سجناء سوريون برومية يحاولون شنق أنفسهم:الموت ولا التسليم للنظام
منذ عدّة أيام، سُربت بعض المقاطع المصورة لأربعة من نزلاء سجن روميّة المركزيّ، يهددون فيها السّلطات الرسميّة والقضاء اللّبنانيّ والأمن العام، بالانتحار الجماعيّ، احتجاجًا على تسليم أحد الموقوفين إلى النظام السّوريّ مطلع الشهر الجاري. والمقاطع التّي تُظهر أربعة سجناء من التابعيّة السّوريّة، ليتبين لاحقًا أنهم أخوان واثنان من أقربائهما (جميعهم من أقارب الموقوف المُرحل)، يلفون حول رقابهم مشنقة مؤلفة من قماش مشدود ومجدول، لاقت تفاعلًا واسعًا في صفوف الحقوقيين والمنظمات الإنسانيّة، لما تحمله من دلالات صادمة على وضع نزلاء السّجون اللّبنانيّة وتحديدًا السّوريّين منهم، الذي يفضلون الموت على العودة إلى أقبية نظام الأسد. بل وأشعلت أُوار الحديث مجددًا عن إهمال لبنان الرسميّ لالتزاماته الحقوقيّة والدوليّة، وخصوصًا الاتفاقيات المبرمة، كاتفاقيّة مناهضة التعذيب.
محاولة انتحار
محاولة الانتحار الجماعيّ، لم تكن محاولة تهديد وحسب، بل كانت محاولة جديّة باءت بالفشل، بعد تدخل القوى الأمنيّة لإنقاذهم في اللحظات الأخيرة، ومن ثمّ نقل ثلاثة منهم إلى المستشفى لتلقي العلاج (عاد الموقوفين إلى السّجن مؤخرًا وهم في حالة مستقرة)، ويعزو المحامي ومدير مركز "سيدار" للدارسات القانونيّة، محمد صبلوح، النيّة الانتحاريّة لدى هؤلاء، بالخوف من الترحيل إلى سوريا، كما جرى ترحيل قريبهم معاذ حسان الوعر، قبل أيام، وخصوصًا أنهم مطلوبون لدى النظام (منشقون عن الجيش)، ويحاكمون في لبنان بتهمة الانخراط في مجموعات إرهابية، قائلًا:" هذا التهمة تُلصق بكل معارض سوريّ، وخصوصًا أولئك الذين جرى اعتقالهم في عرسال (شمال شرقي بعلبك)".
ويستطرد المحامي الذي قام به الأمن العام، بحقّ هذا الموقوف الذي جرى ترحيله مطلع الشهر الجاري، منافٍ للقانون والاتفاقيات التّي يلتزم بها لبنان، قلناها عشرات المرات، لا يحقّ له ترحيل المعارضين وهم أقليّة في صفوف اللاجئين السّوريين، لكنه بالرغم من ذلك يقوم بترحيلهم من دون مراعاة أوضاعهم في سوريا أو بالأخذ بعين الاعتبار أن غالبيتهم مسجلون في المفوضيّة بين عامي 2011 و 2015، بل يتذرعون بأنهم طلبوا نشرة المعارضين من النظام السّوريّ، وكأن النظام سيكون صريحًا معهم في حال أراد الانتقام من معارضٍ ما". وأكدّ أن السّلطات باتت تخاف أن تُفضح انتهاكاتها عند الرأي العام والإعلام، وتضطر بالتالي للتراجع عن قراراتها المجحفة تحت هذا الضغط الإعلامي، كما حصل في قضيّة المعارض المُضرب عن الطعام حاليًّا ياسين العتر، الذي حاولت ترحيله، وتراجعت، فيما لا يزال الأمن العام يحتجزه حتّى اللحظة بدون أي سندٍ قانونيّ. (راجع "المدن")
والطريقة الاحتجاجيّة المتمثلة بالانتحار شنقًا، التّي اعتمدها السّجناء، هي ضمن نمط صار مكرسًا في سُبل الاحتجاج داخل السّجون اللبنانيّة، إذ سبق وحاول سجناء آخرون الانتحار بنفس الطريقة، استنكارًا للإفراج عن المتهمين في ملف تفجير المرفأ بقرار من النيابة العامة التمييزيّة في العام الفائت، مطالبين بالعدالة لهم ولباقي السّجناء. (راجع "المدن")
السّجناء السوريون
ويمكث في السّجون اللبنانيّة ما يُقارب 1800 نزيل من التابعيّة السّوريّة، رجحت المصادر الحقوقيّة أن 80 بالمئة (1440) منهم غير محكومين إلى اليوم، فيما لا يُشكل مجموع هؤلاء سوى 28 بالمئة من مجمل نزلاء السّجون على امتداد الأراضي اللبنانية (على عكس ما يُشاع إعلاميًا). ويظنّ بعضهم أنه سيتم إعادتهم مُجدّدًا إلى النظام السّوري بعدما هربوا منه، وتحديدًا المجموعات المُعارضة التّي اعتقلت على خلفية دخولهم الأراضي اللبنانيّة خلسةً. فيما تفيد المراجع القانونيّة، أن الدولة اللبنانية لا يمكنها ترحيل من لم يصدر بحقّه حكم، أي عليها التّأكد إذا كان محكومًا وليس موقوفًا، كما هو حال غالبية السجناء السّوريين، فضلاً عن كون المعاهدة الخاصة بمناهضة التعذيب وسائر ضروب المعاملة اللاإنسانيّة والتّي وقع عليها لبنان، تنصّ في بندها الثالث على منع ترحيل أي شخص قد يتعرض للانتهاكات في بلده وعلى الدولة اللبنانية الالتزام به.
