النازحون إلى الشمال: الرغبة بالاحتضان دونها نقص كبير بالمساعدات
مع تمادي العدوان الإسرائيلي على لبنان، نزحت مئات الأسر الجنوبية ومن البقاع والضاحية الجنوبية لبيروت نحو الشمال. ويذكّر هذا المشهد بأحداث حرب تموز 2006 التي دفعت الكثيرين للهروب والبقاء في الشمال. وحينها، أصبحت طرابلس وما يحيط بها من أقضية وقرى، ملاذًا آمناً للهاربين من العنف والدمار.
وأمام مدخلها، احتشدت مجموعة من أبناء طرابلس، لاستقبال بعض الأسر القادمة من الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، بعد رحلة شاقة امتدت لأكثر من عشرين ساعات على الطرقات.
حسين محمد درويش، أحد النازحين من قرية صربّين في قضاء بنت جبيل، وصل مع أفراد عائلته إلى المنية، وينتظر انضمام بقية أفراد العائلة المكونة من نحو 40 شخصًا. في لقاء مع "المدن"، يقول حسين: "كانت رحلة مريرة، لكن البقاء في بنت جبيل أصبح مستحيلاً. هنا في المنية أشعر بأنني بين أهلي، رغم الألم والخوف الذي يعترينا بسبب العدوان الإسرائيلي".
"الكواليتي إن"
وفي إطار الإغاثة، أعلن وزير الاقتصاد أمين سلام، فتح فندق "كوالتي إن" في طرابلس أمام النازحين، باعتباره وزير وصاية على معرض رشيد كرامي الدولي.
وقال سلام: "تبعًا للقاءاتي بأهالي طرابلس، شعرت بلهفتهم بأن يلعبوا دورًا تضامنيًا باستقبال وإيواء وتقديم المساعدة لأهالي الجنوب والبقاع".
لكن الفندق يواجه تحديات كبيرة بسبب نقص التجهيزات الأساسية لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الأسر النازحة، حيث تجاوز عددهم 400 عائلة.
تحضيرات المحافظة
رئيس بلدية طرابلس، رياض يمق، نوّه لـ"المدن" بأن البلديات تنتظر توجيهات وزارة الداخلية للتحرك ضمن خطة طوارئ لإغاثة النازحين. فيما قاد محافظ الشمال رمزي نهرا، اجتماعًا للجنة إدارة الكوارث في ظل الحاجة إلى تعزيز الجهوزية وتوفير المستلزمات الأساسية مثل الأغطية والطعام والخدمات الصحية. كما تم إنشاء غرفة عمليات في السرايا لاستقبال اتصالات النازحين.
وبحث الاجتماع في كيفية تعزيز الجهوزية الكاملة وتقديم المساعدات السريعة من فرش وبطانيات ومياه وطعام والخدمة الطبية للنازحين، عقب اعتداءات اسرائيل على قرى وبلدات الجنوب والبقاع والهرمل والضاحية الجنوبية وغيرها من المناطق.
ولفت نهرا الى أن ثمة غرفة عمليات في السرايا لاستقبال اتصالات النازحين على الرقم (06443121)، مؤكداً أن آلاف العائلات وصلت إلى طرابلس وزغرتا والكورة والبترون والمنية والضنية، و"يعمل أعضاء اللجنة بالتعاون مع المنظمات الدولية على استقبالهم وتوجيههم الى المراكز المحددة".
على الصعيد نفسه، يقوم محافظ عكار بالتنسيق مع البلديات لإجلاء البيانات الضرورية، وتحديد أماكن تواجد النازحين ومراكز إيوائهم. وتحدث عن نقص كبير في المواد الأساسية للمساعدة.
وقال: "لغاية اليوم، هناك نقص حاد في المستلزمات المطلوبة، ولم نحصل على أي شيء، ومن الضروري أن يكون لدينا أبسط المقومات لمساعدة الوافدين إلينا".
مراكز الإيواء
وفي حديث مع "المدن"، قالت قائم مقام محافظة الشمال إيمان الرافعي، بأن اجتماع المحافظة رشح عنه تشكيل خلية مصغرة من أعضاء لجنة إدارة الكوارث، للإشراف على مراكز الإيواء. ورسميًا، وبالتنسيق مع اللجنة الوطنية، تم افتتاح ثلاث مدارس في زغرتا لإيواء النازحين (اثنين منهما امتلأت)، إضافة إلى أربع مدارس في طرابلس، وكذلك المعهد الفندقي في الميناء، ومدرستان في البترون.
وتشير الرافعي إلى وجود نحو أربعة تجمعات غير رسمية في الشمال للنازحين، وتضم مختلف المراكز حتى الآن أكثر من ألفي نازح، والرقم مرشح للارتفاع.
أما المنظمات الدولية، التي تتولى تزويد المراكز والنازحين بمختلف حاجاتهم الغذائية والمعيشية والصحية، فهي الصليب الأحمر الدولي، إضافة إلى اليونيسف والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومؤسسات أخرى، وجمعيها تقوم بالتنسيق مع الـUNDP.
وتدعوا الرافعي إلى عدم اتخاذ أي مدير لقرار فتح مدرسته أمام النازحين، قبل الرجوع إلى المحافظة ولجنة إدارة الكوارث، التي ما زالت تجري التقييمات اللازمة للمدارس القابلة لاستقبال النازحين الذين تتزايد أعدادهم يوميًا في الشمال.
بيوت للاستقبال؟
في هذا الوقت، فتح الكثير من أبناء طرابلس منازلهم أمام النازحين، لا سيما من تربطهم بهم علاقة معرفة أو صداقة أو زمالة، كما عرض كثيرون منازلهم شمالًا للاستقبال على منصات التواصل الاجتماعي. وفيما ارتفع الطلب على استئجار المنازل في طرابلس وجوارها، تسبب ذلك باستغلال بعض السماسرة والمالكين لحاجة النازحين، فرفعوا إيجارات المنازل إلى ضعفها على الأقل. مثلًا، من كان يؤجر منزله في قرى قضاء الكورة بـ300 دولار، أصبح الآن يعرضه بما لا يقل عن 700 دولار، مما عكس هذا الواقع سلبًا على أبناء طرابلس أنفسهم.
جهوزية حزب الله
توازيًا، يعتمد الآلاف من النازحين على تحضيرات حزب الله في الشمال. وسبق أن وضع الحزب خطة إيواء متكاملة في الشمال (راجع المدن)، لا سيما أن تمدده شمالًا، صار جليًا حتى قبل 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، على مستوى تقديم الخدمات والمساعدات الصحية لأبناء طرابلس وجوارها.
وعمل الحزب سابقًا، عبر جمعية "وتعاونوا"، على تجهيز منازل مفروشة وأبنية ومراكز مدنية ودينية، تتوفر فيها مقومات الحياة اليومية، وتتوفر فيها إمدادات المياه والصرف الصحي، وهي جاهزة راهنًا لاستقبال النازحين.