زعاطيطي محاضراً بالزلازل: موقع لبنان وحركة الفوالق

جنى الدهيبي
الأحد   2023/02/19
لا خوف من الهزات الارتدادية (Getty)
منذ وقوع الزلزال في تركيا وامتداد رقعة دماره الهائلة والمخيفة إلى شمال سوريا، في السادس من شباط، يعيش اللبنانيون بغالبيتهم قلقًا كبيرًا، أضيف إلى قلقهم الأصيل والمعهود، حول واقعهم الزلزالي ومستوى المخاطر التي تهددهم، رغم كل تطمينات الجيولوجيين، خصوصًا أن البلاد سجلت عددًا لا بأس به من الهزات الارتدادية والطبيعية.  

نقص المعلومات والأخبار الكاذبة
ويضمر معظم اللبنانيين مخاوفهم من وطأة الزلزال والهزات، بحقيقة مفادها أنهم في الأصل شعب متروك ومعزول، كحال السوريين، لا دولة تسأل عنهم، ولا أمم تتسابق لمساندتهم. لكن ما كشفه زلزال تركيا في لبنان، إضافة إلى حالة الرعب التي خلفها، هو تقصير الدولة بآلية تقديم المعلومات الفورية والدقيقة والموحدة رسميًا للبنانيين، عن طبيعة الهزات التي تشهدها البلاد.  

واللافت أن أغلب ما كان يصدر عن المركز الوطني للجيوفيزياء، وتحديدًا على لسان مديرته مارلين البراكس، كان موضع سجال وانتقاد من خبراء جيولوجيا آخرين، فوقع اللبنانيون فريسة تضارب المعلومات والحقائق العلمية، ما فاقم حالات القلق والهلع. علما أن المركز هو الجهة الرسمية الوحيدة التي تقدم نتائج الرصد محليًا.  

وحتى اليوم، ثمة مئات الأسر تخلي منازلها وإن كانت لا تشكو من التصدع، نتيجة تأثرها بدفق الأخبار الكاذبة، ناهيك عن استجابة الآلاف لدعوات "تحضير لوازم شنطة الهرب"، وكأن الزلزال سيقع غدًا. علمًا أن الحقيقة العلمية المتفق عليها، هو أنه لا يمكن التنبؤ بمواعيد الزلازل، فقد تحدث اليوم أو بعد مئتي عام. 

ولعل الظاهرة الملحوظة بين اللبنانيين، تجلت في لجوء المئات إلى تحميل التطبيقات الإلكترونية على هواتفهم المتعلقة برصد الهزات ومصادرها، وترافق ذلك مع تسجيل عدد من الهزات الأرضية التي شعر بها السكان وتحديدًا في الساحل، أعلن عنها المركز الوطني للجيوفيزياء، وآخرها يوم الجمعة، الذي سجل هزتين ظهرًا ومساء، مصدرهما الساحل السوري بقوة 4.6 و4.8 على مقياس ريختر.  

وأجمع عدد من خبراء الجيولوجيا على أن ما يحدث في لبنان من هزات ارتدادية طبيعي ومطمئن لجهة تحرير الطاقة المكبوتة من باطن الأرض بعد الزلزال المدمر، وتالياً، عدم وقوع زلازل تدميرية أخرى.  

ندوة طرابلس
في هذا الوقت، أدركت شريحة واسعة من اللبنانيين مدى أهمية التدقيق بكل المعلومات الصادرة حول النشاط الزلزالي والهزات الأرضية. وفي ظل قلة المصادر والموارد التي تحظى بإجماع واسع، تفشت ظاهرة ترويع الناس والتهويل عليهم، بمجال علمي لا يملكون المعرفة الكافية حوله.  

ولهذه الغاية، عقدت نقابة المهندسين في طرابلس، الجمعة، ندوة من تنظيم "جمعية التنمية اللبنانية" واللجنة الاجتماعية في النقابة، تحت عنوان "الصفيحة العربية والنشاط الزلزالي على حدودها"، قدمها الأكاديمي وخبير الهيدروجيولوجي الدكتور سمير زعاطيطي.  