وواقع ترحيل السّجناء من التابعيّة السّوريّة ليس بالأمر المستحدّث بل يقع ضمن سياق المحادثات اللّبنانيّة – السّوريّة الراميّة لتنظيم وترتيب ما سُميّ بخطة "الترحيل الآمن" للاجئين عوضًا عن "قوافل العودة الطوعيّة"، والخطة تنطوي على إصرار السّلطات اللّبنانيّة على الترحيل غير الطوعيّ لمن "تراه" لا يستحق البقاء في لبنان. وضمن هذه الخطة الموضوعة، والتّي لحقها العشرات من الإجراءات الرسميّة، بند أثار حفيظة المُنظمات الحقوقيّة والقانونيّة، مفاده ترحيل السّجناء السّوريين الموجودين في السّجون اللبنانيّة، إلى بلادهم، وتكليف رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، مطلع شهر نيسان العام الماضي، وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري البحث في "إمكانيّة تسليم الموقوفين والمحكومين للدولة السّورية بشكلٍ فوريّ، مع مراعاة القوانين والاتفاقيات ذات الصلّة، والتنسيق بهذا الخصوص مع الدولة السّورية".
الحملة المنهجيّة
الكارثة الحقوقيّة هذه، هي واحدة من الكوارث المفتعلة من قبل السّلطات اللّبنانيّة لمعالجة ملف اللاجئين السّوريين في لبنان، إذ تستمر حتّى اللحظة الاعتقالات التعسفيّة والمداهمات الاعتباطيّة والترحيلات الزجريّة لهؤلاء، بالرغم من الظرف الأمنيّ والاشتباكات المتصاعدة في الجنوب اللّبنانيّ. وللإجابة عن المزاعم التّي تعتبر أن المفوضيّة السّاميّة لشؤون اللاجئين تُقصر في أداء واجباتها وإلتزاماتها الحقوقيّة بما يتعلق بالترحيل التعسفيّ، سألت "المدن" المفوضيّة عن موقفها من هذه الحملات.
وردت الناطقة باسم المفوضيّة، ليزا أبو خالد بالقول:"كما هو الحال في جميع البلدان، في لبنان، تدعو المفوضية إلى منح الأشخاص الفرصة للتعبير عن أي قلق قد يكون لديهم فيما يتعلق بالعودة إلى بلدهم الأصلي، وإلى تقييم حالتهم على النحو الواجب. وتواصل المفوضية الدعوة إلى احترام مبادئ القانون الدولي وضمان حماية اللاجئين في لبنان من الإعادة القسرية. تأخذ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقارير ترحيل اللاجئين السوريين على محمل الجد، وعندما تنشأ مثل هذه الحالات، تتابع ذلك مع النظراء المعنيين. نحن منخرطون مع السلطات المعنية في طرق ضمان عدم ترحيل الأفراد المحتاجين إلى الحماية الدولية. إن وجود آلية للاستماع إلى المطالبات الفردية وتقييمها يضمن التنفيذ العملي لمبدأ عدم الإعادة القسريّة والضمانات الأخرى مثل وحدة الأسرة".
واستأنفت قائلةً:"وحيثما أمكن، تتابع المفوضية مع أفراد أسر الأفراد المتضررين لتقديم المشورة في مجال الحماية وأي دعم لازم. وقد أثارت المفوضية هذه المسألة مع السلطات وستواصل القيام بذلك. كما تواصل المفوضية رصد الوضع بنشاط".
أما بما يتعلق بأوضاع اللاجئين المعيشيّة والاقتصاديّة، أكدّت أبو خالد:" . تشير النتائج الأولية لتقييم مواطن الضعف لدى اللاجئين السوريين في لبنان لعام 2023 إلى أن الغالبية العظمى من الأسر لا تزال تواجه مستويات عالية من التعرض لمجموعة واسعة من الصدمات. لا يزال تسعة من كل عشرة لاجئين سوريين بحاجة إلى المساعدة لتلبية احتياجاتهم الأساسية. لا تزال الأسعار في لبنان مرتفعة، حيث أبلغ اللاجئون السوريون عن زيادة بنسبة 105٪ في الإيجار الشهري المدفوع بالدولار الأميركي، من حوالي 30 دولارًا شهريًا في عام 2022 إلى 60 دولارًا شهرًيا في عام 2023، في حين تواجه الأمم المتحدة تخفيضات كبيرة في التمويل ". (راجع "المدن")