مواجهة بلدية الغبيري ونادي الغولف: أموال وعقارات ومساحة خضراء

صفاء عيّاد
الثلاثاء   2023/04/25
الحفاظ على النادي واجب، مع ضرورة استفادة الدولة من الرسوم العادلة (علي علوش)

يخوض رئيس بلدية الغبيري، معن الخليل، مواجهة مع نادي الغولف اللبناني في نزاع على العقار الضخم. وهي ليس بجديدة وتعود للعام 2017، و يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي منبراً "لحربٍ كلامية إعلامية واسعة"، عنوانها حقوق البلدية المهدورة والممنوعة من الوصول إلى أموالها. وسيخصص الخليل التجديد لولايته البلدية لمدة عام، للتفرغ بشكل تام للنزاع مع نادي الغولف. يصف الخليل النادي "بحزب أو ميلشيا الغولف"، قائلاً إن أجهزة الدولة الأمنية تتواطأ مع النادي للحؤول دون تنفيذ القرار الإداري من قبل البلدية، والذي يقضي بالحجز على أملاك النادي بسبب تخلفه عن تسديد الرسوم البلدية. ففي 18 نيسان 2023، توجه عناصر من شرطة بلدية الغبيري لتنفيذ القرار، الذي أستدعى تدخل الجيش اللبناني المتمركز في الثكنة الموزاية للنادي، بعدما منع موظفو النادي شرطة البلدية من إقفال النادي.

يقول الخليل في حديثه لـ"المدن"، إن البلدية اتخذت قراراً في آذار الماضي، يقضي بالحجز وإغلاق نادي الغولف، لحين تسديد الرسوم المترتبة عليه قانونياً، استناداً إلى فتوى صادرة عن مجلس شورى الدولة في 19 كانون الثاني 2022 بتحصيل رسوم القيمة التأجيرية لنادي الغولف الواقع في نطاق بلدية الغبيري، والتي تبلغ -حسب الخليل- 11 مليار ليرة لبنانية. مشيراً، إلى أن إدارة النادي كانت ترفض تسديد أي رسوم للبلدية، قبل أن تلجأ الأخيرة لقرار مجلس شورى الدولة، الذي –بحسبه- جاء منصفاً. ووفق القرار، فإن البلدية هي صاحبة الحق في تخمين قيمة الرسوم، والتي كانت قد حددت خلال العام 2019، بقيمة 100 ألف ليرة عن كل متر مربع تشغله إدارة النادي، عدا المبلغ المقطوع الذي تسدده إدارة النادي لوزارة الأشغال العامة والنقل.

وقضية كلفة استئجار نادي الغولف لأراضي الدولة، كانت قد عُدلت في 11 كانون الثاني من العام 2018، حين قرر مجلس الوزراء تجديد عقد إشغال نادي الغولف اللبناني لعقارات تابعة للدولة ولمديرية العامة للطيران المدني لمدة سبع سنوات، مع بدل إشغال تصاعدي إبتداءً من خمسة وسبعين مليون ليرة لبنانية، في السنة الأولى وصولاً إلى مئتين وخمسين مليون ليرة لبنانية في السنة السابعة، على أن يعود لوزارة الأشغال العام والنقل تحديد البدل للسنوات المقبلة.

يقول الخليل إن هناك "عقارات يحتلها نادي الغولف، لمُلّاك في المنطقة وأفراد، وهو شأن لا يخص البلدية، بل ما يخص بلدية الغبيري هو استيفاء أموال القيمة التأجيرية لمجمل العقارات التي يشغلها النادي". ويعتبر بأن النادي "يسعى إلى إيهام الناس بخلافات على عقارات جديدة في المحلة". كما يؤكد الخليل بأن العقار هو واحد بشكله ومساحته منذ بداية تشغيله إلى اليوم. متهماً النادي بالتهرب من دفع الأموال المترتبة عليه من الاتفاقات التي رعتها وزارة الداخلية مع القيمين. وآنذاك كان قد دفع النادي مستحقات من منتصف سنة 2017، وصولاً إلى العام 2019.

الغولف: معمل للكهرباء أو سيطرة أمنية؟
قضية نادي الغولف المطروحة منذ سنوات تطرح تساؤلات حول مصير نادي الغولف، في حال إغلاقه، والتخوف من القضاء على المساحة الخضراء الشاسعة التي يشكلها، عبر تحويل المكان إلى معمل كهرباء (راجع المدن) ، أو منتزهات عامة، أو أبنية سكنية. وحين فُتحت قضية نادي الغولف وعقدها الزهيد مع الدولة اللبنانية، كان هناك معلومات عن أن جهات سياسية ذات نفوذ واسع في منطقة الغبيري تسعى إلى الحصول على العقار بأي ثمن (راجع المدن). كما تشير معلومات بأن مكان نادي الغولف هو موقع استراتيجي وأمني، لهذه المنطقة التي تتطلب "حماية" خاصة، كمحيط السفارة الإيرانية، ومطار بيروت. إلا أن هذه الإدعاءات تنفيها بلدية الغبيري منذ العام 2017.

