الأمان" في بلدهم.