"الأستاذ" المتحرش سامر مولوي حرّاً: لا عدالة للطالبات الناجيات
مرة جديدة، يثبت القضاء اللبناني عدم صرامته وجديته في قضايا التحرش الجنسي، واستخفافه بشهادات الناجين والناجيات، على قاعدة أن "أدلة الفعل لا تشكل جرمًا"، وهو ما يجعل من إخلاء سبيل الأستاذ المتحرش سامر مولوي "فعلًا طبيعيًا"، رغم أن انفضاح قضيته ناجم عن فعل شديد الشجاعة والجرأة من قبل طلاب وطالبات ثانوية جورج صراف الرسمية، في طرابلس، حين قرروا فضح أستاذهم المتحرش أمام الرأي العام.
الهروب من العدالة
في منتصف كانون الأول 2021، ضجّ لبنان بقصة طالبات ثانوية طرابلس، اللواتي خرجن بصورة غير مألوفة إلى الإعلام باحتجاجات واسعة داخل الثانوية وأمام حرمها، ورفعوا الشعارات المنددة بالأستاذ المتحرش، بدعم ومؤازرة من زملائهن الشباب، وفضحوا جميعًا الانتهاكات الشنيعة التي ارتكبها الأستاذ المتحرش بحقهن. وهم شهود على ذلك، ومعظمهن يمتلكن وثائق مثبتة بمحادثات الواتساب مع الأستاذ، الذي لم يترك طالبة أو عاملة داخل الثانوية، إلا وتحرش بها، لفظيًا وجسديًا. وقد أمعن باستغلال سلطته كأستاذ، مقابل صمت فاضح من إدارة المدرسة ومديرها السابق. وقد نشرت "المدن" تحقيقًا حول الموضوع حينها موثقًا بفيديو شهادات الطالبات.
حينها، وامتصاصًا للغضب العام، حقوقيًا وشعبيًا، أعلنت وزارة التربية فصل الأستاذ عن التدريس، وأحالت الملف إلى الهيئة العليا للتأديب، وإلى مصلحة حماية الأحداث في وزارة العدل، لاتخاذ الإجراءات اللازمة. وما ضاعف الحرج، أن هذا الأستاذ تربطه صلة قرابة بوزير الداخلية والبلديات بسام المولوي، الذي سبق وأعلن عدم تغطيته لأي فعل مشين قام به الأستاذ المتحرش. ولم تثبت المعطيات المتوفرة حتى الآن، أي تدخل للأخير حماية للأستاذ المتحرش.
لكن، ما كانت النتيجة قضائيًا؟
بعد أشهرٍ من التسويف والمماطلة، ومن دون توقيفه رهن التحقيق، أخلت النائبة العامة في الشمال القاضية ماتيلدا توما سبيل، بعد التحقيق معه لساعات، يوم الاثنين 28 آذار، بموجب سند إقامة. وتعهد بعدم الاقتراب من الطالبات الناجيات صاحبات الدعوى بحق مولوي. وأحالت توما الملف إلى النيابة لعامة، التي من المفترض أن تتخذ إما قرار متابعة التحقيقات أو الاكتفاء بتعهده!
مجريات التحقيق
وفي حديث لـ"المدن"، يشرح المحامي خالد مرعب مجريات القصة قضائيًا، بصفته وكيل أربع من الطالبات الناجيات صاحبات الدعوى، خصوصًا أن الطالبات الأخريات ترددن في المواجهة القضائية مع الأستاذ المتحرش، تفاديًا للضغوط العائلية والمجتمعية، وخوفًا من استدعائهن، ومعظمهن قاصرات ما دون الـ18 عامًا.
وللتذكير، فور فضح القضية، تحركت النيابة العامة الاستئنافية بالشمال من تلقاء نفسها، وأوكلت مخفر أبي سمراء (منطقة تواجد الثانوية) مباشرة التحقيق بالملف. لكن المفارقة، أن المخفر اكتفى بشهادات بعض الطالبات، ولم يستدعِ الأستاذ حينها (في كانون الأول الماضي) للتحقيق معه، وجرى ختم الملف وحفظه بالمخفر، على قاعدة أن "الفعل لا يشكل جرمًا".
