"معالجة" ملف اللاجئين: خطة لبنانية لن ترضي أحداً
صباح اليوم الإثنين 15 نيسان الجاري، عُقد لقاءٌ وزاري تشاوريّ في السّراي الحكوميّ، في العاصمة بيروت، وخُصص للتداول في آخر المستجدات الأمنية والاقتصادية، وتحديدًا موضوع اللاجئين السّوريّين، وسُبل الدفع لحلّ هذه المسألة بصورةٍ عاجلة، تحضيرًا لانعقاد مؤتمر بروكسل الثامن. وذلك تماشيًّا مع الاستنفار العام الذي شهدناه في الأيام الأخيرة (راجع "المدن")، بما يكتنفه من تهويلٍ رسميّ غايته الاستثمار السّياسيّ والاستعراض الأمنيّ. وبُعيد الاجتماع نُشرت عدّة تصريحات نُسبت لوزير الداخليّة بسام المولويّ، قائلًا فيها أن الوضع خطير، ومن" أصل مليوني نازح سوري، فقط 300 ألف لديهم إقامة و800 ألف مسجلين ومليون و200 ألف غير مسجلين". لتعود وتنفي الوزارة، حديث الوزير عن أرقام مُحدّدة.
وبالعودة إلى الاستنفار، فقد تمكن أخيرًا من الوصول إلى غايته، وجعل من مسار التضليل والانتهاكات الّتي تقابله، مُحببًّا وشرعيًّا لدى سواد اللّبنانيين.. والمسار الذي بدأ بمقتل منسق حزب "القوّات اللّبنانيّة" في جبيل، باسكال سليمان، وما لحقه من مواقف حزبيّة ورسميّة، قد تكلّل بتصريحات رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، الذي "بشّر" المواطنين، بأن حلّ "مسألة اللاجئين" بات قريبًا، وهو وحكومته في صدّد تحضير خطّة حكوميّة تتصل بهذا السّياق. وعلى هذا الوضوح، أفتتح ميقاتي موسم الطروحات الرسميّة والحزبيّة، الّتي لا ترقى أن تكون سوى صورٍ متناظرة الانعكاس لكلّ الطروحات التبسيطيّة والسّطحيّة السّابقة، في أحسن الأحوال.
هل تكون الدبلوماسيّة المتأخرة، الحلّ؟
غداة التصريح، أعلن وزير شؤون المهجرين في حكومة تصريف الأعمال، عصام شرف الدين، منذ نحو ثلاثة أيام، أن خطّة إعادة اللاجئين السّوريّين في لبنان إلى بلادهم، ستُستأنف نهاية الشهر الجاري، بالتنسيق مع نظام الأسد. وفي تصريحاتٍ له، قال شرف الدين إنّه "بالنيابة عن الحكومة اللّبنانيّة، سنقوم بالتنسيق مع وزارة الإدارة المحليّة في حكومة النظام السّوريّ لوضع خطة جديدة لعودة اللاجئين"، مشيرًا إلى أنه "تمّ إعداد قوائم النازحين الراغبين بالعودة إلى ديارهم وتسليمها إلى الجهات الأمنيّة". وذكر شرف الدين أن "البرنامج الجديد سيجعل من الممكن تنفيذ الاتفاق الثنائّي مع النظام السوري الذي تم التوصل إليه في أيلول 2023، والذي توقف تنفيذه بسبب تدهور الوضع في الشرق الأوسط، والذي ينصّ على أنه خلال عام سيتمكن نحو 200 ألف سوري من مغادرة لبنان إلى بلادهم". والطرح الأخير يُشابه بروحيته، قرار تركيا الّتي أشارت لبدايّة خطوتها الراميّة لترحيل 200 ألف لاجئ خلال العام 2024.
وفي تصريحٍ آخر قال شرف الدين إن مفوضيّة اللاجئين "تتعمد الامتناع عن كشف بيانات دقيقة حول هذا الملف، تطبيقًا لأجندات سياسيّة غربيّة". وشدّد على أنّ "الجانب اللّبنانيّ طالب المجتمع الدوليّ بعدم التدخل بينه وبين حكومة النظام السّوريّ فيما يتعلق بملف اللاجئين" وإن "الغرب يموّل مفوضيّة اللاجئين وهي تمنح اللاجئ السّوريّ مساعدات هائلة لإبقائه في لبنان" (راجع "المدن"). وأعلن أنّه "طالب بتشكيل لجنة ثلاثيّة تضمّ ممثلين عن لبنان والنظام السّوريّ ومفوضية اللاجئين، مهمتها تنظيم عودة النازحين (اللاجئين) السّوريين إلى ديارهم، ومتابعة أحوالهم اليوميّة في الداخل السّوريّ"، مشيرًا إلى أن هذا المطلب "رُفض من قبل الدول الغربية".