ويلفت الخليل، بأن بلدية الغبيري لا تملك أي عقار في النادي، إنما هي فقط تستوفي الرسوم البلدية. وهذه العقارات بأجمعها مُلك للدولة اللبنانية، والقيّمة عليها هي وزارة الأشغال العامة. ويصف النادي "بأنه يضع يده على العقارات من دون مسوغ قانوني، ولا شأن للبلدية بهذا الموضوع. لكن حقها الحصول على الرسوم على هذه المنشآت والعقارات التي يقوم النادي بتأهيلها أو استثمارها". وفي سؤالنا إن كان هناك أي شكوى قُدمت من مالكي العقارات التي يستحوذ عليها النادي؟ يقول الخليل، بأنه "لا يعلم"، ولا يعرف أسماءهم. ويقول: في إطار الشح المالي في الإدارات العامة، فإن الرسوم البلدية التي يريد استحصالها من النادي هي مدخول يؤمن إيرادات البلدية لأشهر، وهي حق عام.

كما أن الخليل يلفت نظر الدولة إلى ضرورة الاستفادة من عقارات الدولة، وربما ضرورة إستردادها، في حال استمر نادي الغولف بالتمنع عن تسديد مستحقاته. ويضيف، بأن النادي والتابعين أو المناصرين له، "يصورون البلدية والمنطقة الجغرافية للضاحية على أنهم آكلوا الشجر، ولا تليق بهم المساحات الخضراء، ويُهينونا كبشر، قبل أن يكون لدينا أي سلطة قضائية". ويطالب الخليل "أن يكون النادي مساحة لأهل المنطقة للتنزه فيه، ضمن ضوابط وقوانين توضع، تماماً كما حصل في قضية حرش بيروت، والتي ضغطت جمعيات بيئية وقامت بحملة من أجل فتحه أمام عامة الشعب". ويختم الخليل، بأنه في حال سدد النادي الرسوم، تنتهي كل المضايقات والقرارات البلدية. لافتاً، بأن هناك تدخلاً سياسياً لحماية النادي، والدليل هو تدخل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، حين أرسل دورية قوى أمنية إلى مدخل النادي حين كانت شرطة البلدية تحاول تنفيذ القرار.

مجلس شورى الدولة ينصف الغولف
حسب مصدر قانوني، فقد بدء النزاع مع بلدية الغبيري في العام 2017، حينما تبين للنادي بأن بلدية الغبيري لم يكن لها الصلاحية والصفة القانونية، لتكليف النادي بأي رسوم، فالنادي يخضع إدارياً لسلطة بلدية برج البراجنة، وشمل النزاع في حينها، قيمة الرسوم التي طالبت بها بلدية الغبيري، عن أعوام 2017، و2018، و2019. ونتيجة هذا النزاع، تقدم النادي باعتراض أمام لجنة الاعتراضات فصدر الحكم لصالحه. إلا أن البلدية لم ترضخ لهذا القرار، واستأنفته أمام مجلس الشورى، إلا أن المجلس أصدر حكمه لصالح النادي، بشأن إحتساب الرسوم البلدية المتوجبة وقيمتها العائدة لمديرية الطيران المدني. وحدده المجلس بالقيمة القانونية حسب عقد الموقع مع مجلس الوزراء. في حين كانت تطالب البلدية بحوالى مليار و300 مليون ليرة لبنانية عن السنوات الثلاث، خلافاً للأسس القانونية، التي يتم على أساسها احتساب الرسوم.

ومن جهة ثانية، فإن الحكم الصادر من مجلس شورى الدولة في العام 2020، قضى لصالح النادي بإلزام بلدية الغبيري بالتكليف بالرسوم وفق الأسس القانونية التي طالب النادي إلتزام البلدية بها. وتبعاً للمصدر، فإن النادي هو من استحصل على قرار بتنفيذ هذا الحكم على البلدية وسدد الرسوم البلدية لغاية العام 2022. ويضيف المصدر، بأن قرار مجلس شورى الدولة وحكمه أثبت أن بلدية الغبيري قد استولت في العام 2016 على أموال النادي، بالرغم من إنتفاء أي صفة أو سلطة لها في ذلك، كما أن النادي لم يتأخر يوماً في دفع ما يتوجب عليه من ضرائب لصالح وزارة المالية.

