تواطؤ النوّاب مع المدارس الخاصة: خطة ابتزاز الأهالي
تتحفنا بعض إدارات المدارس الخاصة بفنون الابتزاز المنسق والمخطط له. وقد تعوّد المواطن اللبناني على أنماطها المعتمدة لتشريع سرقة ما أمكن من أمواله، وقضم حقوق آخرين كالمعلمين، حماية لأرباحهم. فقبيل جلسة مجلس النواب التشريعية في 20-21 شباط، تم إدراج اقتراح "وقف العمل في المادة 2 من القانون 515/96". وهي المادة في قانون الموازنات المدرسية التي تحدد سقوف الإنفاق بين الرواتب (65%) والمصارفات التشغيلية (35%)، والتي نوقشت في السابق في لجنة التربية النيابية، وتمت إحالتها إلى اللجان المشتركة التي درستها وأحالتها إلى التصويت في المجلس الأسبوع المقبل. وفيما يبدو أن التعديل سيمر بعدما فعّلت بعض المدارس آليات الضغط المعتمدة، عبر حضّ المعلمين مجددًا على الإضراب، في خطة واضحة المعالم.
مدّد وزير التربية مهلة تقديم الموازنات المدرسية من نهاية كانون الثاني حتى نهاية شباط، موعد الدفعة الثانية من القسط التي ستُدفع بعد إقرار الموازنة المدرسية وعلى أساسها. والسبب المباشر للتمديد هو إقرار التعديل للمادة 2 من القانون 515/96 قبل ذلك. وهذا التعديل، حسب ما ورد في مشروع القانون، لم يحدد سقوف النسب وتركها مفتوحة، بينما اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور يصرون على تحديد السقوف وعدم تركها مفتوحة من دون ضوابط، على أن تجري عملية حسابية لقياس تأثير الأزمة، ولا سيما زيادات بدلات النقل والمحروقات والمشتريات الضرورية بالدولار على الموازنة.
في الأسابيع الماضية علا صوت المعلمين في القطاع الخاص، تحديدًا في المتن وكسروان، وأعلنوا إضراباً تحذيرياً لمدة أسبوع، خلص إلى تسويات شابتها اعتراضات الأهل على الزيادات. عاد بعدها المعلمون إلى التدريس مستندين على وعود. اليوم، لا تزال المدارس الخاصة تطلب زيادات، بعضها تعدّى 100% ولا تقل عن 50% على الأقساط.
الإنجيلية الوطنية -النبطية نموذجاً
في المدرسة الإنجيلية الوطنية، لجنة الأهل نشيطة وفاعلة،و لم تقبل زيادات تُدرج في الموازنة تحت بند سلفة أو الأزمة أو المتوقع، ولكنها كانت تتعاطى مع الواقع بعقلانية، فاقترحت لجنة الأهل تصحيح الوضع برسالة تحدد البنود التي يمكن تخفيض المصارفات التشغيلي، وتخفيض الزيادة إلى 3,000,000 ل.ل بدلاً عن الزيادة المطلوبة 4,700,000 ل.ل. مع مراعاة عدم المساس بالرواتب والأجور والمساعدات وبدلات النقل للأساتذة، كما إلغاء بند المساعدات والمقرر حسب الموازنة مليار ليرة لبنانية، مما يخفض الزيادة على الأقساط 700,000 ل.ل.
وراحت لجنة الأهل أبعد من ذلك، فقد عرضت على الإدارة قبول الزيادة على أن تذهب هذه الزيادات مباشرة إلى المعلمين، وتحت إشراف لجنة الأهل والإدارة.