إذًا، وما يُمكن استنتاجه من تصريحات شرف الدين الأخيرة، أن الحلّ الدبلوماسيّ مع الجانب السّوريّ هو الحلّ لمسألة اللاجئين، على غرار الحراك الدبلوماسيّ الذي استهلته قبرص (راجع "المدن")، واليقظة الدبلوماسيّة هذه، بعد تغاضٍ مقصود عن الاضطلاع بالأدوار الجديّة للدفع نحو حلّ مرضٍ ويراعي أوضاع الفئات اللاجئة والمجتمعات المضيفة، في آنٍ واحد.. تطرح تساؤلات جوهريّة حول كيفيّة تطبيق هذا الحلّ بالمرتبة الأولى، الأمر الذي يتطرق إليه الوزير، وما طبيعة المفاوضات الّتي قد تتخلّله، وما موقف لبنان أصلًا من نظام الأسد (هذه المسألة الّتي انقسم حولها اللبنانيون وممثليهم وأحزابهم، عاموديًّا منذ العام 2011 حتّى اللحظة) خصوصًا بعد غياب الدبلوماسيّة اللّبنانيّة، عن مسارات الحلول الدوليّة الّتي طُرحت في وقتٍ سابق، من مسار جنيف مرورًا بمسار أستانة، وصولًا للاجتماعات الدوليّة الدوريّة الراميّة للبحث في هذا المجال.
الطروحات الحكوميّة: وضع اللاجئين ضمن خانات
على متن التصريحات والطروحات، سبق وأشار ميقاتي عقب لقائة البطريرك المارونيّ، مار بشارة بطرس الراعي، لطرحه المرتبط بالمعالجة لملف اللاجئين، قائلًا أن حكومته "تجري اتصالات دوليّة" في هذا الخصوص، ومؤكدًا أن الحلّ يبدأ: "باعتبار معظم المناطق في سوريا، مناطق آمنة لنقوم بترحيل السّوريين الذين قدموا إلى لبنان تحت عنوان لاجئين"، وبالتّالي: "عندما تصبح هناك مناطق أمنة في سوريا واعتراف دولي بهذا الموضوع، سيتم ترحيل معظم السّوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية الذين لا يؤدون أي عمل، أو لا يكونون في لبنان تحت غطاء قانوني". واعتبر رئيس الحكومة اللبنانية أن "لا شيء حاليًا يوحد اللبنانيين حالياً أكثر من موضوع النازحين"، مضيفًا أنه "من خلال الاتصالات الدوليّة التّي نقوم بها نسعى إلى البدء بما يلزم في هذا الملف". (يُذكر أن هذا الحلّ، عمليًّا شبه مستحيل، مجدّدًا بسبب القرارات الحكوميّة السّابقة الّتي تعترض طريق هذا الطرح) (راجع "المدن").
وهذا الطرح، عاد وكرّره ميقاتي، بعد اللقاء التشاوريّ الذي عُقد في السراي الحكوميّ صباح اليوم، تحضيرًا لانعقاد مؤتمر بروكسيل (يتمثل الهدف الرئيسي لمؤتمرات بروكسل في ضمان استمرار الدعم للشعب السّوريّ، سواء في سوريا أو في المنطقة الأوسع، من خلال تعبئة المجتمع الدوليّ لدعم حلِّ سياسيّ شامل وموثوق للنزاع السّوريّ يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدوليّ رقم 2254)، وضمّ عدد من الوزارء. إذ قال ميقاتي بعد خروجه من اللقاء، أنّه وسائر الوزراء بحثوا في آلية وكيفيّة تصنيف النازحين (اللاجئين) وقاموا بالتوصيّة لتطبيق القوانين على الجميع، وبحثوا في إمكانيّة معالجة الاكتظاظ في السّجون وترحيل السّوريّين منها وفقًا للقوانين (راجع "المدن").
وعلى غرار الخطّة الحكوميّة لتنظيم الوجود السّوريّ في لبنان والّتي تمّ مناقشتها مطلع الشهر الجاري، تضمنت مختلف الطروحات الحكوميّة مؤخرًا، المطالب نفسها بتطبيق القوانين وإجراء مسح شامل للاجئين، وترحيل المخالفين، وبدأ تنفيذ أحد المسارين: إما إعادة التوطين في بلدٍ ثالث، أو الإعادة إلى وطنهم النهائيّ بعد التنسيق مع حكومة النظام السّوريّ. كما ولم تُقدم هذه الطروحات أي نقاش جديد لمعالجة المسألة بصورةٍ عمليّة فعلًا، بل يُمكن وصفها بأنها تجميع لمختلف الطروحات الّتي نوقشت بإسهاب في أوقاتٍ سابقة، وبُثّت إلى المجتمع الدوليّ وفي المؤتمرات، من دون أن تحظى بدعمٍ لها. وشبيهة لحدٍّ كبير بالطروحات الحزبيّة والسّياسيّة الّتي انبثقت كردّ فعلٍ على حالة التشنج الشعبيّ الأخيرة.
ولعلّ "سياسة اللاسياسة"، هي الّتي يتخبط بها ساسة لبنان وأصحاب قراره، منذ العام 2011 حتّى اللحظة، وهي الاقتراح المُكرّر للنظام، وتجلٍّ لمحاولته اليائسة للتنصل من المسؤوليّة الأخلاقيّة والحقوقيّة والموجب الدوليّ لاستقبال اللاجئين وتنظيم أوضاعهم، للابتزاز والمساومة، والتمنع العنيد عن التصويب على ما يُعيق الحلّ الذي ينصب في صالح اللّبنانيّ المأزوم، والسّوريّ المنكوب في أرضه والشتات؛ ومن يُعرقل مسارات عودة الأخير إلى بلده.