سلام: العقارات ليست محتلة وهي ملك للدولة
بدوره يرد رئيس نادي الغولف اللبناني، كريم سلام، على بلدية الغبيري في حديثه لـ"المدن"، قائلاً إن قضية العقارات التي وصفها رئيس البلدية بالمحتلة، هي لعقار رقم 3908، هو عقار خاص يملك النادي أسهماً به، بالإضافة إلى أفراد آخرين. وهو ملاصق لعقارات الدولة اللبنانية، وهو أرض فضاء غير مبني، عبارة عن مساحة زرعها النادي بالأشجار وغرسها بالأعشاب، وعمل على تثبيت التربة لصالح النادي. مضيفاً سلام، "النادي لا يُؤجر نفسه، فقضائياً هناك ما يسمى بسبيل التسامح". وأن بلدية الغبيري لا يحق لها تعديل الرسوم المتوجبة على العقار الخاص متذرعة بالأزمة الاقتصادية من تلقاء نفسها. ويضيف: النادي على استعداد بأن يسدد رسوم هذا العقار، وفق للرسوم القانونية التي حددتها البلدية في العام 2021. وتبلغ قيمتها 135 مليون ليرة لبنانية، ورفعته البلدية من غير وجه حق في العام 2023، مطالبة برسم تبلغ قيمته ملياري ليرة لبنانية عن كل سنة، ما دفع النادي إلى الاعتراض، وما زال ينتظر البت به قانونياً.

أما العقار 1878، فهو بأكمله عائد لمديرية الطيران المدني، ويجب على البلدية تحديد رسومه وفقاً لقرار شورى الدولة، والذي ألزم الحكم بتحديد الرسم البلدي على أساس بدل الاستثمار السنوي المحدد من قبل مجلس الوزراء، والذي تبلغ قميته 40 مليون ليرة لبنانية.

ويوضح سلام، بأن بلدية الغبيري في العام 2021 لم تبادر إلى البت بالاعتراض سلباً أو إيجاباً كما يفترض قانونياً، بل دعت النادي لاجتماع من أجل حل المسألة بطريقة حبية. وخلال التفاوض، كلف النادي مساحاً محلفاً بالتنسيق مع البلدية، من أجل مسح العقارات بما فيها العقار 1878 وإظهار المنشآت القائمة عليه وطبيعتها. فتبين بأن العقار هو واقع فعلياً وحقيقةً بشكل كامل ضمن مساحات عقارات الدولة اللبنانية- مديرية الطيران المدني، وأن النادي قد سدد كامل الرسوم المتوجبة، وفق حكم مجلس شورى الدولة، من العام 2017 إلى العام 2022.

ويؤكد سلام بأن نادي الغولف لم يتهرب يوماً من دفع مستحقاته، لا مع الدولة اللبنانية، ولا مع بلدية الغبيري، باستثناء السنة الأخيرة، التي لا تزال عالقة بسبب الإعتراضات وانتظار البت فيها قضائياً. ويختم سلام، بأن "النادي بغض النظر عن من تعاقب على إدارته، يجب حمايته، وهو الرئة والمتنفس والمحرّك للسياحة ومحط اهتمام عربي وعالمي، بسبب البطولات والدورات التي تقام عليه. والذي لا يزال حتى الآن ملتقى للسفراء والديبلوماسين".

ويضيف سلام، أن تصرفات البلدية تهدد مصير أكثر من 200 موظف للنادي، وإقفاله أو الحجز عليه سيؤدي إلى أزمة حقيقية في مصير هذه العائلات. فإقفاله هو خسارة لصرح وطني فريد من نوعه. داعياً البلدية إلى الإمتثال إلى القانون.

ووفقاً للمصدر القانوني، لم تقم وزارة الأشغال العامة والنقل العام منذ العام 2020 بالاستحصال على بدل إيجاراتها، التي لم تتمنع إدراة النادي ولم تتلكأ في تسديدها، وهي أموال عامة لخزينة الدولة يجب أن تستحصلها. ويتساءل عن سبب عدم أخذ الوزارة مستحقاتها. كما أن أي تعديل لإيجار نادي الغولف من الدولة، يتطلب قرراً من مجلس الوزراء.

وزير الأشغال: للمحافظة على النادي بطريقة عادلة
الواضح أن المعركة بين الطرفين ستتصاعد، في حال لم تعلن الدولة اللبنانية موقفاً واضحاً، وتدعو إلى الامتثال للأحكام الصادرة، مع حق اعتراض الطرفين.

وكون وزير الأشغال والنقل العام هو الجهة الأولى المعنية في الموضوع، يقول الوزير علي حمية لـ"المدن"، إن قضية القيمة التأجيرية لنادي الغولف، التي حددها مجلس الوزراء في العام 2018، والتي تبلغ مئة مليون ليرة سنوياً ضئيلة جداً، بالنسبة لمساحة العقار التي تبلغ 200 ألف متر مربع. مضيفاً، أن المبلغ لم تتقاضه الدولة منذ عامين، أي مع بدء أزمة الدولار، نظراً لتدهور قيمة العملة الوطنية. ويقول حمية، إن موضوع نادي الغولف سيكون محل نقاش في الفترة المقبلة، وسيتم عرضها للرأي العام. ويشدد حمية، على ضرورة المحافظة بالكامل على المساحة الخضراء لنادي الغولف، والنشاطات التي تُقام به، والتي هي أحد أوجه لبنان السياحية. والحفاظ عليها واجب، مع ضرورة استفادة الدولة من مواردها المالية لإدخال أموال على الخزينة، بطريقة قانونية وعادلة.