طبعًا هذا الأمر لم يرق لمدير المدرسة، فرفض الاقتراح، وأرسل رسالة عبر التواصل الاجتماعي للمعلمين، يخبرهم فيها أنهم لن يتقاضوا رواتبهم بدءًا من هذا الشهر "لعدم استيفاء الأقساط". علمًا ان قسمًا لا بأس به من الأهالي قد دفعوا القسط الثاني. إذاً، ضمناً وعلنًا يقول المدير أن الأهالي يتمنعون عن دفع الأقساط. قبل ذلك أرسلت الإدارة المحاسبَ ليمر على الصفوف ويطلب من التلامذة نقل رسالة إلى الأهل بوجوب دفع الأقساط! كما حضّت المعلمين على المطالبة بـ100 دولار فريش! ومنذ بضعة أيام وخلال حصة أونلاين تقوم إحدى المعلمات في المرحلة الإبتدائية بالطلب من تلامذتها أن يخبروا أهلهم بوجوب دفع الأقساط! وفي نهاية الأسبوع الماضي يرسل المدير رسالة إلى الأهالي، فحواها أن المدرسة مغلقة حتى إشعار آخر بسبب إضراب المعلمين!
إذاً المواجهة ليست بين المعلمين والأهل، بل بين الإدارة والمعلمين، فهي تخالف العقود المبرمة بينهما، وتخالف القانون مستخدمة أسوأ الوسائل لقسمة العائلة التربوية، حمايةً لمصالحها. علمًا ان هذا السلوك سيؤدي إلى خرابها. ولكن لماذا ينجرف المعلمون في هذا السلوك العدائي تجاه الأهل ويخضعون لتوجيهات الإدارة ونميمتها؟
لماذا ترفض الإدارات هذه الاقتراحات البناءة والعملية؟ هل الأهالي من يريدون تعطيل السنة الدراسية أم المعلمون أم إدارات المدارس، لكي تضمن السيطرة الكاملة والربح الوفير؟ المواطنون في أزمة، معلمون وأهالٍ، الموازنات التقشفية والشفافة هي الحل الأمثل للجميع، حيث تتوزع الخسائر والنفقات بعدالة، فلا يخسر أي منهم حقه في العيش بالحد الأدنى في ظل الأزمة.
نمط يتكرر
هذا السلوك من بعض إدارات المدارس العريقة يتكرر في نمط شهدنا شبيهه في المتن وكسروان، ولا سيما أبرزها الأنطونية الدولية -عجلتون، حيث دفعت إدارات المدارس المعلمين إلى الإضراب، ودائمًا بحجة أن الأهالي لم يوافقوا على الزيادات غير المدروسة (الأنطونية: زيادة القسط 50% أول العام الدراسي واليوم تطالب بـ3 مليون إضافية) مما استدعى تحرك الأهالي الاعتراضي والدعوة إلى التجمع صباح الثلاثاء 15 شباط أمام المدرسة. أيضًا في الإنجيلية الوطنية -النبطية التي استقال 9 أعضاء من لجنة الأهل، بينهم الرئيس وعضوا اللجنة المالية. كذلك الأمر في بعض مدارس طرابلس والكورة الخاصة وغيرها. حيث تحاول المدارس استباق إقرار تعديل المادة 2 من القانون 515/96 وتحدد الأقساط من دون موافقة لجان الأهل وتتجاوز القانون. مما حدا باتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور إلى إصدار إعلان تحذيري للإدارات المدرسية، تطلب فيه تدخل مصلحة التعليم الخاص والوزارة لضبط سلوك المدارس التي تسعى لتحويل الصراع إلى نزاع بين الأهل والمعلمين، وتتنصل المدارس من أي مسؤولية في تخفيف الأعباء وتوزيع الخسائر بشكل عادل.
التمرير بالبرلمان
في الجانب التشريعي حيث أصحاب المدارس الخاصة هم الأقوى كذلك ممثليهم في المجلس، كالنائبة بهية الحريري رئيسة لجنة التربية النيابية وصاحبة شبكة مدارس كبيرة، كذلك النائب إدغار طرابلسي ممثلًا مصالح المدارس الإنجيلية، وغيرهم من أعضاء المجلس النيابي، سيقومون بتمرير تعديل المادة 2 من القانون 515/96 من دون ضوابط وبشكل مبهم، كما حصل مع قانون مساعدة أولياء التلامذة (قانون 500 مليار) الذي يتناقض عنوانه وغاياته مع المضمون، إذ ستوزّع 350 مليار ليرة على المدارس الخاصة لسداد متأخراتها لدى صندوق التعويضات وفروقات الدرجات الست، التي امتنعت عن تنفيذه خلافًا للقانون، وليس لمساعدة الأهالي المتعثرين كما يشير العنوان.