وفي الندوة التي حضرها العشرات، قدم زعاطيطي عرضًا علميًا مسهبًا حول طبيعة نشاط الصفيحة العربية، وموقع لبنان منها، ومدى تأثره بالنشاط الزلزالي.   

وينطلق زعاطيطي من مسألة الصفائح التكتونية، باعتبار أن سطح الأرض مكون مما يسميه عدة بلاطات متحركة، يمكن أن تحدث انزلاقًا أفقيًا، وكل النشاطات الزلزالية والبركانية على سطح الكرة الأرضية موجودة بين الصفائح، أو على حدودها.  

وزعاطيطي الذي وجه انتقادًا لكيفية تعاطي لبنان الرسمي وشريحة من خبراء الجيولوجيا مع مسألة الهزات، وتقديم معلومات سريعة وغير دقيقة أرهبت اللبنانيين، يشرح طبيعة الصفائح بالقول: "إن سطح الكرة الأرضية يتألف من عدة بلاطات كبيرة نسميها صفائح، وهي تتباعد عن بعضها". يعطي مثالًا كيف أن أوروبا وأفريقيا تتباعدان عن أميركا الجنوبية والشمالية سنويًا، مقابل وجود صفائح تقترب من بعضها كالصفيحة الهندية التي بقيت تاريخيًا تزحف نحو آسيا حتى احتكت بها ونتج عنها جبال الهملايا.  

وعن قوة زلزال تركيا، أشار زعاطيطي مجددًا إلى أن هناك ثلاث صفائح ارتطمت ببعضها: الأناضول والأوراسية والعربية.  

طمأنة لبنانية 
تتركز التساؤلات حول فالق اليمونة، بعدما وصفه خبراء بالأخطر لبنانيًا، باعتبار أنّ لبنان يقع على خط زلازل البحر الميت، الممتد من خليج العقبة إلى تركيا مرورًا بلبنان باسم فالق اليمونة الرئيسي والذي تتفرع منه ثلاث فوالق هي: راشيا، سرغايا وروم.  

ويقول الدكتور زعاطيطي في توضيح لـ"المدن" عقب المحاضرة، إن فالق اليمونة في لبنان، ينزلق من سهل البقاع أفقيًا باتجاه الشمال 9 مليمتر بالسنة. 

لكن فالق اليمونة وفق زعاطيطي، لا تنتج عبره من باطن الأرض زلازل قوية، لأن الصفائح في لبنان غير متصادمة وتحركها غير عنيف.  

وأضاف: "سبق أن اكتشف الفرنسيون في البحر، بعض المواقع لنشاط زلزالي، وهي مبدئيًا تصادمية واحتكاكية بين صفيحة تحت البحر مع صخور لبنان، وتعطي زلازل أقوى من اليمونة".  

وحول المعنى العلمي للفالق، يوضح زعاطيطي أنه مخرج تصدر منه الطاقة الزلزالية، وليس هو ما يؤسس لزلازل. وقال: "إن الزلازل مصدر طاقتها باطنية تحت الأرض، وتعطي طاقة حرارية من مواد مشعة تتفاعل وتسخن الصخور لتذيبها. وهذه الصخور الذائبة تحت باطن الأرض تعطي موجات زلزالية تنتقل عبر الصخور، وتصل إلى سطح الأرض بحادث واحد عبر ثلاث موجات متعاقبة سريعة ومتوسطة، ثم تصل الأخيرة لتحدث دمارًا على سطح الأرض".  

وخلافًا لكل الإشاعات، فإن كل هذا النشاط الباطني للأرض لا علاقة له بحركة الكواكب أو المناخ أو السدود أو أي نشاط على سطح الأرض. لأن هذه "الطاقة باطنية، تظهر وتخرج عبر الشقوق والكسور الموجودة بين الصفائح التكتونية".  

أما الهزات الارتدادية، "فلا خوف منها لأنها تخرج باقي الطاقة الموجود في باطن الأرض بعد وقوع الزلزال".