وفي 2 شباط 2022، بدأ المحامي مرعب إجراءاته بوكالته عن عدد من الناجيات، ولدى مراجعته لمخفر أبي سمرا لضم ما بحوزته في ملف واحد، اكتشف أن ملفه قيد الختم والحفظ.
لاحقًا، تابع مرعب الملف بالنيابة العامة، وادعى كموكل عن الناجيات بجرم التحرش، على قاعدة أن فعل المولوي جناية وليس جنحة، طالما أن المدعى عليه يملك سلطة على الناجيات، بوصفه أستاذًا في المدرسة.
وطوال هذه الفترة، كان المولوي حرًا بلا أي ملاحقة ولم يخضع للاستجواب القضائي.
وبعد نحو شهر من المماطلة والتسويف بإرسال الشكوى إلى المرجع المختص عبر Libanpost، وصلت الشكوى إلى تحري طرابلس، فتواصل الأخير مع المحامي قبل نحو 10 أيام، لتقديم إفادته وعرض ملفه أمامه مدعمًا بالمستندات والأدلة، كإجراء شكلي.
أول من أمس، حسب مرعب، تواصل معه المحقق العسكري، وأبلغه أنه حقق مع المولوي. كما طلب المحقق من مرعب أخذ افادة الطالبات الناجيات، وهو ما لم يحصل بعد.
وأمس، تفاجأت الطالبات أن المولوي خضع للتحقيق لساعات مع القاضية توما، وجرى إخلاء سبيله فورًا بعد التعهد بعدم التعرض للطالبات.
ماذا يعني ذلك؟
قانونيًا، الملف لم يغلق بعد طلب إحالته للنيابة العامة. لكن برأي المحامي، كان يفترض توقيفه أو على الأقل التوسع بالتحقيق أكثر قبل إرساله مجدداً للنيابة العامة الاستئنافية. وهو من المفترض أن يصلها في الأيام المقبلة.
وحاليًا، فإن القاضية توما اليوم أمام ثلاثة خيارات حسب مرعب: إما التوسع بالتحقيق والسماع مجدداً لشهادات الطالبات الناجيات اللواتي يمتلكن الأدلة الكافية لتجريم الأستاذ، وإما تحويل الملف إلى قاضي تحقيق لاستكماله، وإما إغلاق الملف وحفظه، والاكتفاء بتعهد مولوي.
وعليه، يمكن للمحامي اللجوء لطلب التوسع بالتحقيق لدى النيابة العامة، أو تقديم شكوى مباشرة بحق الأستاذ المتحرش أمام قاضي التحقيق. لكن في حال وضع الملف بالجارور، لا يمكن التحرك، بهذين الخيارين، وفق المحامي.
وتفيد معطيات "المدن" أن الطالبات تحمسن لدى معرفة أن أستاذهن يخضع للتحقيق، لكنهن شعرن بقلق وخيبة كبيرة من النتيجة. وتخشى الطالبات تسويف الملف من دون اتخاذ أي اجراء صارم بحق المتحرش، خصوصًا في ظل المخاوف من بعض التدخلات السياسية غير المباشرة في طرابلس لدى القضاء، دعمًا للأستاذ، على قاعدة تركه حرًا من دون أي ملاحقة أو قرار قضائي، والاكتفاء بفصله من التعليم.
وأمس الثلاثاء، استنكرت "رابطة طلاب لبنان" إخلاء سبيل مولوي بموجب سند إقامة وتعهد بعدم الاقتراب من الطالبات صاحبات الدعوى فقط، وطالبت الأجهزة القضائية بـ"استكمال التحقيق وفرض أشد العقوبات على الجاني"، وتعهدت "بمتابعة الملف".