عودة البشر إلى القمر.. ورجوع القمر إلى أرتميس
بعد انقطاع 53 عاماً، سوف يعود البشر إلى القمر في عام 2025، وذلك في إطار مهمّة "أرتميس". يحمل اسم هذه المهمة مفارقات ودلالات رمزية، حيث أنّ أرتميس إلهة الصيد والبرية والقمر في الميثولوجيا الإغريقية، هي شقيقة أبولو إله الشمس. وكأنّ القمر بذلك يستعيد هويته المؤنثة.
كما أن الطاقم الذي سيهبط على سطح القمر سيضم أول امرأة وأول شخص ذي بشرة ملونة. وهذا يعكس التزام "ناسا" بتعزيز التنوع في جميع مديرياتها وبرامجها، بما في ذلك استكشاف الفضاء.
لماذا أرتميس؟
تسعى ناسا من خلال مشروع أرتميس إلى إطلاق عصر جديد من الرحلات المأهولة إلى الفضاء. ووفقاً لموقعها الإلكتروني، فإن الخطوة التالية في الرحلات المأهولة بعد أرتميس ستكون حتماً إلى المريخ.
ولكن على عكس شركة SpaceX ومؤسسها إيلون ماسك، الذي يرغب في إرسال البشر إلى المريخ في أقرب وقت ممكن، تتبع ناسا نهجاً أكثر تحفظاً وصرامة في مقاربة الرحلات الفضائية الطويلة مثل رحلة المريخ التي قد تستغرق ثمانية أشهر.
اعتمدت ناسا دوماً سياسة "الهندسة المحافظة" و"السلامة أولاً" في مجال الرحلات المأهولة. لذا فقد اختارت القطب الجنوبي للقمر ليكون محطة انطلاق على طريق المريخ.
تقنيات مهمّة أرتميس
سوف تستخدم مهمّة أرتميس مجموعة من التقنيات الجديدة، ومركبات ذات قوة وأحجام غير مسبوقة، فيما يلي أبرزها:
- نظام الإطلاق الفضائي SLS الذي يعد أقوى صاروخ تم بناؤه على الإطلاق. وهو مدعوم بأربعة محركات RS-25 سيتم استخدامه لإطلاق مركبة أوريون الفضائية إلى القمر، بالإضافة إلى الطعام والماء والوقود والمعدات والقطع المكونة لمحطة بوابة القمر.
- مركبة أوريون الفضائية: هي أكبر من أي مركبة فضائية أميركية سابقة. يبلغ طولها 16.5 متراّ وقطرها 5.5 متراّ. وهذا يمنح رواد الفضاء مساحة أكبر للتحرك والعيش أثناء الرحلة.
- محطة بوابة القمر: هي محطة فضائية كبيرة نسبياً، يبلغ قطرها حوالى 25 متراً ويبلغ وزنها حوالى 400 طن. سوف تمتلك مساحة كبيرة للعيش والعمل، ويمكنها استيعاب ما يصل إلى 4 رواد فضاء في وقت واحد. ستكون مجهزة بالمختبرات وغيرها من المرافق لإجراء البحوث العلمية. سترسو بوابة القمر في مدار ثابت خلف القمر يدعى L2 أو لاغرانج الثانية.
- نظام الهبوط البشري HLS هي مركبة فضائية سوف تهبط برواد الفضاء على سطح القمر، وتصعد بهم إلى البوابة القمرية. يتم تطويرها من قبل عدد من الشركات المختلفة ، بما في ذلك SpaceX وBlue Origin وDynetics.
- مركبات استكشاف القمر (LEVs): هي مركبات سوف تستخدم لاستكشاف سطح القمر ونقل رواد الفضاء والمعدات حول القاعدة القمرية.
- روبوتات روفر: هي روبوتات ستستخدم لاستكشاف سطح القمر بشكل مستقل. ستكون مجهزة بمجموعة متنوعة من المستشعرات والأجهزة لجمع البيانات عن القمر.
مراحل مهمّة أرتميس
أرتميس 1: هي رحلة اختبار غير مأهولة لنظام الإطلاق الفضائي (SLS) ومركبة أوريون الفضائية. تم إطلاقها من مركز كنيدي الفضائي في 11 كانون الأول 2022 واستغرقت 25 يوماً، دارت حول القمر من دون هبوط، وعادت بنجاح.
أرتميس 2: ستكون هذه رحلة اختبار مأهولة لنظام الإطلاق الفضائي (SLS) ومركبة أوريون الفضائية، وستحمل أربعة رواد فضاء. من المقرر إطلاقها في عام 2024 حيث ستدور حول القمر، ولكن لن تهبط على سطحه.
أرتميس 3: من المقرر إطلاقها في عام 2025 وسوف تهبط في القطب الجنوبي للقمر. سيكون أول هبوط بشري على القمر منذ أبولو 17 في عام 1972.
أرتميس 4: سيتم إطلاقها في عام 2028 وتشمل هبوطاً بشرياً ونقل معدات أساسية لمحطة بوابة القمر.
أرتميس 5: ستكون هذه مهمة توصيل معدات وأجهزة إلى محطة بوابة القمر، لا سيما نظام التزويد بالطاقة. وتهبط برواد فضاء مع عربة الاستكشاف (LEV) على سطح القمر. سيتم إطلاقها في عام 2029.
أرتميس 6: ستكون هذه رحلة مأهولة إلى محطة بوابة القمر لتوصيل نظام الإقفال في المحطة، وهبوط بشري على سطح القمر. سيتم إطلاقها في عام 2030.
لماذا القطب الجنوبي للقمر؟
يتخذ القمر وضعاً ثابتاً تجاه الأرض، لذلك نرى له دائماً وجهاً واحداً. وعلى الرغم من أن القمر يدور مع الأرض حول الشمس، إلا أن نصفه الآخر الذي لا نراه، لا يتلقى ضوء الشمس أيضاً.
إن الهبوط في الجزء المواجه للشمس من القمر لفترات طويلة يمكن أن يعرض الطاقم لأشعة الشمس فوق البنفسجية الضارة.
كما أن الهبوط في الجزء المظلم من القمر يعني فقدان الطاقم للطاقة الشمسية، وضرورة التدفئة بشكل كبير للنجاة من البرد القارس.
تم اختيار القطب الجنوبي للقمر كموقع مثالي للهبوط المتكرر في مهمة أرتميس، وذلك بسبب وجود ضوء الشمس شبه الدائم في أشهر كانون الأول وكانون الثاني، خصوصاً على قمم الفوهات التي تشكلت نتيجة اصطدامات النيازك. أما قاع تلك الفوهات، فهو لم يتعرض للضوء الشمسي أو انعكاساته لمليارات السنين، ما يجعله مكاناً مثالياً لتوليد الطاقة على حافة الفوهات والتنقيب عن الجليد المائي في قاعها.
مهمة أرتميس تبدو خطوة حاسمة على طريق الرحلات إلى المريخ. سيتم استخدام التقنيات التي تم تطويرها لمهمة أرتميس والتقنيات التي يمكن أن تنتج من التعلم والاستكشاف في السنوات السبع المقبلة، لدعم بعثات المستقبل إلى المريخ.
من يدري، ربما قدر أرتميس في أسطورة القرن الواحد والعشرين أن تشق براري الفضاء وتنقذ الإله مارس من وحدته.