البعلبكيون متلهّفون لمهرجان المدينة.. ومتوجسون من احتفاليات "الحزب"

بتول يزبك
الجمعة   2023/04/28
يخطط السكان لإقامة "بيوت الضيافة" لاستقبال السياح لقاء مبالغ معقولة (Getty)

لعلّ توق البعلبكيين المتجدّد لمهرجانات بعلبك الدوليّة السّنوية، ينطوي ضمنيًا على رغبة "وجودية" ملّحة، لإثبات أنهم أبناء مدينة تاريخية عريقة، أهل ضيافة، متقدمون بالذائقة الفنيّة، متميزون ثقافيًّا، والأهم أنهم كل هذا وأكثر رغمًا عن سمعتهم المفسودة بأخبار الجريمة، وحياتهم المشوبة بالقلاقل الأمنيّة المزمنة، ويومياتهم الملطخة بالعجز المعيشي والفاقة الاقتصادية، وطاقاتهم المكرسّة كخزان دم لحروب قوى الأمر الواقع داخليًّا وخارجيًا. وعليه، يسعى سكان المنطقة كل عام، فضلاً عن القوى الأمنية والبلديات للتحضير للمهرجانات الدوليّة المرتقبة من عامٍ إلى عام، لما تحمله من انشراحة معنويّة للسكان، وإقبال لافت للزوار من سائر المناطق اللبنانية، ناهيك بالسّياح الأجانب.

عودة المهرجانات
بحضور وزير السياحة وليد نصار وممثل وزير الثقافة حيان حيدر، ومحافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، ورئيس بلدية بعلبك بالتكليف مصطفى الشل، ووسط وجود بارز للسياح الأجانب، أطلقت أمس الخميس 27 نيسان الجاري، رئيسة لجنة "مهرجانات بعلبك الدولية" نايلة دو فريج البرنامج لموسم العام الجاري 2023، ذلك من داخل حرم قلعة بعلبك، ذلك على خلاف السنوات الماضية حيث كان يُنظم حفل الإطلاق في بيروت. وتعود هذه المهرجانات بنسختها الثانية بعد جائحة كوفيد – 19 بخمس حفلات فنيّة، تتنوع بين عروض الباليه والرقص المعاصر إلى العزف على التشيللو، مروراً بالموسيقى الصوفية والفلامنكو والأغنيات اللبنانية. فيما ستنطلق فعاليات المهرجان بدءًا من مطلع تموز المقبل حتّى منتصفه. وقد خصصت اللجنة حفلة للفنان ملحم زين سُميت بـ"حفلة أهل البلد" لسكان المدينة.

إلا أن اللافت كان وعلى غرار العام المنصرم، الشّح الواضح في التمويل، فبينما كانت المهرجانات بنسخها السّابقة تحظى بتمويل وضجّة إعلاميّة مصحوبة بحملات سياحيّة لحثّ اللبنانيين والأجانب على زيارة المدينة وحضور فعاليات المهرجان، اقتصر التمويل على شركة الشحن الفرنسية "سي أم أي، سي جي أم"، بمؤازرة كل من شركتي "ألمازا" و"كسارة".. فيما غابت أي مساهمة للدولة اللبنانيّة في تغطية نفقات المهرجانات. وارتكز التمويل على مساهمات من القطاع الخاص، في حين أن بعض المصارف التّي كانت تساهم سنويًا امتنعت هذا العام والعام الماضي عن الدعم. فيما برّر وزير السّياحة تخلف وزارته عن المساهمة "بالفساد الإداري" الذي تعاني منه الوزارة. وفي ظلّ أزمة الكهرباء التّي تشهدها منطقة بعلبك والجوار، تولت البلدية إضاءة محيط القلعة بدءاً من موقف السيارات والمداخل وداخل القلعة عبر ألواح الطاقة الشمسية والمولدات الخاصة.

بيوت الضيافة
وفيما تشهد المدينة اليوم، إقبالاً بارزًا للسياح العرب والأجانب، وخصوصاً في هذا التوقيت، عزاه المسؤولون الرسميون، للواقع الأمني المستتب في المنطقة بفعل الخطط الأمنيّة التّي ينفذها الجيش منذ سنوات، ولا سيما في السنة الأخيرة، حيث تمكن الجيش من خلال هذه العمليات من إحكام قبضته على المنطقة، وتكثيف عملياته ومداهمته المستمرة والتّي امتدت على بلدات بعلبك، كبريتال ونحلة وحورتعلا وإيعات وغيرها، وصولاً إلى حيّ الشراونة في قلب المدينة، فيما قام أيضاً بدهم منازل المطلوبين فيه بصورة دورية. الأمر الذي أدى في المحصلة إلى توقيف ومقتل عدد كبير من المطلوبين بجرائم جنائية خطرة، تنوعت بين القتل والإتجار بالبشر، والمخدرات، وصولاً للسلب، والخطف.

هذا الواقع أسهم في خلق جوّ من الطمأنينة الجزئية لدى السّكان، تبعه طمأنة رسمية لاستقطاب السّياح والزوار. وبالفعل، فإن غالبية المؤسسات السّياحيّة في المنطقة تستبشر خيرًا من الزخم السّياحي الحالي، المقرون بالدرجة الأولى بأسعار الخدمات المقبولة حتّى بالدولار "الفريش". الأمر الذي حفزّهم على إشاعة أن موسمًا سياحيًّا واعدًا ينتظر بعلبك. كما أشار عدد من أصحاب المؤسسات في حديثهم إلى "المدن"، قائلين: وحدها الحجوزات في الفنادق والمطاعم مؤشر واضح على ذلك.

هذا وناهيك عن كون وزارة السّياحة قد قدمت عدّة تسهيلات ومساهمات لجذب السّياح، وإفادة السّكان، وضخ بعض العملة الصعبة في السّوق البعلبكي. من جملتها السّماح لسكان المدينة بفتح بيوتهم للزوار الأجانب، مقابل مبلغ مالي تحدده الوزارة وفقًا لمعاييرها. وسُميت هذه الخطة بـ"بيوت الضيافة" حيث يتولى السّكان استقبال الزوار لقاء مبالغ معقولة، شرط حيازة ترخيص من وزارة السّياحة، وتأكيدات على حماية هؤلاء داخل منازل السّكان.

توجس من تشويشات مفتعلة
وقد عبّر عدد من السّكان في حديثهم مع "المدن" عن توجسهم من تكرار سيناريو العام الماضي، حين أقام حزب الله وعشية افتتاح المهرجانات احتفالًا له في ملعب بعلبك البلدي، الذي يبعد نحو كيلومترين إلى ثلاث من محيط القلعة، وهذا الاحتفال الحزبي، بأعداده الضخمة ومواكبه، تسبب بازدحام مروري وتشويش المهرجان حينها. قائلين: "نحن نعوّل على المهرجان لكي ينتشلنا مؤقتًا من أزماتنا المستفحلة، السنة الماضية كان ظروف المهرجان سيئة جدًا، من تشويش وصولاً لحوادث أمنيّة، وهذا كلّه يضرّ بسمعتنا وبسمعة المهرجانات التاريخية هذه، وخصوصاً أنها مرّت طيلة السنوات الماضية بحوادث مؤسفة، اضطر خلالها الحاضرون أحيانًا للهرب تحت دويّ الرصاص والقذائف". يُذكر أن المهرجانات السنة الماضية تحوّلت إلى حدث هامشي قياسًا على تغطية الإعلام لاحتفالية حزب الله، التّي أثارت جدلاً في كافة المناطق. فيما لم يكتفِ حزب الله بتشويش افتتاح المهرجانات، بل وقرر إقامة احتفاليته الأربعينية في القلعة، متجاوزًا واقع انشغالها بمهرجانات سياحية.

وبالرغم من كل الإهمال والتهميش المتراكم على مدى عقود، لا يزال البعلبكيون يتخبطون في دوامة من الأمل بإنعاش مدينتهم وإعادتها إلى خريطة المدن الثقافية والسّياحية، متمسكين بفتات الاهتمام والحظوة الرسمية المؤقتة.. وإن كان الانحدار المزمن في مستوى إقامة مهرجانات بعلبك الدوليّة لا يشي سوى بالتداعي المزمن لكل معالم الدولة اللبنانية، وانحدارها المستمر.